لم يكن وزير الدفاع موريس سليم واحداً من أصل خمسة عشر وزيراً اختارهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للمشاركة في جلسة اللجان النيابية المشتركة لمناقشة “خطة الحكومة الوطنية لمواجهة الحرب المحتملة”، مستبدلاً حضور الوزير بتوجيه دعوة لحضور “الجيش” الجلسة، الأمر الذي استدعى انتقاد رئيس اللجان النائب الياس بو صعب ميقاتي لاستبعاده وزير الدفاع.
بو صعب نفسه خاض مشكلاً قبل أيام على مدخل وزارة الدفاع المؤدّي إلى مكتب الوزير بعدما قرّر زيارته باليرزة في اليوم التالي لـ “مشكل السراي” بين ميقاتي وسليم على خلفية كتاب “التحذير” الذي وجّهه الأول للثاني، فمُنِعت سيارة المواكبة الثانية المُرافِقة لنائب المتن من دخول حرم باحة مبنى وزارة الدفاع، واستدعى الأمر انتظار بو صعب نحو عشر دقائق و”تسكيره الطريق” اعتراضاً إلى حين “نجاح الاتصالات” مع مكتب القائد والسماح بدخول سيّارتَيْ بو صعب!!
حرب النكايات والانفعالات
لا يبدو أنّ حرب النكايات ستنتهي قريباً على “الجبهات” المفتوحة ربطاً بالصراع المُزمِن بين قائد الجيش وجبران باسيل والمحسوبين عليه، والجفاء المستحكم بين قائد الجيش ووزير الدفاع والخلاف المستجدّ بين الأخير ورئيس الحكومة.
فعليّاً، تضغط مسألة التمديد لقائد الجيش بقوّة باتّجاه تكريس تثبيت المتاريس ورفع مستوى الاحتقان في “عزّ” تأرجح لبنان بين خيارَيْ الحرب والتحييد، فيما تُوجَّه انتقادات مباشرة لقائد الجيش بأنّ عيّنة صغيرة من أدائه “الشخصاني” والمحكوم بعدم السيطرة على الانفعالات على رأس قيادة الجيش عكست صورة أوضح لأدائه المتوقّع في قصر بعبدا في حال انتخابه رئيساً.
“كتاب السراي” شغّال
وفق معلومات “أساس” فإنّ الكتاب الذي أرسله ميقاتي لوزير الدفاع طالباً منه “بالسرعة القصوى رفع الاقتراحات اللازمة بما من شأنه تأمين الاستقرار في الجيش لا سيما في مركز القيادة بعيداً عن الجدل القانوني وما يرافقه من نقاشات وآراء فقهية”، قوبل بالتجاهل التامّ من قبل الوزير سليم الذي رأى فيه إهانة مباشرة له بسبب التلويح باتّهامه بارتكابه الخيانة العظمى والإخلال بواجباته المترتّبة عليه بعد استناد الكتاب إلى المادة 70 من الدستور، والإيحاء بأنّه “غير حريص على المحافظة على الأمن والاستقرار في الأجهزة الأمنية والعسكرية” عبر تذكير وزير الدفاع بصلاحيات رئيس الحكومة، وبسبب إرسال نسخة من الكتاب إلى وزير العدل (وزير الدفاع بالوكالة) وقيادة الجيش”.
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس” إنّ مفاعيل الكتاب القانونية ما تزال قائمة ولم يُرسَل للشكل فقط. فوزير الدفاع الذي قد يتخطّى الكتاب، لا تستطيع الجهة المُرسِلة أن تتخطاه كأنّه لم يكن
في هذا السياق، علم “أساس” أنّ وزير العدل هنري خوري تكفّل بالردّ على كتاب ميقاتي حيث جاء في الردّ: “بما أنّ كتابكم موجّه إلينا بضفتنا وزير الدفاع بالوكالة، وبما أنّه بوجود الأصيل لا صلاحية للوكيل في أيّ أمر يعود أمر البتّ به للأصيل، نعيد إليكم الكتاب لإحالته مجدداً إلى وزير الدفاع وفقاً للأصول الدستورية”.
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس” إنّ “مفاعيل الكتاب القانونية ما تزال قائمة ولم يُرسَل للشكل فقط. فوزير الدفاع الذي قد يتخطّى الكتاب، لا تستطيع الجهة المُرسِلة أن تتخطاه كأنّه لم يكن، خصوصاً أنّه استند إلى المادة 70 من الدستور وما تتضمّنه من تبعات، ولا سيما إذا لم يتمكّن مجلس النواب من إقرار قانون التمديد”.
اعتبر المصدر، في سياق التفتيش عن كلّ ما يدعّم موقف الحكومة “للتصرّف” بمعزل عن الوزير سليم، أنّ “المسؤولية الجزائية لا تنطبق فقط على وزير الدفاع إذا تخلّف عن مسؤولياته، بل على الحكومة إذا لم تتّخذ الخطوات اللازمة لتفادي شغور يؤثّر على الأمن القومي والمصلحة العليا للدولة وذلك عبر تخطّيها إجراءً إدارياً عاديّاً”.
بورصة الشغور
السيناريوهات المطروحة لملء الشغور، قيادة ورئاسة أركان، ما تزال كالبورصة تنخفض أو ترتفع أسهمها يومياً لكن من دون مغادرة مربّعَيْ الحسم الذي سيحصل إمّا في مجلس النواب أو في مجلس الوزراء، أو سقوط مشروع التمديد لقائد الجيش. مع العلم أنّ الحكومة لم تتطرّق في اجتماعها أمس إلى مسألة التعيينات العسكرية.
