هل تكون المعابر غير الشرعية أحد “معابر” الوزير السابق جبران باسيل لسلوك درب الرئاسة بتصوير قائد الجيش العماد جوزف عون “متواطئاً” و”مطنّشاً” عن حماية الحدود في عزّ أزمة تهريب المازوت من لبنان الى سوريا؟ أم أنّها ستكون عنوان الصراع بين قائد الجيش وبين “التيار الوطني الحرّ” خلال الأشهر المقبلة؟ خصوصاً بعد الحملة السياسية، بشكل مباشر وغير مباشر، من الوزير باسيل، ولحق به وزير الدفاع السابق الياس أبو صعب، ضدّ الجيش وقائده.
المصادر العسكرية تقول لـ”أساس” إنّ الجيش يقوم بواجباته في حدود الإمكانات المتوافرة: “فالمعابر الشرعية بين لبنان وسوريا عددها خمسة، وهي العريضة، العبودية، البقيعة – جسر قمار، جوسيه – القاع، والمصنع، وفي موازاتها نجد أكثر من 120 ممرّاً غير شرعي ومئات المسالك المحتملة للتهريب يقوم الجيش بإقفالها تباعاً. كما تشكّل المناطق المتنازع عليها إشكالية في عملية ضبط الحدود”.
الجيش يعمل إذاً، لكنّ المشكلة الأكبر هي “النقص الفادح في العديد، فحدود بطول 73 كيلومتراً، حيث ينشط التهريب، تحتاج على الأقلّ إلى 7 آلاف عسكري، في حين لا يتوافر أكثر من ألف عسكري فقط، لأسباب عديدة، منها المهمات الأمنية المنوطة بالجيش، على الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية، ومنها مهمّاته الأمنية في الداخل اللبناني”، بحسب المصادر العسكرية.
والمشكلة الثانية هي وجود “36 نقطة خلافية في 27 منطقة حدودية بين لبنان وسوريا، نتيجة عدم ترسيم الحدود فيها، والسبب هو اختلاف الخرائط بين الجانبين اللبناني والسوري”، وأبرز هذه النقاط الخلافية “تتوزّع بين عرسال، عربون، والقاع، ورأس بعلبك، وديرالعشاير، وشبعا”.
إقرأ أيضاً: قانون قيصر في لبنان: التهريب يعرقل مفاوضات “صندوق النقد”
باسيل كان استهلّ الهجوم على قيادة الجيش في مؤتمره الصحافي قبل أسبوعين، حين قال إنّ “حجّة عدم القدرة على ضبط المعابر يسوّقها من هو متواطئ فيها من أجهزة أمنية وقوى أمر واقع”، وما لبث أن لحق به بو صعب الذي تطوّع لفتح النار باتجاه اليرزة واتّهم العماد جوزف عون بالتقصير.
بو صعب ذهب بعيداً، وكشف في حديث تلفزيوني أنّه وجّه كتاباً خطيّاً إلى قائد الجيش، حين كان وزيراً للدفاع، طالباً منه “إقفال عشرة معابر ذكرها بالأسماء”، وقال بو صعب بالحرف الواحد: “المطلوب تنفيذ قرار مجلس الوزراء فقط، وإذا في عوائق لوجستية كما يقول قائد الجيش فليقل لنا ما هي ونحن منحلّلو ياها”!.
خالف وزير الدفاع السابق قراراً وزارياً وقانون الدفاع، بأن كشف عن مستندات عسكرية سرّية، لا يجوز أصلًا أن تكون من ضمن “مقتنياته” الشخصية بعد خروجه من اليرزة. لكنّ هذه المخالفة باتت أمراً ثانوياً أمام واقع ارتفاع المتاريس الباسيلية بوجه قائد الجيش، وهذه المرّة من بوابة المعابر الحدودية.
فقد بتنا نشهد اليوم اتهاماتٍ صريحة لقائد الجيش توجّهها إليه قوى سياسية، وعلى رأسها للمفارقة “التيار الوطني الحر”. منها القول إنّ العماد عون أغفل وجود قرار سياسي صادر عن مجلس الوزراء في حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة في 24 أيّار 2019 تطلب الحكومة عبره من قيادة الجيش والأجهزة الأمنية “التشدّد في ضبط الحدود البرية ومنع عمليات التهريب، والإيعاز إلى إدارة الجمارك اتخاذ أقصى العقوبات والغرامات بحقّ المهرّبين، وصولاً إلى مصادرة الآليات المستعملة بحسب الأصول”.
وفيما كان الجيش يقوم بواجبه أصلاً بمنع التهريب، تحديداً بعد تعيين عون قائداً للجيش، فإنّ القرار السياسي الأوضح صدر عن هذه الحكومة بإقفال كافة المعابر غير الشرعية، في وقت يجاهر الجيش بطلب “المؤازرة” لتمكينه من القيام بمهامه، من دون تعليق على ما يتعرّض له من هجوم من “أهل البيت”.
