يردّ الرئيس المكلّف سعد الحريري على مضبطة الاتهام الموجّهة ضدّه بوضع ورقة التكليف في جيبه، وتجاهل خطورة أنّ الساحة الداخلية لا تملك ترف الوقت، للتباحث في “جِنس” وزراء الحكومة بالقول: “لست أنا من يُعرقل، بل المعرقل هو من يجاهر بوضع الحواجز أمام حكومة كان يجب أن تصدر مراسيمها، لو صَفَت النيات، قبل أسبوعين”!
لا تعاكس مصادر الحريري التسريبات المنظّمة عن اقتراب موعد تقديم الرئيس المكلّف رسمياً أول “تشكيلة” إلى رئيس الجمهورية منذ تكليفه في 22 تشرين الأول الماضي. ما يمكن أن يقود إلى كباشٍ علني بين الرئيسين في حال رفضها ميشال عون.
لكن المصادر تجزم في هذا السياق: “لو أنّ الحريري كان يسعى إلى “مشكل”ٍ مع رئيس الجمهورية وجبران باسيل لكان، منذ بداية الأسبوع الأوّل أو الثاني من التكليف، قدّم تشكيلته، خصوصاً أنّ جزءاً منها كان قد حُسم مع مرحلة السفير مصطفى أديب”.
وتضيف المصادر: “سَرت مناخات من جانب بعبدا، ومقرّبين من باسيل، بأنّ الحريري يتلكأ عن تقديم مسودته الوزارية، محمّلين إياه مسؤولية إضاعة الوقت. لذلك، فإن التشكيلة التي سيقدّمها إلى رئيس الجمهورية هي خطوة إلى الأمام للتعجيل بتأليف الحكومة، وليس لمزيدٍ من العرقلة”.
المصادر تجزم في هذا السياق: “لو أنّ الحريري كان يسعى إلى “مشكل”ٍ مع رئيس الجمهورية وجبران باسيل لكان، منذ بداية الأسبوع الأوّل أو الثاني من التكليف، قدّم تشكيلته، خصوصاً أنّ جزءاً منها كان قد حُسم مع مرحلة السفير مصطفى أديب”
المصادر نفسها تقرّ بأن “تشكيلة الـ18 المُنجزة تقريباً يحكمها معياران:
– معيار دستوري قائم على التشاور مع رئيس الجمهورية.
– ومعيار حكومة الاختصاصيين بما يتوافق مع المبادرة الفرنسية، وقد بدأ تطبيقه أولاً على الحصّة السنّية”.
وتشير المصادر إلى أنّ “من ينتقدون السياسات الماضية في تأليف الحكومات يعيبون اليوم على الحريري وضعه معياراً يخالف هذه السياسات”.
وفق المعلومات، فإنّ فكرة تقديم تشكيلة وزارية تتقدّم على غيرها من الخيارات لدى الحريري، وهي مرتبطة بمعطيين: تأكيد التزامه بالمبادرة الفرنسية، وإعطاء دفعٍ ايجابي لمؤتمر دعم لبنان الذي سينعقد في باريس يوم الأربعاء. لكنّ الحريري، وفق قريبين منه، يصطدم بحسابات البعض الشخصية والداخلية التي لا تراعي هذه الجوانب.
وفيما توقّع البعض توجّه موكب الحريري إلى بعبدا يوم أمس الاثنين، فإنّ توقيت الزيارة لم يُحسم حتّى ليل أمس، وهل من الأفضل تقديم التشكيلة قبل أو بعد المؤتمر، خصوصاً لجهة التداعيات السلبية إذا تمّت الزيارة قبل المؤتمر، ولم يكن الاجتماع إيجابياً مع رئيس الجمهورية في ظلّ تباعد كبير في وجهات النظر لا يزال على حاله بين الحريري وعون بشأن بعض الحقائب والأسماء.
في مطلق الأحوال، يرى مطلعون أنّ هذه التشكيلة قد تكون المحطة الأساسية لحسم أسماء واستبعاد أسماء وإعادة نظر، ربما بحقيبة أو أكثر، تمهيداً للتوافق على مجمل الحكومة، أو على الأقلّ هذا ما يريده الحريري.
ويحرص الرئيس المكلّف على أن يقدّم هذه التشكيلة مع 18 اسماً لا تتضمّن فراغات لملئها بالأسماء من خارج دائرة التوافق بينه وبين عون، بعد أن سلّم إلى الرئيس الحريري على حد قول مصادر عين التينة الثنائي الشيعي أسماء الوزراء المحسوبين عليه .
