تعديلات اليونيفيل: “التنسيق مع الحكومة”.. بدل الجيش

مدة القراءة 7 د


لا تشبه “معركة” التجديد لقوات اليونيفيل والتلويح بسحب الطرف اللبناني “طلب التجديد” واستحضار “سلاح” الفصل السابع في نيويورك مشهديّة آب 2022 حين دخل تعديل نوعيّ على مهمّة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان قضى باعتماد مسوّدة الاقتراح الذي قدّمته الولايات المتحدة، بدعم من فرنسا وبريطانيا وعدم اعتراض من روسيا والصين. وهو التعديل الذي مَنَحَ “اليونيفيل” حرّية تسيير الدوريّات والقيام بعمليات تفتيش ضمن منطقة عملها من دون حاجة إلى إذن مسبق من الجيش اللبناني أو مؤازرة منه.

يومذاك تحرّك لبنان الرسمي “الغافي”، لكن بعد تلقّي الصفعة. تنصّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من أيّ مسؤولية على الرغم من إشادته المسبقة بالقرار، كما أشاد به رئيس الجمهورية يومها ميشال عون. وحاول وزير الخارجية عبدالله بو حبيب تبرير ما حصل، بتأكيده التنسيق مع سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة (آنذاك) آمال مدللي في رفض أيّ تعديل على بند التجديد. لكن من دون المبادرة إلى إرسال وفد من الإدارة المركزية للإشراف على مسار التفاوض. وبالتالي من دون متابعة دقيقة من الخارجية والسراي الحكوة الحكومي لتطورات الموقف في نيويورك. وهو ما أدى إلى تمرير التعديلات  التي “تحرّر” اليونيفيل من ضوابط التنسيق والمؤازرة مع الجيش اللبناني. وهو مطلب مزمن لقيادتها وللأميركيين والإسرائيليين.

كشفت مداولات الساعات الأخيرة الفاصلة عن صدور قرار التجديد لليونيفيل المنتظر اليوم عن مساعٍ دبلوماسية لبنانية واضحة. تُرجمت بشكل خاصّ من خلال التواصل مع ممثّلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن

المفارقة أنّ اعتراض الخارجية ومحاولتها التبرير آنذاك جاءا متأخّرين نحو أسبوع عن صدور القرار في 31 آب 2022. وكان سبقهما اعتراض الحزب عليه. ما أظهر وزارة الخارجية اللبنانية في موقع المُمْلى عليها الاعتراض. وكأن المطلوب منها تبرير ما حصل للحزب ومحاولة إقناعه بعدم تقصيرها. خصوصاً بعدما كان رئيسا الجمهورية والحكومة قد أشادا بقرار التجديد كما صدر.

وانتهت حركة وزارة الخارجية يومها إلى إصدار بيان عنها، رأت فيه أنّ “القرار الذي صدَر عن مجلس الأمن والذي تمّ بموجبه التجديد لليونيفيل يتضمّن لغة لا تتوافق مع ما وردَ في اتفاق الإطار الذي وقّعه لبنان مع الأمم المتحدة، وقد اعترض لبنان على إدخال هذه اللغة”.

يومها قيل أيضاً في تفسير حقيقة ما حصل، أن لبنان الرسمي لم يتابع بدقة وعناية، الملف الذي يعتبره دورياً روتينياً وبالتالي شكلياً. خصوصاً لأنه كان قد نام على ضمانة روسية، بتصويت موسكو وبكين ضدّ أيّ تعديلات تَدخل على نمط عمل اليونيفيل في جنوب لبنان، ويمكن أن تشكّل مشروع مواجهة بين قيادتها وبين الحزب، وتضع الحكومة بالتالي في موقف محرج وصعب.

لكنّ هذا الاطمئنان اللبناني الدبلوماسي والحكومي حيال استحقاق التجديد في نويورك، أدى إلى تراخٍ وشبه نوم على الحرير الروسي.  وهو ما سَمَح بخرق سياسي كبير انتهى بإقرار التعديلات العام الماضي. لكن التراخي اللبناني الرسمي، قوبل بتشدد عنيف من الحزب. إذ لم يلبث الأمر أن ترجم في جنوب لبنان بعد أسابيع، بالحادث الذي أودى بحياة عنصر من الكتيبة الإيرلندية ضمن قوات اليونيفيل. وذلك في مواجهة “فيلق الأهالي” الذي يمثل جهوزية الحزب للتصدّي لقواعد عمل تلك القوات. بعد تسليحها بنصّ أممي يعطيها هامشاً أكبر في حرّية الحركة والاستطلاع.

ماذا جرى هذه المرة؟

هذا العام حاول لبنان الرسمي تعويض التقصير الذي وقع فيه قبل سنة. وذلك بمواكبة جولات التفاوض منذ بداياتها، باستنفار لبناني دبلوماسي وحكومي، في مقابل ضغط أميركي-إسرائيلي لعدم المسّ بالتعديل النوعي الذي دخل صلب مهامّ اليونيفيل. وإن لم يكن هذا التعديل قد ترجم فعلياً على الأرض. لسببين اثنين:

– أولاً، بفعل ما يشبه الـ”جنتلمان أغريمنت” الذي تم بين الجيش واليونيفيل بعد صدور القرار، والذي ساد طوال العام الماضي. وأدى إلى  الإبقاء على آليّة التنسيق بين الطرفين.

ثانياً، بفعل تصدّي الحزب الدائم تحت ستار “الأهالي” لأيّ تحرّكات مشبوهة لليونيفيل يصنّفها الحزب في سياق التجسّس عليه لمصلحة العدوّ الإسرائيلي.

