يبدو أنّ التحقيقات بدأت تكشف بعضاً من الغموض التام الذي يحيط بكلّ أسباب تفجير مرفأ بيروت، على الرغم من كثرة فرق التحقيق وتنوّع جنسياتها.
لكنّ الجديد وفق معلومات “أساس” أنّ المعنيين عثور الجانب اللبناني على مراطبين كبيرة في محيط الانفجار، تبيّن أنها من مادة acide picrique الشديدة الانفجار، التي تفوق قوّتها التفجيرية مادة TNT، وهي اليوم تخضع للفحص لدى الجيش، ووجودها يدلّل على وجود مواد متفجّرة أيضاً خارج العنبر 12.
إقرأ أيضاً: ماذا وجدت البعثة الروسية في المرفأ؟
وبحسب خبير أمني، فإنّ هذا الأسيد (acide picrique) حين يخلط بالماء (30 %) يصير مادّة مشتعلة فقط. أما إذا كان الماء أقلّ من 10 % وأكثر من 90 % أسيد، ترتفع إمكانية انفجاره، خصوصاً بوجود حرارة عالية أو صاعق تفجيري، ويصير متفجّراً أكثر من (Trinitrotoluene) TNT واسمه هو (TNP = Picric Acid). فكيف إذا كان معدّاً للتفجير بتركيز 100 %؟ أو لأغراض تخريبية؟
الجديد هنا أيضاً أن لا سجلات لمصدر هذا الأسيد، وفق الجردة الواردة في التحقيقات حتّى الآن.
السؤال الأهمّ: من أين جاءت هذه المواد المتفجرة؟ ولماذا كانت خارج العنبر 12؟ هل كانت في عنابر أخرى؟ العنبر 9 على سبيل المثال؟ أو أنّها نتيجة شحنة تفجيرية مجهولة المصدر، خارج رواية الأمونيوم؟ كلّها أسئلة مشروعة.
كافة الاجهزة الأمنية حتى الآن تقاطعت عند الاستنتاج أنّ قوة الانفجار تعادل نحو 1700 كلغ من مادة الـ TNT، أي أقلّ بقليل من 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم
يقول أحد الخبراء في هذا السياق إنّ “نيترات الأمونيوم يتمّ تلفه عبر حرقه. وعدوّه هي الزيوت. لذلك، هو يحتاج إلى صاعق لينفجر، وهذا الصاعق “تأمّن” من خلال كلّ المواد التي كانت داخل العنبر”. ويبدو أنّ هناك مواداً كانت خارج العنبر أيضاً. ويضيف الخبير: “التحقيق يتركّز لمعرفة السبب الذي أدّى إلى اشتعال المواد وانفجار العنبر”.
وتشير المعلومات إلى “أنّ كافة الاجهزة الأمنية حتى الآن تقاطعت عند الاستنتاج أنّ قوة الانفجار تعادل نحو 1700 كلغ من مادة الـ TNT، أي أقلّ بقليل من 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم، مع العلم أنّ هناك كميات قد تكون تطايرت في الهواء. وهنا يبرز تقرير الخبيرة الكيميائية ميراي مكرزل التي أعدّت تقريراً عام 2015 بناءً على إشارة من قاضي الأمور المستعجلة تضمّن تأكيداً أنه وفق بوليصة الشحن، فإن هناك 2750 كيساً من نيترات الأمونيوم منها نحو 1950 كيساً ممزقاً (كلّ كيس وزنه طنّ)، وكان متعذّراً عدّها كلها بسبب وضعها المتهالك”.
تضيف المعلومات: “ما بات مؤكّداً أنّ الفجوة في العنبر 12 التي أشار تقرير أمن الدولة إلى أنّها ربما سهّلت سرقة محتوياته، كانت ارتفاعها 4.3 أمتار بقطر 50 متراً”.
وتفيد معطيات التحقيق أنّ “الجيش لا يزال يتولّى مهمّة سحب الداتا من server الجمارك لدى إدارة مرفأ بيروت، إذ لم يطله التدمير. وهذا كفيلٌ بإجراء scanning لمحتويات العنابر والكونتينرات في كلّ المرفأ”.
يؤكّد الفريق المحسوب على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بأنّ “عويدات كان يعلم بخطورة وجود هذه المواد المتفجّرة، لكنّه حصرها بمسألة السرقة وتصرّف على هذا الأساس”
والجيش “أعدّ خارطة بناءً على هذه الداتا تحدّد الجَردة بالعنبر رقم 12 لكنها ليست نهائية بعد. وهي وفق هذه الخارطة المرسومة تشمل بضائع مُصادَرَة، إلى جانب مادة نيترات الأمونيوم، وهي التالية: 25 طنّاً من المفرقعات فوق أكياس النيترات، 8 كلم من فتيل للتفجير، معمل لتصنيع مخدّرات، كمية من زيت الكاز، كميات من الدواليب، مواد كيميائية Methanol وEthanol وMethylene، وأحذية، وثياباً، وأكياساً وزنها 50 كلغ كانت موزّعة بين نيترات الأمونيوم (وهي من نوعية مختلفة من نيترات الأمونيوم)، زيوت قلي، موتورات، خزّانات بنزين لدرّاجات نارية، كميات كبيرة من البنّ والشاي (صيادو الأسماك يعدّون عادة خلطة عبر تسخين النيترات إضافة الى بودرة ألمنيوم مع البنّ أو نشارة خشب)…”.
مع ذلك، يؤكّد الفريق المحسوب على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بأنّ “عويدات كان يعلم بخطورة وجود هذه المواد المتفجّرة، لكنّه حصرها بمسألة السرقة وتصرّف على هذا الأساس”، مع دعوة صريحة بالتحقيق معه. وملابسات هذا الجدل يفترض أن يحسمها التحقيق العدلي.
ووفق معطيات التحقيق، “فإن كافة المراسلات الإدارية والأمنية والقضائية، من دون استثناء، منذ وصول الباخرة إلى لبنان هي اليوم بعهدة المحقّق العدلي، وعلى أساسها سيتمّ تحديد المسؤوليات ربطاً بالنصوص القانونية. مع العلم أنّ كلّ من أوقفهم مدّعي عام التمييز، يُصدر القاضي صوان تباعاً مذكرات توقيف وجاهية بحقهم”.
في الحلقة الثانية غداً: من جعل القضاء “أعمى” عن موجودات العنبر 12؟