ولذا، فإنّ المسودّة غير متوافق عليها بالكامل، حتّى الآن، مع رئيس الجمهورية، لا في ما يخصّ توزيعة الحقائب، ولا أسماء الوزراء وتوزيعهم الطائفي والمذهبي، فيما يجزم مطلعون بأن التواصل في الفترة الماضية لم ينقطع تماماً بين عون والحريري.
وللمرّة الثانية، في غضون شهر، تصدر رئاسة الجمهورية أمس بياناً تضمّن في البداية تلميحاً، ومن ثَمّ بالاسم، ينفي دخول جبران باسيل على خط تشكيل الحكومة.
لكنّ مصادر الحريري تؤكّد أنّ “باسيل هو الذي يفرض الشروط وليس العكس. والدليل هو “نظرية المعايير” جاهر بها باسيل أولاً، ومن ثَمّ صدرت بصيغة رسمية من خلال خطاب رئيس الجمهورية في عيد الاستقلال”.
يرى مطلعون أنّ هذه التشكيلة قد تكون المحطة الأساسية لحسم أسماء واستبعاد أسماء وإعادة نظر، ربما بحقيبة أو أكثر، تمهيداً للتوافق على مجمل الحكومة، أو على الأقلّ هذا ما يريده الحريري
ومع أنّ قريبين من الحريري يقدّرون التسريبات الإيجابية من الجهة العونية التي أعقبت المحادثة الهاتفية بين الحريري وباسيل بحضور الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، إلا أنّهم يجزمون بصعوبة حصول لقاء بين الطرفين قد يقوّض مسعى الرئيس المكلّف إلى أن يبعد تأثير الأحزاب السياسية على مسار التأليف. ويشيرون إلى أنّ تشبّث العونيين بمقولة أنّ الحريري يريد تسمية كلّ الوزراء المسيحيين، إنّما يشكّل استهدافاً وعرقلة للمبادرة الفرنسية نفسها. إذ أنّ باريس تحرص على أن تشرف على تسمية أسماء أربعة وزراء لحقائب أساسية مرتبطة بمؤتمر “سيدر” والمساعدات المالية، فيحمّلون بذلك الحريري مسؤولية أسماء هي جزء من هذه المبادرة.
ويتزامن احتمال تقديم الحريري تشكيلته في الساعات المقبلة إلى رئيس الجمهورية مع ثلاثة مؤشرات مهمة:
– الأوّل هو زيادة منسوب التوتر في المنطقة عقب اغتيال العالِم النووي الإيراني محسن فخري زاده، وانسحاب هذا التوتر على رفع “ضغط” الاستنفار القائم أصلاُ على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وتوقّع مراجع عليا في الدولة احتمال توجيه إسرائيل ضربة موضعية في الداخل اللبناني تستهدف حزب الله.
– والثاني هو تبلّغ لبنان تأجيل الجولة الخامسة من مفاوضات ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي. وهنا ترى أوساط مطلعة أنّ “هذا التأجيل يرتبط بحسابات إسرائيلية داخلية، وأيضاً بالاعتراض على ما قدّمه الوفد اللبناني من دراسات وخرائط وفق القانون الدولي تؤكّد حقه في مساحات إضافية في المياه المتنازع عليها”. وقد شكّل قرار تأجيل المفاوضات أحد عناوين النقاش أمس بين الرئيس نبيه بري والسفيرة الاميركية دوروثي شيا في عين التينة.
– الثالث هو انعقاد مؤتمر الدعم الانساني للبنان من مقرّ الأليزيه يوم غد الأربعاء عبر تقنية الـ zoom بمن حضر، ومن دون توقّع الكثير منه سوى مساعدات عينية عاجلة من طحين وأدوية وغذاء بما يكفل تأمين مقوّمات صمود اللبنانيين لا أكثر.
إقرأ أيضاً: بين عون وبري… حان وقت المعركة الكبرى!
أما في ما يتعلّق بمؤتمر الدعم المالي والاقتصادي، فهو خارج دائرة الاهتمام الدولي راهناً. يحدث ذلك مع تسليم الرئيس إيمانويل ماكرون وفريقه المساعد، وفق تأكيد شخصية لبنانية مطلعة على الموقف الفرنسي، بأنّ المبادرة الفرنسية وصلت إلى الطريق المسدود، وهي بحاجة إلى مؤازرة دولية غير متوافرة حالياً لإعادة إنعاشها، وربما بشروط قد تحرفها عن مسارها المطلوب.
ويتحدّث الفرنسيون عن “فشلٍ ذريع” في تأليف الحكومة، أي في تطبيق البند الأول من المبادرة، وهو أمرٌ مرجّح، برأيهم، لأن يطول إلى العام المقبل، وربما إلى ما بعد تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد السلطة.