في اللقاء اليتيم الذي جَمع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في عين التينة بُعَيد تكليف مصطفى أديب تشكيل الحكومة، ومن ضمن مسعى رئيس “تيار المستقبل” للإبقاء على خطّ التواصل والتنسيق قائماً بين بيت الوسط وعين التينة، حَمَل الحريري ثلاثة أسماء إلى برّي لتولّي حقيبة المالية، فما كان من الأخير إلى أن بادره بالقول: “أفهم أن لا تحمل أسماء للتوزير قريبة منّي، ولا من الثنائي الشيعي، لكن أن تروّج لشخصيات محسوبة بالكامل عليكم. هذا ما لا أفهمه”!.
رفض برّي في تلك الجلسة أيّ محاولة لـ”تبليغه” بالأسماء الشيعية في الحكومة المقبلة، خصوصاً الاسم الذي سيختاره رؤساء الحكومات السابقون للمالية بالتنسيق مع الفرنسيين، مؤكداً أنّ خياره الشخصي سيذهب نحو شخصية غير حزبية من خارج السيستم “ببروفيل مرتّب” يرتاح له صندوق النقد الدولي.
إقرأ أيضاً: وزارة المالية: من ينكسر “عملاء الاستعمار” أو “كرامة الشيعة”؟
وبرّي كان أكثر صراحة بالتأكيد أنّه “يقاتل” على جبهتين: رئاسة الجمهورية وجبران باسيل يروّجان للمداورة المرفوضة من قبلنا على مستوى حقيبة المال، والرئيس المكلّف ينفّذ، بذهنية الموظّف، أجندة فرنسية بدعم كامل من الحريري وميقاتي.
ما تضمّنته الخطة الفرنسية من بنود تعكس ما يشبه “المشروع الاقتصادي” المتكامل لوضع اليدّ على المرفأ والمعابر والطاقة والاتصالات بشراكة فرنسية مع أطراف في النادي الرباعي لرؤساء الحكومات السابقين
وقبل أن يغادر الحريري عين التينة محمّلاً بفيتوات شيعية بادر مضيفه قائلاً: “رح يحكيك الرئيس الفرنسي”. بدا الأمر بمثابة تهويل خلق انزعاجاً لدى برّي، العالِم بالخطّ الساخن المفتوح بين الإليزيه وبيت الوسط وآل ميقاتي، إلى درجة أنّ أوساط الحريري كانت بدأت تروّج لاتصال ماكرون ببرّي قبل أن يرنّ جرس الهاتف في عين التينة.
كانت تلك الزيارة، برأي قريبين من عين التينة، بمثابة دليل قاطع عن مدى انسياق الحريري في مشروع الانقلاب على قواعد اللعبة: ما لم يتمكّن الحريري من نيله بعد 17 تشرين عبر محاولته فرض الشروط ليقبل التكليف، يسعى للحصول عليه بـ”واجهة” شكلية اسمها مصطفى أديب ومؤازرة من رؤساء الحكومات السابقين.
لكن ما لم يقله بري للحريري في تلك الجلسة، باتت أوساط قريبة من رئيس مجلس النواب تتحدّث عنه في الغرف المغلقة، وعلى أساسه سيتمّ الإطاحة بأيّ محاولة لإبعاد الطرف الشيعي عن المشاركة بتركيبة الحكومة المقبلة، وتحديداً اختيار وزير المال… وأبعد من ذلك تحديد مسار البيان الوزاري لـ”حكومة ماكرون”. هي بالتأكيد معركة مؤجلة إلى ما بعد صدور مراسيم الحكومة!
تشير الأوساط في هذا السياق إلى “ما تضمّنته الخطة الفرنسية من بنود تعكس ما يشبه “المشروع الاقتصادي” المتكامل لوضع اليدّ على المرفأ والمعابر والطاقة والاتصالات بشراكة فرنسية مع أطراف في النادي الرباعي لرؤساء الحكومات السابقين. وهي شراكة تحت عنوان الخصخصة وتلبية شروط صندوق النقد الدولي”.
هي شكوك جدّية موجودة لدى الطرف الشيعي. بعد أن بدأت خطة الاستقصاء عن شركات تنشأ حديثاً بوجوه فرنسية أو لبنانية تحمل الجنسية الفرنسية مع أطراف لبنانية.
وتؤكد الأوساط أنّ “تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة المال يتجاوز مسألة التوقيع الميثاقي واعتبارات التوازنات الطائفية. هذه الحقيبة هي خط التماس المباشر مع أيّ مشروع اقتصادي واستثماري سيرسم للبلد. ولذلك، هناك قرار شيعي استراتيجي بمنع تفرّد فرنسا، على المستوى الدولي، واثنان من رؤساء الحكومات السابقين، داخلياً، بهذا المشروع”!.
وليد جنبلاط أبلغ الرئيس بري قبل مغادرته إلى باريس أنّ النواب الدروز لن يحضروا جلسة لا يحضرها النواب الشيعة
أما لجهة البيان الوزاري لحكومة الاختصاصيين “بكفالة فرنسية”، فتقول مصادر مطلعة على موقف الثنائي الشيعي: “كيف يمكن لحركة أمل وحزب الله القبول بتركيبة حكومية لا وزير لهما فيها “ولا من يخبّر” أو ينقل معلومة أو يشارك في صياغة قرار واحد؟ وأيّ بيان وزاري سيصدر عن حكومة مستقلين، فيما المنطقة بالكامل تذهب برجليها صوب التطبيع مع اسرائيل “.
مع ذلك، وفيما تتحدّث أوساط حزب الله صراحة عن محاولة “انقلاب لن يمرّ”، يبدو برّي أقلّ تشدّداً في التعبير مع التوجّس من تحميله مسؤولية تعطيل ولادة الحكومة على “أن تُصفّى الحسابات في جلسة منح الثقة للحكومة”. وهو سيناريو غير واضح بعد في حال فرض الفرنسيون والرئيس المكلّف تشكيلة وزارية لا تنال رضى الثنائي الشيعي. فهل يذهب إلى حدّ حجب الثقة عنها؟
في هذا الاطار، تكشف معلومات أنّ “وليد جنبلاط أبلغ الرئيس بري قبل مغادرته إلى باريس أنّ النواب الدروز لن يحضروا جلسة لا يحضرها النواب الشيعة”، فيما يكرّر رئيس اللقاء الديموقراطي الذي قاطع مشاورات بعبدا الرئاسية تحذيراته من إمكانية انحراف الخطة الفرنسية عن مسارها، أداءً ومضموناً، لتتحوّل إلى مشروع حرب أهلية!”.