وقد أتت الزيارة الثلاثية لرئيس الحكومة حسّان دياب ووزيرة الدفاع وقائد الجيش إلى حدود السلسلة الشرقية بمثابة رسالة في ظلّ الهجوم الذي تتعرّض له الحكومة وقيادة الجيش في ما يتعلّق بالحدود البرية. ويُنتظر أن تتكثّف الضغوط على الجانب اللبناني مع دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ. في المقابل، تعتبر مكافحة التهريب عبر الحدود اللبنانية السورية وضبط المعابر غير الشرعية من الشروط الأساسية التي سيفرضها “صندوق النقد الدولي” على الدولة اللبنانية.
لكنّ الرسالة الأهمّ تجلّت في موقف قائد الجيش أمام الضباط والعسكر في بعلبك قبل أيّام مختصراً لبّ الأزمة على الحدود: “لا يجوز محاسبة جيش من دون إمكانات”.
يحدث ذلك في ظلّ قرار سياسي بوقف التطويع في كافة الأجهزة الأمنية وتخفيض موازنة وزارة الدفاع وعجز حقيقي عن “تغطية” الحدود اللبنانية السورية بمستلزمات مكافحة التهريب وبالعديد الذي ينقص ستة أضعاف عن المطلوب تحت وطأة أزمات متلاحقة أدخلت الجيش منذ تشرين الاول الماضي في نفق الاستنزاف.
من مقترحات القيادة العسكرية استحداث معبر شرعي في منطقة القصر – مطربة، وتوفير الإمكانيات اللازمة لإنشاء مراكز عسكرية في منطقة المشرفة القصر – حرف السماقة، وفي غرب الهرمل، وتوفير عديد كافٍ للجيش بحجم فوج كامل، لضبط منطقة المشرفة – القصر – حرف السماقة
وفيما باتت إشكاليات ومسبّبات التهريب معروفة، وأهمها تداخل الحدود ووجود مافيات مستفيدة من الطرفين والجشع على “الكاش”، فإنّ إجراءات الجيش، وفق المصادر العسكرية، تركّزت على إقامة 201 مركز عسكري حدودي، و39 برج مراقبة، وإغلاق الممرّات الحدودية غير الشرعية بنسبة تفوق الـ 90% في الشمال والبقاع الأوسط وفي جرود عرسال ورأس بعلبك، واتخاذ إجراءات أمنية (منها نقاط مراقبة، وكمائن، وحواجز، ودوريات، وإغلاق معابر بالسواتر الترابية والعوائق…)، وفتح ثلاثة ممرّات زراعية لتسهيل مرور المزارعين إلى أراضيهم الزراعية في مرطبية، وادي الزمراني والقصير، وتوقيف العشرات من الشاحنات والصهاريج ومصادرة آلاف الليترات من المازوت المهرّب والقمح…
وفق المعلومات، فإنّ مجلس الوزراء مؤخراً أخذ باقتراح القيادة العسكرية، عبر وزيرة العدل ماري كلود نجم، بتعديل التوصيف القانوني للتهريب، واعتباره جناية وليس جنحة، وتشديد العقوبات على المهرّبين، وتصنيف ارتكاباتهم ضمن جرائم تبييض الأموال. مع العلم أنّ التهريب كان سِمة في العهود المتعاقبة كلّها، لكنه اليوم يكتسب خطورة كبيرة بسبب استنزافه لاحتياط مصرف لبنان من الدولار “العزيز”، وتضاعف فاتورة استيراد المازوت بسبب ارتفاع الكميات المستوردة كُرمى لـ”حاجات” المهرّبين.
ومن مقترحات القيادة العسكرية استحداث معبر شرعي في منطقة القصر – مطربة، وتوفير الإمكانيات اللازمة لإنشاء مراكز عسكرية في منطقة المشرفة القصر – حرف السماقة، وفي غرب الهرمل، وتوفير عديد كافٍ للجيش بحجم فوج كامل، لضبط منطقة المشرفة – القصر – حرف السماقة.
ما هو لافت أيضاً في قرار مجلس الوزراء في 14 أيّار، ضمن إطار التدابير الاستثنائية والمؤقتة التي تستلزمها حالة التعبئة العامة لمواجهة كورونا، الجملة الآتية: “تُصادر لمصلحة الجيش وقوى الأمن الداخلي جميع المواد التي يتمّ إدخالها او إخراجها من لبنان بصورة غير شرعية وبأيّ وسيلة أو طريقة كانت. كما تُصادر أيضاً السيارات والآليات المستعملة لهذه الغاية”.
هي حرب يبدو أنّ باسيل قد فتحها بوجه اليرزة، ويستخدم فيها أسلحة مشروعة وغير مشروعة، لا تراعي حرمة الجيش، ولا كون قائده محسوباً على رئيس الجمهورية، والأرجح أنّ هدفها لا علاقة له بالتهريب، الذي يديره حليف باسيل، عسكرياً ومدنياً، كما يقول خصوم حزب الله، بل تدخل ضمن السعي الميكيافيلي من باسيل صوب كرسي بعبدا، وفق مبدأ “الغاية تبرّر الوسيلة”، ولو على حساب الجيش والحدود.