يقرّ قريبون من “خماسية الدوحة” بأنّ الغموض ما زال يلفّ آليّة تطبيق المبادرة التي طرحها الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان لعقد “طاولة عمل” أو تشاور بين الفرقاء اللبنانيين من أجل مناقشة بند وحيد هو انتخاب رئيس الجمهورية بدءاً بتحديد مواصفاته وبرنامج أولويّات الرئاسة، ثمّ الانتقال إلى عقد جلسات انتخاب “متتالية ومفتوحة”.
يقول هؤلاء: “صحيح أنّ الدول الخمس اتّفقت على دعم محاولة لودريان دفع الفرقاء إلى التحدّث فيما بينهم لتسريع انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لم يتمّ تناول التفاصيل التي تُركت له. ولودريان يأخذ تعليماته في شأن تحرّكه من الرئيس إيمانويل ماكرون لا من الدول الأربع الأخرى، وذلك أنّه مبعوث رئيس الدولة الفرنسية”.
جاء هذا الاستنتاج في سياق الإجابة على أسئلة كثيرة طُرحت، بعضها ليس من أجوبة واضحة عليه حتى الآن، وقد تكون متروكة لاتصالات لاحقة تسبق موعد الدعوة إلى التشاور.
صحيح أنّ الدول الخمس اتّفقت على دعم محاولة لودريان دفع الفرقاء إلى التحدّث فيما بينهم لتسريع انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لم يتمّ تناول التفاصيل التي تُركت له
لا جواب عن تعطيل النصاب و”الجلسات المتتالية”
سبق لـ”أساس” أن طرح بعض هذه الأسئلة. وبعض النواب الذين التقوا لودريان طرحوها أيضاً عليه، مع غيرها:
– لقد سأل أحد النواب الموفد الرئاسي الفرنسي: هل من ضمانة أن لا يعطّل النواب المنضوون تحت لواء “الثنائي الشيعي” وحلفائه نصاب البرلمان في الدورة الثانية للاقتراع، إذا دُعي البرلمان إلى انتخاب رئيس؟
لم يقدّم لودريان جواباً عن هذا السؤال، وليس معلوماً هل حصل على موافقة واضحة من الرئيس نبيه برّي على دعوة البرلمان إلى الانعقاد في جلسات “متتالية ومفتوحة”. بموازاة ذلك يرى بعض النواب المعارضين الذين يدرسون الموقف من اقتراحات لودريان أنّ هناك أسئلة كثيرة لا أجوبة شافية في شأنها أو ضمانات. بعضهم أبلغ لودريان بأنّ هناك ظلماً في التعاطي الخارجي مع فريق يحضر جلسات الانتخاب، ويلجأ إلى التقاطعات بين الفرقاء المختلفين ويتنازل عن مرشّحه لصالح مرشّح آخر لإنقاذ الرئاسة من الشغور، مقابل فريق يعطّل الجلسات، ويضغط لجعل الفرقاء الآخرين يؤيّدون مرشّحه. وغياب الضمانات لعدم تكرار الخيبات السابقة يجعل الموافقة على اقتراحات لودريان، أو عدم الموافقة، متساويَيْن بالنسبة إلى نواب معارضين. ويسأل هؤلاء عمّا إذا كان عقد “طاولة العمل” يجوز أن يتمّ في مقرّ السفير الفرنسي في قصر الصنوبر، الذي ينظر إليه البعض على أنّه رمز للانتداب، أم من الأفضل أن يتمّ التشاور بين النواب في البرلمان أو في مكان آخر مثل المقرّ الدائم لمجلس الوزراء في منطقة المتحف، باعتباره “مكاناً سياديّاً”.
– سبق للدعوات الدولية إلى عقد “جلسات متتالية ومفتوحة” أن أدّت إلى تحديد موعد لانعقاد جلسة 14 حزيران الماضي بعد طول انقطاع، لكنّها لم تقنع “الثنائي” بعدم إسقاط نصاب الثلثين قبل بدء الجلسة الثانية والحاسمة. في حينه اتّصلت نائبة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند، قبل بضعة أيّام من الجلسة، بالرئيس برّي وحثّته على عقد “جلسات متتالية”، مشيرة إلى اجتماع البرلمانيين الأميركيين في 13-14 جلسة على مدى أيام متتالية حتى انتخاب رئيس مجلس النواب. يومها قيل إنّ برّي أبلغ نولاند التالي: “سأحاول”. لكنّ نواب “الممانعة” خرجوا من القاعة قبل البدء بفرز أصوات الدورة الأولى.
