“تمثيلية” الردّ الأميركي: بايدن أبلغ إيران بالتفاصيل مسبقاً

مدة القراءة 6 د


كما في اليمن، كذلك في سوريا والعراق، أخلت الفصائل الموالية لإيران معظم مواقعها قبل أن تتعرّض للقصف الأميركي، واتّخذت كلّ الإجراءات الاحترازيّة، ما يفسّر عدم وقوع خسائر كبيرة في صفوفها.
مصدر أمني عراقي كشف لـ”أساس” أنّ أكثر الضّربات في سوريا طالت مواقع أخلتها الفصائل مُسبقاً، وأنّ الإدارة الأميركيّة أبلَغت الحكومة العراقيّة بالمواقع التي تنوي استهدافها.
وقد أدّت الاتصالات العراقيّة – الأميركيّة إلى تواري العديد من قادة الميليشيات عن الأنظار. وتشير معلومات حصل عليها “أساس” إلى أنّ قائد ميليشيا النّجباء أكرم الكعبيّ غادَر الأراضي العراقيّة منتصف الأسبوع المنصرِم. لكنّه أبلَغ الحكومة العراقيّة أنّ بيان كتائب حزب الله العراقيّ يُمثّل الكتائب فقط، ولا يُلزِم “النّجباء” بما جاء في البيان.
كما اتفقَ الجانبان العراقيّ والأميركيّ على أن تتركّز الضّربات على نقاط ومواقع في غربِ العراق، أي ليسَت مواقع سيطرة وقيادة ولا تضمّ مستودعات مُهمّة للسّلاح والذّخائر.
وكشفَ مصدرٌ إقليميّ مسؤول لـ”أساس” أنّ واشنطن فتحت قنوات تواصل مع إيران عبر سويسرا وسلطنة عُمان، قبل ساعات على الضّربة، للاتفاق على شكلِها ونوعها. وحاوَلت إدارة بايدن أن تُقنِع إيران بتوجيه ضربة لموقعٍ غير استراتيجي في الأراضي الإيرانيّة، على أن تستوعِبَ طهران الضّربة من دون ردّ، فرفض الجانب الإيراني، وردّ بأنّ استهداف الدّاخل الإيرانيّ سيُقابل بردّ مُباشر على القوّات الأميركيّة في المنطقة، وليسَ حصراً في سوريا أو العراق. وعلى إثر هذا التّواصل، تقرّرَ ضربُ مواقع في سوريا والعراق.

مصدر أمني عراقي كشف لـ”أساس” أنّ أكثر الضّربات في سوريا طالت مواقع أخلتها الفصائل مُسبقاً، وأنّ الإدارة الأميركيّة أبلَغت الحكومة العراقيّة بالمواقع التي تنوي استهدافها

85 هدفاً… ليس فيها قاعدة مهمّة
بيان القيادة المركزيّة الأميركيّة أعلن أنّ الضّربات الأميركيّة طالت 85 هدفاً في العراق وسوريا، وشملَت “مراكز قيادة وتجسّس ومواقع تخزين صواريخ وطائرات مُسيّرة. واستُخدِمَت فيها أكثر من 125 قذيفة دقيقة التوجيه”.
يؤكّد المصدر العراقي أنّ مواقع إيران الأساسيّة في سوريا تتركّز في حلب ودمشق، ويبلغ عددها أكثر من 560 نقطة على امتداد الخريطة السّوريّة، منها 60 قاعدة عسكريّة، أهمّها قاعدة الإمام عليّ في البوكمال، ومطار الـT4 العسكريّ في بادية تدمر.
هذا يعني أنّ واشنطن لم تُوجّه ضربات “قاصمة” للوجود الإيرانيّ في سوريا، خصوصاً في منطقتَيْ دير الزّور والرّقة، حيث توجد القوّات الأميركيّة وقوّات سوريا الدّيمقراطيّة (قسد)، التي تُموّلها وتُسلّحها واشنطن.
بل أكثر من هذا، يُؤكّد مسؤول أميركيّ في البنتاغون لـ”أساس” أنّ واشنطن أبلَغت “قسد” أنّ عليها التفكير في تعزيز التنسيق مع قوّات النّظام السّوريّ مُستقبلاً لـ”مكافحة داعش”. وهذا مؤشّر إلى بحث واشنطن فكرة الانسحاب من سوريا.

