الحوار مع الدكتور سمير جعجع يشبه الطريق إلى معراب: مليء بالتعرّجات. لا نقاط فيه ولا فواصل . هو ساحة للنقاش والجدال. يعرف ما يريد، ويعمل بجهد للوصول إلى أهدافه . يبدع تحت الضغط، ويصارع مطمئناً. التنظيم والدقّة هما الأساس. يبدأ ذلك من مدخل منزله، وينتهي بوداعه لمحاوريه. أسرة “أساس” زارت الحكيم في معراب محاورة إيّاه، فكان الحريص على معرفة التفاصيل عن شخصية كلّ زميل ومنبته وحياته.
إقرأ أيضاً: سمير جعجع يُصفق بيد واحدة
هو حوار شارك فيه رئيس التحرير زياد عيتاني، ومدير التحرير محمد بركات، والزملاء إيلي قصيفي، قاسم يوسف، عماد الشدياق، نسرين مرعب، وإبراهيم ريحان. وفيما يلي النص النهائي للحلقة الأولى من الحوار:
– هناك مشكلة طارئة، وهي مسألة تغيير قانون الانتخاب، وأنت تعارض هذا الأمر من باب أنّ القانون النافذ لم يمرّ على إقراره مدّة طويلة، ألا تشعر أنّ هذا القانون الحالي الذي حرص على تأمين التمثيل الحقيقي للصوت المسيحي والصوت الشيعي، هو ظالم بالنسبة للصوت السني؟ وأنت تنادي بالعدالة لكلّ المكوّنات الوطنيّة؟
مقاربة أيّ شيء تبدأ أولاً بالشكل، ثم تنتقل إلى المضمون والأساس. فنحن حتى الآن لا نزال نقارب هذه المسألة بالشكل. وفي هذه القضيّة بالذات، من الممكن أن يكون الشكل أهم من الأساس باعتبار أننا في ظلّ المأساة الكبرى التي نعيشها اليوم، فقد وُجد من يطرح مسألة تغيير قانون الانتخاب بعدما قضينا 10 سنوات قبل العام 2017 ونحن نعمل من أجل التوصّل إلى قانون انتخاب جديد. وشهدنا مئة ألف صراع وصراع، وتمكّنا بعد 10 سنوات من التوصّل إلى القانون النافذ حالياً. ففي الشكل، هل يمكن أن نفتح اليوم من جديد مسألة تغيير قانون الانتخاب؟ في ظلّ كلّ ما نعيشه من مأساة، هو أمر مستغرب جداً.
الأهم من كلّ هذا، أننا نفتح “صندوق باندورا” في مرحلة نحن في أشد ما نكون بحاجة لاختزال المشاكل، وأن نبقى مركّزين على الأساس الذي هو أن نتمكّن من الإبقاء على حدّ أدنى من الثقة لدى الشعب اللبناني بهذا الوطن، وأن يكون لديه الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة. يفتحون صندوق مفاجآت “طويلة عريضة” من دون أن يكون لديهم حلّ.