لماذا يعترض الحزب على حسّان عودة؟
لكنّ كلام جنبلاط الأخير بخصوص تعيين العميد حسّان عودة رئيساً للأركان وكشفه عن سؤال الحزب له “إذا كان يَضمنه”، أثار الكثير من النقاش السياسي وفتح باب التساؤلات على مصراعيه:
-إلى أيّ مدى يَربط الحزب موافقته على التمديد لقائد الجيش وتعيين العميد عودة بـ”المعطى الأميركي” وأداء المؤسّسة العسكرية ربطاً بهذا المعطى؟
– إلى أيّ مدى يأخذ الحزب بالاعتبار ضغط واشنطن للتمديد لقائد الجيش في الوقت الذي توفّر فيه الولايات المتحدة الغطاء الأكبر اليوم لجرائم إسرائيل في غزّة و”المُساهمة” تقنياً في مساعدة إسرائيل على إيقاع خسائر موجعة بصفوف الحزب في الأيام الأولى لاندلاع الحرب؟
– لماذا يُبقي الحزب، المعنيّ الأوّل بإبقاء الساحة الداخلية بمنأى عن ضربة إسرائيلية عسكرية قد تكون مدمّرة للبنان، ورقته مخفيّة في شأن مصير القيادة العسكرية بعد 10 كانون الثاني؟
– ما هي الخشية الفعليّة للحزب من ضابط اسمه حسّان عودة؟ وهل يتحسّس الحزب لهذه الدرجة من ضابط ليس محسوباً في السياسة على المختارة ولم يكن بالتأكيد خيار جنبلاط المفضّل لرئاسة الأركان واختاره “لأنّه الأقدم رتبة” كما قال، لكنّ موقعه الحالي قائداً للّواء الـ11 في الجيش المنتشر حالياً في المتن الشمالي، وضمناً مربّع عوكر حيث مقرّ السفارة الأميركية، يجعل الحزب متوجّساً من تعيينه رئيساً للأركان وربّما تولّي مهامّ القائد في حال لم يُمدّد لجوزف عون؟
لكنّ برّي، وفق المعلومات، قد يدعو إلى جلسة تشريعية بجدول أعمال “الضرورة”، ومن ضمن بنودها اقتراحات قوانين التمديد المقدّمة في شأن رفع سنّ التقاعد وليس فقط “قانون معراب”
مسايرة أم فيتو؟
تبقى كلّ هذه التساؤلات مشروعة ما دام الحزب يلعب على “الحَبلين” في موضوع التمديد لقائد الجيش مع تسريبه “جوّ” عن أنّه “مزروك بمسايرة باسيل” الرافض بشكل قاطع التمديد لعون في “مرحلة الحرب”. وهو باسيل نفسه الذي لم يجد حرجاً، ومعه ميشال عون، بتغطية التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ستّ سنوات “في مرحلة السلم والاستقرار” عام 2017.
في هذا السياق يتساءل مصدر بارز: “هل موقف الحزب مرتبط فعلاً بمجرد مسايرة باسيل أو يتلطّى بموقف باسيل ليغطّي موقفه مسيحياً و”يبيعها” في الوقت نفسه لجبران؟ فأجندة عدم التمديد، من جانب الحزب، قد تكون مرتبطة بتراكمات سابقة أو موقف متّخذ مسبقاً من جانب الحزب، وراهناً بالأحداث الإقليمية وما يدور في غزّة”.
في المقابل، تحضر مقاربة لها فريقها المؤيّد داخل الحزب: “ما مصلحة المقاومة في هذا التوقيت بالوقوف على خاطر جبران على حساب مصلحة المؤسّسة العسكرية وضمان استمراريّتها في ظلّ عدم وجود خيارات قانونية بديلة ومتينة؟ وما مصلحة الحزب في التموضع بالجبهة المضادّة لقائد الجيش في وقت أنّ قريبين من الحزب يقرّون بأنّ التمديد لعون بهذه الظروف مصلحة له قبل الآخرين؟”.
برّي: جدول أعمال “دسم”
أمّا الرئيس نبيه برّي الرافض بشكل قاطع للامتثال لـ “توجيهات” سمير جعجع بفتح أبواب مجلس النواب “فوراً وببند وحيد هو تمديد تسريح رتبة عماد”، فهناك “تراكمات” تحكم علاقته مع العماد عون وشيء من “الكيمياء” التي لم تأخذ مكانها بين اليرزة وعين التينة.
إقرأ أيضاً: برّي لن يسير باقتراح “القوات” للتمديد لقائد الجيش!
لكنّ برّي، وفق المعلومات، قد يدعو إلى جلسة تشريعية بجدول أعمال “الضرورة”، ومن ضمن بنودها اقتراحات قوانين التمديد المقدّمة في شأن رفع سنّ التقاعد وليس فقط “قانون معراب”.
مع ذلك، المؤكّد أنّ برّي لن يطرح التمديد بنداً رقم واحد على جدول الأعمال تجنّباً لمشاركة “القوات” والقوى المسيحية المعارِضة والنواب المستقلّين في “الربع الأوّل” من الجلسة، ثمّ تطيير نصابها اعتراضاً على “التشريع في غياب رئيس الجمهورية”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@