يأخذ لودريان تعليماته في شأن تحرّكه من الرئيس إيمانويل ماكرون لا من الدول الأربع الأخرى، وذلك أنّه مبعوث رئيس الدولة الفرنسية
لا بحث للعناوين الكبرى لأنّها تؤخّر الرئاسة
– صحيح أنّ بيان الدول الخمس بعد اجتماعها في الدوحة في 17 تموز أكّد “الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية…”، تجنّباً لإثارة أيّ مواضيع تبعد البحث عن أولويّة انتخاب رئيس، إلا أنّ مناقشة برنامج الرئيس العتيد وأولويّاته من قبل الفرقاء على “طاولة العمل” قد يتطرّق إلى قضايا متّصلة باتفاق الطائف، منها قضية سلاح الحزب والاستراتيجية الدفاعية. وقد يشمل مثلاً ما طرحه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من اشتراط إقرار قانونَيْ اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والصندوق الائتماني… وهو ما قد يُدخل النقاش في دهاليز الخلافات الكبيرة والمتشعّبة. وهذا بحدّ ذاته يفتح الباب على احتمال إغراق البحث بالمواصفات وأولويّات برنامج الرئيس في جدل يضيّع الوقت، ومعه هدف انتخاب الرئيس. ولا اعتراض من الدول الخمس على مناقشة عناوين كبرى، في ما يشبه “دوحة-2″، لكنّ الأمر منوط بالرئيس الجديد، لأنّ البحث فيها الآن يعني مزيداً في تأخير انتخابه.
أيّ “سحر” يؤدّي لاتّفاق على اسم الرئيس؟
– بعد بحث مواصفات رئيس الجمهورية العتيد، وإذا سارت الأمور على ما يرام، يُفترض أن ينتقل الفرقاء إلى تبادل الآراء في المرشّحين والأسماء. وإذ امتنع لودريان عن الدخول في بحث الأسماء خلال زيارته الأخيرة، بحجّة أنّ الأمر منوط بالفرقاء اللبنانيين ومتروك لـ”طاولة العمل” في أيلول، فإنّ التطرّق إلى أسماء المرشّحين في لقاءاته لم يحصل سوى مرّتين، حسب المعطيات المتوافرة. الأولى خلال زيارته الأولى في حزيران الماضي، حين أبلغ الحزب بأنّ خيار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية “ليس سالكاً”، وبالتالي وجب التفتيش عن اسم آخر، ثمّ حين سمع في زيارته الثانية الأسبوع الماضي من “الحزب” أنّه متمسّك بفرنجية. لكنّ توقّعات المصادر الوثيقة الاطّلاع على فحوى اجتماع “الخماسية” تكشف عن سيناريو التطرّق إلى الأسماء بعد مناقشة المواصفات والبرنامج والأولويّات، وربّما يحصل نوع من البازار بين الفرقاء على طريقة “سوق تجارة الأحصنة” مبيعاً وشراء، أو يحصل “سحر” ما بمساعدة لودريان يؤدّي إلى ترجيح أحد الأسماء.
– على الرغم من وجود سيناريو محتمل للتفاوض على الأسماء في أيلول، ثمّة من يتساءل بين القوى الخارجية المعنيّة بلبنان: “ما هو هذا التفاوض حين يقول طرف للآخر سلفاً إنّ ترشيح جهاد أزعور مرفوض وإنّه سقط بعد الجلسة الثانية عشرة، وعلى من يدعمه أن يسلّم بخيار فرنجية؟”. ولا يفوت جهات معنيّة بتفاصيل مداولات الدول الخمس أن تسجّل أنّ الحزب عاد للحديث عن رفض “الضغوط والإملاءات الخارجية”، بينما كانت الأمور تسير على ما يرام حين كانت فرنسا داعمة لخيار فرنجية، ولم يكن قادة “الحزب” يتحدّثون عن رفض الإملاءات.
التواصل القطريّ مع إيران: لا تفاؤل
– لا اعتراض على التواصل القطريّ مع إيران. هناك تنسيق بين الدول الأربع الأخرى والدوحة، لكنّ بعضها لا يبدو متفائلاً بالنتائج. والتجارب أثبتت ذلك، لا سيما بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي أمل اللبنانيون أن يؤثّر إيجاباً في لبنان، لكن ثبت أنّ ذلك مخالف للواقع لأنّ أولوية الاتفاق هي التفاهم على الوضع في اليمن واستئناف العلاقات الثنائية. وقد يكون مرحَّباً بتناولهما الوضع اللبناني، لكنّ الواقع أنّ السعودية لم تعد تهتمّ للبنان كما في السابق، جرّاء الخيبة التي حصدتها بعد استثمارها الكثير من المال في البلد، فانتهى الأمر إلى أنّ الفساد استهلكه واستفاد منه الحزب. ومع تفهّم هذه الخيبة، فإنّ ذلك دافع للسعودية كي تهتمّ أكثر في الظرف الراهن.
إقرأ أيضاً: أيلول التسوية: باسيل يسأل أم يجيب؟
إلا أنّ مراقبي سلوك الحزب حيال السعودية يسجّلون في المقابل عودة الأمين العامّ للحزب إلى تناول الوضع في اليمن والبحرين وسوريا، بصفته أحد أذرع طهران، بأسلوب مخالف لمنطق بيان بكين في آذار الماضي القاضي بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وبلهجة عدائية للسعودية، كما جاء في خطابه يوم السبت الماضي خلال إحياء ذكرى عاشوراء.