أما في الأساس، فالقول إنّ هذا القانون يؤمن صحّة التمثيل للمسيحيين والشيعة فيما هو ظالم بحق السنّة خطأ تماماً. فهذا القانون قد أُنجز تبعاً لمقاييس معيّنة، وليس على قاعدة النظر إلى وضع فريق من دون الآخر، لذا، فإن المقياس الذي أُقيم وفق هذا القانون هو ألّا يبقى أحد من دون تمثيل في لبنان. وبالأمثلة الحسيّة، للسنّة نائبان في منطقة بعلبك الهرمل، وفي القوانين السابقة لم يكن لديهم الإمكانيّة لإيصال أيّ نائب عن هذين المقعدين. أما في الانتخابات السابقة، فقد تمكّنوا من إيصال نائب من الاثنين مع العلم أنهم لو عملوا أكثر وبجهد أكبر، لكانوا تمكّنوا من إيصال النائبين. وفي الدائرة نفسها، للمسيحيين مقعدان، ويعدّون قرابة الـ 25 ألف مقترع من ضمن دائرة تضمّ ما يزيد عن 150 ألف مقترع. وحتى لو تحالفوا مع السنة في الدائرة لما استطاعوا تبعاً للقوانين السابقة التأثير في النتيجة بحكم أنه في الجهة المقابلة قرابة الـ 100 ألف صوت. إنّ العبرة من هذا القانون ألّا تبقى أيّ شريحة غير ممثّلة. وعلى سبيل المثال أيضاً، في قضاء جبيل حيث للشيعة قرابة الـ 11 ألف مقترع في حين أنه لدى المسيحيين 35 ألف صوت، وباستطاعتهم بسهولة، لولا القانون الحالي، اختيار من يريدون. إذاً العبرة كانت هو أن نقوم بإعداد قانون يسمح لكل الشرائح بأن تتمثّل أينما وجدت. ومن جهة أخرى ألّا تبقى الأكثريّة كما كانت أي أنه عندما تحصل على 51% من الصوت تحجب 100% من المقاعد، وإنما إذا ما كان لديك 51% من الصوت فتحصل على 60% من المقاعد، ومن لديه 49% من الصوت يحصل على 40% من المقاعد. لذا، هذه هي الأسس التي على ضوئها تمّ إعداد قانون الانتخابات الحالي وأتى كما أتى حيث لم يعد هناك وجود للمحادل الإنتخابيّة. فعلى سبيل المثال إن كان لديك في قضاء كسروان 8 آلاف مقترع لا يمكن لأحد أن يزعزع وجودك أو يؤثر فيه، ويمكنك أن تحصل على مقعدك لو اتفق كلّ الباقين عليك. ولذا، من غير الممكن في ظلّ القانون الحالي أن تطغى أيّ أكثريّة على أقليّة، والجميع قادرون على الحصول على مقدارهم التمثيلي.
القول إنّ هذا القانون الانتخابي يؤمن صحّة التمثيل للمسيحيين والشيعة فيما هو ظالم بحق السنّة خطأ تماماً. فهذا القانون قد أُنجز تبعاً لمقاييس معيّنة، وليس على قاعدة النظر إلى وضع فريق من دون الآخر
نحن لا نقوم باستهداف لا السنة ولا الشيعة إلا أنه شاءت الظروف أن تجري الانتخابات السابقة بالنحو الذي حصلت فيه. ولولا التحالفات الانتخابية التي قام بها “تيار المستقبل” في انتخابات الـ 2018، لكان استطاع الحصول على 4 أو 5 نواب إضافيين، ولكان لديه اليوم كتلة نيابيّة من 25 نائباً، أي بعدد قريب جداً من حجم الكتل التي كانت لديه سابقاً، إلا أنّ ما حصل هو أخطاء في التحالفات الانتخابية والعمل الانتخابي. زدْ على ذلك أنّ الآخرين الذين فازوا، وليسوا من “تيار المستقبل”، كعبد الرحيم مراد على سبيل المثال في البقاع الغربي، هو لديه القوة التمثيليّة الكافية التي تخوّله الفوز. لذا علينا ان نقوم بالخيار، وهو إذا ما كنا نريد أن نعطي كلّ الشرائح والناس التي لديها حدّ مقبول من الأصوات حجمها التمثيلي أو أنّ المطلوب هو أن يتمّ تمثيل لبنان “أشّة لفّة”؟ بالطبع لا. ففي واقع لبنان التعدّدي، من الأفضل بأشواط إعطاء كلّ الشرائح والناس القدرة على أن تتمثّل وتكون موجودة في مجلس النواب، و”من هونيك ورايح” فالسياسة ستفرز نفسها.
من المؤكّد أنّ السنّة غير مصوّب عليهم أو مظلومين في هذا القانون، وما حصل هو تبعاً لتصرّف قيادتهم. ولو تصرّف المسيحيون بشكل خاطئ، لأتت النتائج بشكل مغاير. هذا ما أريد قوله بالنسبة لقانون الانتخابات في المضمون والأساس.
