العريس يقف مع عروسه عند باب السيارة وحوله جمهرة من الناس يهتفون “شيعة شيعة شيعة”. عرسه صادف في هذا اليوم، السادس من حزيران، وبما أن محيطه يشارك في “العرس الوطني” عبر شعار “شيعة شيعة شيعة”، قاموا بزفّه مع عروسه على وقع هذا الشعار. الفيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدا فيه العريس سعيداً. وعلى غرار الملاحظة التي تذيّل الدعوات إلى الأعراس، ومفادها أن “جنة الأطفال منازلهم”، بدت الدعوات إلى تحرّك السادس من حزيران، والتي جرى تناقلها من مصادر عدة على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب، كما لو أنها مذيّلة بملاحظة شبيهة: “جنّة اليساريين منازلهم”.
إقرأ أيضاً: “الحاج” في الضاحية: “روحوا تظاهروا بالغربية!”
فالدعوات الكثيرة وما رافقها من هرج ومرج وتضارب في المعطيات والأهداف، واختلاف في الأجندات، وتفاوت في المطالب، تبدو شبيهة بخلافات بين أهل العريس وأهل العروس في ليلة الفرح، فيتحوّل إلى مأساة كما في عدد من الأعراس التي تنقلب إلى مجالس عزاء في لحظة واحدة، وبعضها يسال فيها دم كثير. وبما أن الدعوات كانت كثيرة، فإن الأعراس بدورها كانت كثيرة، وكلّ طرف دعا وحشد، كان في عرسه الخاص مع زفّته الخاصة وبرنامج احتفالاته الخاص. وإذا كان عرس الـ”شيعة شيعة شيعة” قد استحوذ على مواقع التواصل الاجتماعي كما هي حال العروسين المسرورين بالهتاف الطائفي في الفيديو المتناقل، فإن أعراساً طائفية أخرى تنقّلت في هذا اليوم بين المناطق اللبنانية، ليبدو الأمر كما لو أنه يعيدنا سنوات إلى الوراء، إما إلى العام 2008 أو حتى العام 1975، وكلها أعراس “وطنية” دبك فيها اللبنانيون دبكات دموية.
انتهى اليوم إلى استعادة موقعة “الجمل”، واستعادة البوسطة بين الشياح وعين الرمانة. وما كان ينقص هذا العرس إلا أن يحضره عبدالله بن سبأ!
الدعوة إلى تحرّك السادس من حزيران تركت انطباعاً لدى كثيرين بأن شيئاً يحضّر على مستوى “عرس وطني” من طراز العرسين المذكورين آنفاً. فعودة الانقسام العامودي في الآراء بين معسكري العام 2005، 8 و14 آذار، وعودة الحديث عن “قميص عثمان” الشيعة، أي سلاح “حزب الله”، ورفعه على المنابر واتخاذه شعاراً، كان ينبئ بأن الذي يحضّر لهذا اليوم “دبكة مرتّبة”. شعر كثيرون بأن شيئاً ما يحدث وهو لا يوحي بالاطمئنان، وبعضهم عزف عن المشاركة لمجرّد الشعور بعدم الأمان. أما يساريو الطرفين، فانقسموا فيما بينهم كلّ في معسكره، بعضهم رأى في المشاركة بالعرس ضرورة “أخلاقية” على طريقة “بكلّ عرس إلهم قرص”، وبعضهم الآخر آثر عدم المشاركة لأنه استشعر أن كارت الدعوة يستثنيه ويطلب إليه ملازمة “الجنة”. في الحالين، كان الطرفان على بيّنة من مآلات هذا اليوم. وقد خبروا سابقاً أياماً كهذه تنتهي دائماً إلى انتصار المنطق الطائفي على كل ما عداه.
انتهى اليوم إلى استعادة موقعة “الجمل”، واستعادة البوسطة بين الشياح وعين الرمانة. وما كان ينقص هذا العرس إلا أن يحضره عبدالله بن سبأ!
احلى اليساريين هو الذي استسلم لنوم عميق في هذا اليوم. نام وشبع نوماً، وحين استيقظ “على صوت فرح” على ما تقول أغنية لنجاة الصغيرة عن حضورها عرس حبيبها (ساكن قصادي)، و”بصّ من الشباك”، ردّد، متكاسلاً ومتثائباً، مع الشاعر الراحل محمد العبدالله: “نظرتُ من النافذة فإذا بها حرب أهلية”!
شيعه شيعه شيعه ?????? مبروك ?عريس الزين يتهنى pic.twitter.com/IoI7qnngD2
— Hassan Zahoui (@ZahouiHassan) June 6, 2020