كشفت مداولات الساعات الأخيرة الفاصلة عن صدور قرار التجديد لليونيفيل المنتظر اليوم عن مساعٍ دبلوماسية لبنانية واضحة. تُرجمت بشكل خاصّ من خلال التواصل مع ممثّلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وفي لقاء الوزير بو حبيب مع الأمين العامّ للأمم المتحدة ومساعده وممثّلة الولايات المتحدة السفيرة ليندا غرينفيلد التي أصرّت على “التفويض القويّ” من مجلس الأمن لقوات الطوارئ الدولية.

بحسب مطّلعين، ضاقت الفرص أمام تعديل النسخة المقترحة أميركياً بموافقة دولية. فيما إقرار التجديد بالصيغة المرفوضة لبنانياً سيفتح الباب أمام مرحلة أكثر توتّراً جنوباً، عبر وقف مفاعيل القرار بالقوّة

تقاطع هذا الضغط مع تحذير الأمين العامّ للحزب في خطابه أمس، من أنّ “هناك من يريد من قوات اليونيفيل أن تعمل عند الإسرائيلي وجواسيس له”. واصفاً التعديل بـ”الحبر على ورق، لأنّ الناس في الجنوب لن تسمح بتطبيق القرار”، وشاكراً “الحكومة اللبنانية على سعيها إلى تصحيح خطأ العام الماضي، ونأمل أن تُوفّق في إجراء هذا التعديل”.

يؤكّد مصدر متابع للملفّ أنّ تلويح لبنان بسحب رسالته التي تطلب التجديد سنة لليونيفيل أتى في إطار الضغط الشكلي على “المطبخ” الدولي في مجلس الأمن. إذ لا قدرة فعليّة للبنان لتحمّل تبعات مغادرة أصحاب القبعات الزرق جنوب لبنان في هذا التوقيت السياسي الخطير.

أمّا السقف الأعلى فبرز في استحضار وزير الخارجية في تصريح رسمي له، احتمال فرض التجديد لليونيفيل تحت مظلّة الفصل السابع وإعلانه رفض لبنان الحاسم لذلك. في الوقت الذي لم تشِر فيه مداولات الكواليس في نيويورك إلى التوجّه لفرض التجديد تحت الفصل السابع. وهو الذي يعني عملياً شنّ حرب دبلوماسية على الحزب. والذي يفترض أن يواجَه أصلاً بفيتو روسي-صيني في حال تبنّيه من قبل باقي الدول.

يشير المصدر إلى أنّ أوّل مؤشّرات الضغط الدولي تُرجم قبل أيام في كلام القائد العامّ لبعثة اليونيفيل الجنرال أرولدو لاثارو الذي ربط في اجتماعات الناقورة الثلاثية (لبنان واليونيفيل وإسرائيل) بين “معالجة القضايا العالقة في ما يتّصل بالتوتّرات حول الخط الأزرق وبين نظر مجلس الأمن في تجديد ولاية اليونيفيل”. واشتدّ الضغط بفرض عقوبات أميركية على منظمة “أخضر بلا حدود” التابعة للحزب وبـ”لوبيينغ” دولي للتحريض على الحزب ومحاصرته في مناطق نفوذه.

وفي السياق نفسه، قد لا تكون مجرد مصادفة زيارة كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي في الإدارة الأميركية، آموس هوكستين، إلى بيروت، عشية استحقاق نيويورك. ترافق هذا مع كلام عن عرض أميركي اسرائيلي يحمله على صعيد ترسيم الحدود الجنوبية البرية للبنان مع كلّ من سوريا وإسرائيل بالطبع.

إقرأ أيضاً: الرواية الكاملة: كيف استولت فرنسا على مرفأ طرابلس؟

تفهّم فرنسي لمطالب لبنان؟

وفق المعلومات الواردة لـ”لأساس” سَمعت بعثة لبنان في نيويورك بعض التفهّم الفرنسي لمطالب لبنان. خصوصاً أن باريس هي “حاملة القلم” في ضوغ مسودة القرار. لكنّه مجرد تفهم أدبي، لم يلغ الواقع السياسي والدبلوماسي الضاغط لتكريس التعديل الذي أُقرّ قبل عام. وهو ما قد يفضي إلى صدور قرار مستنسخ عن التعديلات آب 2022، التي أتاحت حرّية الحركة لقوات اليونيفيل. مدعّمة بجدول طويل من الخروقات و”الانتهاكات”، وفق التعبير المستخدَم، من جانب الحزب للقرار 1701. وعمل الحزب لتكريس نفوذه على بقعة انتشار اليونيفيل. وهو الأمر المتوقع مع عدم اعتراض على القرار من جانب روسيا والصين، اللتين كانتا تقفان في السابق ضدّ أيّ تعديل لمهامّ القوات الدولية، لكن لم تستخدما حقّ الفيتو العام الماضي.

بحسب مطّلعين، ضاقت الفرص أمام تعديل النسخة المقترحة أميركياً بموافقة دولية. فيما إقرار التجديد بالصيغة المرفوضة لبنانياً سيفتح الباب أمام مرحلة أكثر توتّراً جنوباً، عبر وقف مفاعيل القرار بالقوّة. لكن مساء أمس، سرّب الفريق اللبناني مسودّة القرار، التي أظهرت إمكانية التوصل إلى تسوية، تقوم على إبقاء التعديلات المتعلّقة بحرية عمل اليونيفيل، وإضافة عبارة “التنسيق مع حكومة لبنان” لحفظ ماء وجه الموقف اللبناني.

لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…