فهل يعقل أن يحصل انفجار في البلاد كانفجار المرفأ يسقط فيه 200 قتيل و6000 جريح ومئات الآلاف من المشرّدين والمتضرّرين، ولا يجتمع مجلس النواب في حين أنه يعقد الاجتماعات اليوم من أجل البحث في قانون انتخاب جديد. هذه فعلاً بدعة، ولا يمكنني وضعها في أيّ سياق آخر مختلف تماماً.
وسأغتنم الظرف لأقول أيضاً إنّه للأسف هناك من يستعملون شعارات برّاقة، الجميع مستعدّ للبحث بها في وقت من الأوقات، ولكن في غير مكانها ولأهداف مختلفة. لقد سمعت أنّ بعض النواب مؤيدون لمسألة إجراء انتخابات خارج القيد الطائفي في لبنان دائرة واحدة. وسأتوقّف عند هذه النقطة بالذات باعتبار أنها مهمّة جداً خصوصاً لأنّ الكثير من الغشّ يدور حولها. قبل أن نقوم بإقرار قانون للانتخابات خارج القيد الطائفي، علينا أن نقوم بإعداد مجتمع خارج الشعور الطائفي، وإذا ما قرّرنا اليوم التفكير نظرياً في أننا سنقوم بإعداد قانون خارج القيد الطائفي، فعندها أودّ أن أسأل كلّ فرد من الموجودين معنا اليوم على هذه الطاولة باعتبار أننا يجب أن نكون في السياسة واقعيين، وليس أن نضع رؤوسنا في الرمل، لأيّ جهة سيصوّت 90% على الأقل من إخواننا الشيعة؟ الجواب هو: على هوى ما يريد الثنائي الشيعي، فهل هذا يعني أنهم يصوّتون خارج القيد الطائفي؟
لولا التحالفات الانتخابية التي قام بها “تيار المستقبل” في انتخابات الـ 2018، لكان استطاع الحصول على 4 أو 5 نواب إضافيين، ولكان لديه اليوم كتلة نيابيّة من 25 نائباً
نعم يمكننا أن نعدّ قانوناً خارج هذا القيد، ولكن ماذا عن التصويت؟ صحيح أنّ الوضع عند المسيحيين هو خارج القيد الطائفي، وعند السنة بنسبة أقل من المسيحيين، ولكن تبقى نسبة كبيرة تصوّت على هوى ما تريد المرجعيات السنيّة، وبالجملة أيضاً وليس المفرّق. فماذا نكون قد فعلنا في هذه الحال؟ نكون قد أعددنا قانوناً خارج القيد الطائفي في الظاهر، ولكن عملياً نكون قد مكّنّا طائفة من الطوائف اللبنانيّة، أو أكثر من طائفة إذا ما عمدت طائفتان إلى الاتفاق، وأخذتا كلّ شيء، فيما البقيّة سيخرجون خاليي الوفاض، وعندها نعود لنبكي على الأطلال. عندما نريد الذهاب باتجاه قانون خارج القيد الطائفي، قبله علينا أن نقوم بمجموعة خطوات بدءاً من إلغاء الأحزاب الطائفيّة باعتبار أنه من غير المقبول أن يبقى لدينا في هذه الحال أحزاباً شعارها إما الصليب أو الحسين أو أيّ شيء آخر، كما يجب أن نلغي كلّ الشعائر الدينيّة، وكلّ ما له علاقة بالدين من الأحزاب السياسيّة. إذا ما أردنا الذهاب إلى انتخابات من دون قيد طائفي، عندها يجب أن يكون ممنوعاً أيّ تعاليم دينية في المدارس باعتبار أنّ الظروف الجديدة لها متطلّباتها، ويجب أن نبدأ بإعداد مجتمع خارج القيد الطائفي لكي نقوم بعدها بإقرار قانون خارج القيد الطائفي، وليس أن نُبقي على المجتمع طائفياً، ونذهب لنقول إنّنا نقوم بإعداد قانون خارج القيد الطائفي.