الاستخبارات تربح على البنتاغون..
منذ اللحظة الأولى للقصف الذي استهدف نُقطة منامة الجنود الأميركيين Tower 22 في منطقة الحدود الأردنيّة – السّوريّة، فقتل 3 جنود وجرح 34 آخرين، انقسَمَت الإدارة الأميركيّة حول كيفيّة الرّدّ، بين طرفيْ القرار الأمنيّ – العسكريّ، أي الاستخبارات المركزيّة CIA، واستخبارات الدّفاع DIA التّابعة لوزارة الدّفاع (البنتاغون).

جنَحَت الـDIA نحو ضربِ أهدافٍ تتبع لإيران بشكلٍ مباشر. لكنّ الـCIA كانَت لها حساباتها في العلاقة مع طهران، وأيّدَت ضربَ الفصائل الإيرانيّة وليسَ إيران.
في المعلومات التي حصلَ عليها “أساس” من مصدر مسؤول في مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ رفضَ الكشف عن اسمه لأسباب إداريّة، فإنّ البنتاغون طلبَ من الرّئيس الأميركيّ جو بايدن الموافقة على ضربِ سفينة التّجسّس الإيرانيّة في البحر الأحمر وبعض الأهداف في مياه الخليج العربيّ، وضربِ قواعد ونقاط تتبع فقط للحرس الثّوريّ، من دون الأذرع في سوريا.
لكنّ الرّئيس بايدن، وجرياً على العادة، كان يميلُ نحوَ رأي مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة وليام بيرنز، الذي عبّر عن رأيه في مقالةٍ كتبها في “فورين أفّيرز” الثّلاثاء الماضي، اعتبَر فيها أنّ التعاطي مع إيران هو مُفتاح الأمن في المنطقة، وأمن إسرائيل.
بناءً على رأي بيرنز، الذي أيّده مستشار الأمن القوميّ جيك سوليفان، اختارَ بايدن عدم توجيه ضربات مباشرة لإيران. وهذا ما عبّر عنه الرّئيس الأميركيّ بقوله إنّه لا يريد توسعة الحرب في المنطقة.

التواصل مع إيران والعراق.. والانسحاب من سوريا
المصدر الأمنيّ العراقيّ يرجع أسباب التنسيق الأميركي مع حكومة العراق إلى الآتي:
– أوّلاً: لا تُريد واشنطن أن تُحرِجَ رئيس الوزراء محمّد شيّاع السّوداني في حالَ تسبّبَت الضّربات بأضرار جسيمة على الصّعيد البشريّ. إذ إنّ الحشدَ الشّعبيّ صارَ مؤسّسة رسميّة، وواشنطن تُبدي إيجابيّة في التّعاطي مع السّوداني.
– ثانياً: تُحاول أميركا أن لا تتسبّبَ بأضرارٍ للمحادثات التي تنوي خوضها مع الحكومة العراقيّة في إطار التّرتيبات والاتفاقات الأمنيّة التي تطمحُ إليها في المُفاوضات مع بغداد حولَ سحبِ قوّات التّحالف العاملة في بِلاد الرّافديْن.
– ثالثاً: لعِبَ السّوداني دوراً مُهمّاً في الضّغطِ على الفصائل المُسلّحة بعدَ ضربة T22. إذ اجتمَع رئيس الوزراء بقادة الفصائل العراقيّة بعد ساعات قليلة من الضّربة، وهدّدَ بالاستقالة من رئاسة الوزراء في حال لم تُعلّق كتائب حزب الله العراقيّة استهداف القوّات الأميركيّة. وهذا ما حصلَ.

إقرأ أيضاً: إيران تقتل أميركيّين.. بحثاً عن مقعد على “طاولة غزّة”

ولئن نفَت أميركا نيّتها الانسحاب من الأراضي السّوريّة قريباً، إلّا أنّ بحثها الانسحاب من العراق يعني حتميّة سحبِ قوّاتها من سوريا، إذ تُشكّل القواعد الأميركيّة في بلاد الرّافديْن الأساس في الدّعم العسكريّ واللوجستي للقوّات المُتمركزة على المقلب الآخر من الحدود.
هذا يُفسّر لماذا يُشجّع وليام بيرنز على التّواصل مع إيران لـ”ضمان أمن المنطقة وإسرائيل”، إذ إنّ طهران وحلفاءها سيملأون أيّ فراغ عسكريّ وسياسيّ في شرق وشمال شرق سوريا في حالِ انسحبَت واشنطن من سوريا.

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…