في هذا الإطار، أودّ أن أسأل سؤالاً بديهياً: من يطالبون اليوم بانتخابات خارج القيد الطائفي أليسوا هم أنفسهم المتمسّكون بوزارة المال لطائفة معيّنة؟ هذا الأمر لا يتناسب مع ذاك. عليكم أن تختاروا إما هذه أو تلك. نحن بكل صراحة ووضوح، نختار هذه لأن برأينا أنّ تلك لا تقوم في الوقت الحالي للأسباب التي أقولها. فنحن لا يمكن أن يكون لدينا بناء من الأعلى شيء ومن الأسفل شيء آخر. يجب أن يكون منسجماً من أسفل إلى فوق. ومن يريد الذهاب إلى انتخابات من دون القيد الطائفي عليه أن يبدأ بالعمل على العلمنة على مستوى المجتمع وتفريغه من الشعور الطائفيّ الذي فيه ما فيه، وإلا فما الهدف من إجراء انتخابات خارج القيد الطائفي، فيما المجتمع لا يزال في الشعور الطائفي الذي يمتلكه وهلمّ جرّاً.
– أي تعني النفوس قبل النصوص؟
نعم. فهذا الطرح يتطلّب الكثير من التغييرات، ونحن بحاجة لأن يكون لدينا مجتمع خارج الشعور الطائفي كي نعمد بعدها إلى إجراء الانتخابات. وفي هذا الإطار، أودّ أن أسأل سؤالاً آخر لمن يطرحون اليوم إجراء الانتخابات خارج القيد الطائفي: إذا ما افترضنا في غفلة من الزمن لسبب من الأسباب، نظرياً طبعاً، فنحن ندعو لو يكثر الله كلّ الناس وينشرهم أكثر، هم (جعجع قصد الطائفة الشيعية) يعتبرون أنّهم الآن يشكّلون 35% من مجموع الشعب اللبناني، لكنّ هذا الرقم غير صحيح فهم قرابة الـ27 أو الـ 28%. لكن إذا ما افترضنا أنهم تحوّلوا إلى 15%، فهل سيستمرون بالمطالبة بهذا المطلب؟ لا، وما يطالبون به اليوم هو لأسباب طائفية. لذا تصوّروا مدى الغشّ في هذا الموضوع. وهم يطالبون به الآن فقط لأنه يناسب طائفتهم، وليس لأنه الحلّ الأمثل للبنانيين. لذا علينا أن ننتبه جيداً إلى هذا الجانب باعتبار أنّ الكثيرين يقدّمون طروحات مماثلة و”ما عم نلحّق” من الوزير جبران باسيل إلى الشباب عند “الأستاذ”… أصبحوا جميعاً يريدون الدولة المدنيّة.
لأيّ جهة سيصوّت 90% على الأقل من إخواننا الشيعة في قانون انتخابي خارج القيد الطائفي؟ الجواب هو: على هوى ما يريد الثنائي الشيعي، فهل هذا يعني أنهم يصوّتون خارج القيد الطائفي؟
– نقيب المحامين المسيحي طالب بها!
هذا أصبح بحثاً آخر، من الممكن لملحم خلف المطالبة بالدولة المدنيّة، باعتبار أنه عاش حياته، وهو يتصرّف على هذا الأساس. ومن الممكن أن هذا هو شعوره الحقيقي، ولكن البقيّة على من يضحكون؟ تصرّفوا تصرّفات مدنيّة لكي نتكلّم بعدها بالدولة المدنيّة. هذا الغشّ الذي يتعرّض له الرأي العام اللبناني ليس بجيّد. لقد قصدت الإطالة في الإجابة على هذا الموضوع، وأنا أجبت على السؤال الثاني فقط لأنّ هذه المسألة تستأهل البحث مطولاً في ظلّ ما نشهده من غشّ وكذب ونفاق مرتبط به. أريد أن أسأل سؤالاً آخر: هل كان في سوريا أيّ قيد طائفي؟ لا.
أوّل ما فرطت الدولة، قامت قائمة العلويين والسنّة وقتّل بعضهم بعضاً بأشنع الطرق الممكنة. لننسَ سوريا ولنذهب إلى يوغسلافيا، وهي دولة تُعطى كمثال، ونحن هنا نتكلّم عن عقيدة شيوعيّة حديديّة، والبثّ العقائدي كان من دون هوادة منذ العام 1945 حتى العام 1990 أي 45 عاماً متواصلة من الأدلجة والتثقيف في المدارس، وأينما أردنا، خارج الطبقات الاجتماعيّة، وبالطبع خارج الأديان… إلا أنّه أوّل ما زلّت قدم النظام في يوغسلافيا، قامت قائمة الشعب. وهنا لا نتحدّث عن حرب بين المسلمين والمسيحيين، وإنما بين الكاثوليك والأرثوذكس، بين كرواتيا وصربيا إلخ… هذه الوقائع يجب أن نأخذها بعين الاعتبار كي نعرف كيف يمكن أن نخلّص مجتمعنا، وليس القفز فوق كلّ الوقائع لأن هذا الأمر يناسب طائفتنا في الوقت الراهن من أجل أن نطرح طروحات، ظاهرها عسل وداخلها بصل، وهذا ما يحصل فعلاً في مسألة قانون الانتخاب.
[PHOTO]
– خارج القيد الطائفي ألا تشبه أيضاً خارج “القيد السلاحي” باعتبار أنّه قبل النسبيّة كان هناك شعار “لا نسبيّة مع وجود السلاح”. وأعتقد أن المناطق الشيعيّة هي الأكثر تضرّراً من النسبيّة مع السلاح أو من أيّ انتخابات نيابيّة مع السلاح. ولكن المناطق السنيّة أيضاً المتداخلة بمعظمها مع المناطق الشيعيّة تضرّرت، فهناك “سرايا المقاومة” في بيروت والمسلّحون السنّة في داخل طرابلس، والذين يتبعون حزب الله وكانت هناك عشرات جولات المعارك… وفي البقاع الأمر نفسه. أوليس “القيد السلاحي” هو نفسه “القيد الطائفي” الذي نخاف منه؟
أنت تذهب إلى جانب آخر من المشكلة، ويجب ألّا ندخل جميع الجوانب مع بعضها البعض لأنه في هذه الحال لن نتمكّن من حلّ أيّ شيء.
أودّ أن أسأل سؤالاً بديهياً: من يطالبون اليوم بانتخابات خارج القيد الطائفي أليسوا هم أنفسهم المتمسّكون بوزارة المال لطائفة معيّنة؟ هذا الأمر لا يتناسب مع ذاك
– في إطار السؤال الأوّل نفسه، تكلّم زميلنا عن “المظلوميّة السنيّة” في هذا القانون، وأنا زدت عليها المظلوميّة الشيعيّة، وأضيء عليها من مكان آخر، وهو السلاح المنتشر في بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع. السلاح الإيراني الضاغط على السنّة بشكل أو بآخر يؤثّر في اتجاهات التصويت.. بيروت تتأثر أيضاً بهذا السلاح.
جيد، أولاً هذا السلاح مظلوميّة على جميع اللبنانيّين.
لا أنتم لا تتأثرون به بهذا المقدار والشكل، حكيم، السلاح المنتشر في جبيل وكسروان لا يؤثر كما يفعل في باقي المناطق التي سميّتها، فهو في بشري أيضاً لا يؤثر إلا أنّه في مرجعيون والبقاع وغيرها يؤثّر.
أتعرف لماذا؟ لا هو يؤثر في مرجعيون. وفي طرابلس وعكار والضنيّة لا يؤثر أبداً، وفي بيروت من غير المفترض أن يؤثر، كما في صيدا ليس من المفترض أن يؤثر أبداً. فهناك لديك تجمّعات كبيرة. لديك حقّ عن تأثيره في مرجعيون. هو يؤثر في أمكنة ولا يؤثر في أخرى. هذا السلاح يؤثر في دير الأحمر، وفي زحلة. إذاً هذا يعني أنها مشكلة كلّ اللبنانيين. وهذه مشكلة أنّ هناك دولتين في دولة واحدة. هذه مشكلة وواحدة من أسس خراب الوضع والمكان الذي وصل إليه. هذا جانب آخر من المشكلة. ولنفترض أنّ السلاح ليس موجوداً.
السلاح يؤثر في مرجعيون. ولكنّه لا يؤثر في طرابلس وعكار والضنيّة، كما في صيدا ليس من المفترض أن يؤثر أبداً. هذا السلاح هو مشكلة كلّ اللبنانيين. وهذه مشكلة أنّ هناك دولتين في دولة واحدة. هذه مشكلة وواحدة من أسس خراب الوضع
– النسبيّة هي شكل آخر من أشكال خارج القيد الطائفي، النسبيّة فتحت أمام “حزب الله” كلّ البيئات الأخرى الدرزيّة والسنيّة والمسيحيّة بشكل أو بآخر. النسبيّة أدخلت الحزب، أي القرار الإيراني، إلى كلّ الدوائر الانتخابية الأخرى، فيما منطقته الشيعية مقفلة له.
مشكلة سلاح حزب الله مشكلة كبيرة، ولكن ليس من المفترض أن تسلب لنا عقلنا بحيث لا نعود نرى أيّ شيء سوى من هذه الزاوية. لدينا هذه المشكلة كما لدينا مشاكل أخرى إلى جانبها، يحب أن نراها أيضاً ونعمل على حلّها. فأيّ مشكلة بإمكاننا حلّها يجب أن نقدم على حلّها بانتظار أن نرى كيف يمكن حلّ مشكلة سلاح “حزب الله”. وإن كانت القضيّة كذلك، أي وطأة السلاح، فعندها يمكننا أن نقول بدل أن تخسر مقعداً أو اثنين أو ثلاثة في بيروت، نخسر 10 مقاعد باعتبار أنّ وطأة السلاح تبعاً للقانون الأكثري ستكون أسوأ، فعندها لن تحصل على شيء في بعلبك الهرمل، كما أنك لن تحصل على شيء في البقاع الغربي، وطبعاً في الجنوب، ومن الممكن أن تضيف له صيدا، في حين أنّ هذا ليس الواقع. ففي “عزّ دين” سطوة السلاح والنظام الأكثري كنا نرى كيف كانت تأتي نتيجة الانتخابات في صيدا، وفي طرابلس وعكار والمنية الضنية. إذا ما فتح القانون النسبي الباب أمام خسارة بعض الأصوات السنيّة، فأيضاً تبعاً لهذا النظام تمّ ربح أصوات أخرى، وكان من الممكن أن يُربح أكثر منها لو عُمل على الانتخابات بالشكل الذي كان يجب أن يتمّ. أي على سبيل المثال، المقعد السني في عرسال لم يكن لديك أيّ أمل فيه، فأنت لديك أمل الحصول على مقعدين إذا ما حضّرت التحالفات وعملت ميدانياً قبل الانتخابات بالشكل اللازم، في حين أنّ الصوت الذي خسرته افتراضاً بالمقعد السنّي في البقاع الغربي أي النائب عبد الرحيم مراد، فهذا لو لم يكن لديه صفة تمثيليّة، فلا بالسلاح أو بغير السلاح، يمكنه النجاح.
– تكلّمت عن صحّة التمثيل، وأنا لست ضدّ هذا القانون إذا كان هو السبب في إجراء الانتخابات في موعدها، لأنّه من المستحيل أن تجرى هذه الانتخابات إذا ما كنا سنطرح مسألة تغيير القانون.
أنا أريدك أن تكون معه قناعةً، وليس فقط لأنّ بقاءه سيضمن إجراء الانتخابات في موعدها فقط.
– بالنسبة لصحّة التمثيل، فقد أدخل هذا القانون كلّ حلفاء “8 آذار” باعتبار أنهم يخرقون كلّ ساحات “14 آذار”، بينما هذا الفريق ليس لديه أحد في الجهة المقابلة.
إذا كان الواقع على الأرض اليوم على ما هو عليه، فهذا ليس فقط لتمكّن “8 آذار” من اختراق ساحات “14 آذار”، وإنما انطلاقاً أيضاً من التقصيرات لدى هذه القوى الأخيرة، وهذا لا يعني أنّ المبدأ خطأ أبداً، وإنما يعني أنّ التطبيق خطأ، أي أننا لا نعمل بالشكل المطلوب في ملفّ الانتخابات النيابيّة.
– صحيح أنّ هناك خطأ في التطبيق، ولكن لا أعرف إلى أيّ مدى يمكن أن نطلق على هذا القانون اسم قانون نسبي، فإذا ما أتينا لدراسة تقسيم الصوت التفضيلي، وتقسيم الدوائر بين دائرة كبرى وأخرى صغرى، والفرق في الحواصل الانتخابيّة ما بين منطقة وأخرى، فالشيطان يكمن في هذه التفاصيل.
أنت تعيش في مجتمع تعدّدي. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة يتكوّن مجلس الشيوخ على قاعدة أنّ كلّ ولاية من الولايات الأميركيّة لها صوتان. ألاسكا فيها أقل من مليون نسمة، وتحصل على صوتين، فيما كاليفورنيا التي تعدّ قرابة الـ 39 مليون نسمة، يحقّ لها أيضاً بصوتين. هنا عمق البحث. فإما أن ننظر إلى مجتمعنا بطريقة متنوّرة أو إن كانت الحال عكس ذلك فسنكسر بلدنا. في أيّ مجتمع تعدّدي، ولبنان بلد تعدّدي شئنا أم أبينا، وهذا واقع ملموس لدى الجميع منذ 50 عاماً حتى اليوم، عندما طُرح استقلال بلدنا، انقسمت الناس ما بين مؤيد ومعارض، وهذا لنقول كم هي عميقة جذور التعدّدية في هذا المجتمع. هل يمكن لأحد أن يقول لي لماذا النمسا مجتمع تعدّدي؟ لأسباب أقل بكثير من أسبابنا نحن هنا في لبنان. النمسا مجتمع تعدّدي فقط لأنه كان هناك إمارات متعدّدة مع أمراء متعدّدين، وهم جميعاً لا يفرّقهم الدين ولا الثقافة أو نمط العيش. لمجرّد اختلاف الأمراء، قرّروا أن يبقى المجتمع تعدّدياً. وهذا يدلّ على ضرورة أخذ الواقع الاجتماعي بعين الاعتبار في أيّ طرح، وإلا نكون كمن يُلبس امرأةً ثوباً إما ضيّقاً جداً عليها، وبالتالي لا يمكنها ارتداؤه، أو واسعاً جداً عليها، فيطمس كلّ معالم جمالها. إذا أردنا أن نخيّط ثوباً في الخيال على مزاجنا، ونلبسه للوضعيّة في لبنان، فعندها سينفرط البلد بكل صراحة، لأنّ الظروف تتطلّب الكثير من الدقّة والانتباه.
مشكلة سلاح حزب الله مشكلة كبيرة، ولكن ليس من المفترض أن تسلب لنا عقلنا بحيث لا نعود نرى أيّ شيء سوى من هذه الزاوية
في هذا الإطار، هناك واجب كبير أو حمل كبير لدى المسلمين، فعليهم أن يقبلوا بواقع أنّ لبنان بلد تعدّدي، وعلينا أن نعترف بهذا الأمر. حينها لا يمكننا القول إننا نعطي المسيحيين 6 والمسلمين 10. ما أقوله هو ردّاً على مسألة فرق الحواصل. فهناك نواب فازوا بـ4 أو 5 آلاف صوت، وهناك آخرون فازوا بـ20 أو 22 ألف صوت. وهذا يعكس طبيعة النظام التعدّدي في لبنان.
غداً في الجزء الثاني من الحوار يتحدث سمير جعجع عن علاقته بسعد الحريري ووليد جنبلاط وحقيقة ما يشاع عن توترات أمنية مقبلة على لبنان.