في الكلمة التي ألقاها قائد الجيش العماد جوزف عون أمام تلامذة ضباط الكلية الحربية الذين التحقوا حديثًاً، ارتسم جانب آخر من المسار الذي خطّه قائد الجيش منذ تعيينه على رأس المؤسسة العسكرية.
فالتلامذة الضباط الذين التقاهم، بعد اختيارهم من صفوف العسكريين في كافة الأجهزة الأمنية، وإلى جانبه وزيرة الدفاع زينة عكر، شكّلوا أحد التحديات التي خاضها عون داخل المؤسسة. وقد صارحهم بذلك حين توجّه اليهم قائلًاً: “مشروع دخولكم الى الكلية كان تحدّياً لنا. مجلس الوزراء كان اتخذ قراراً بعدم التطويع، لذلك فإنّ تطويع مدنيين كان يستلزم قرارًا منه وفتح اعتمادات وهذا الأمر لم يكن متاحاً، لكن حفاظاً على الاستمرارية في المؤسسة العسكرية وتجنّباً للفراغ أخذنا القرار بالتطويع من داخل المؤسسة، وهذا الأمر لا يتطلّب فتح اعتمادات ويخفّف من التكاليف”. وشدّد على “خضوعهم لاختبارت صعبة على أساس التصنيف والمباراة، وليس النجاح والرسوب وذلك لاختيار الأفضل”، قائلاً لهم: “لا فضل لأحد عليكم. لقد تعبتم ودخلتم بكفاءتكم”.
إقرأ أيضاً: قائد الجيش: فاتورة الرئاسة… باكراً
بغضّ النظر عن المعيار الذي فرضه قائد الجيش بتطويع الضباط بعيداً عن أيّ اعتبارات وتدخلات سياسية، واضعاً حدّاً فاصلاً مع مرحلة “الإيد والإجر” داخل المؤسسة، فإنّ تحدياً فعلياً خاضه عون مع تبنّيه لهذا الخيار بعد اعتراض وزير الدفاع السابق الياس بو صعب على التطويع، معتبراً أنه مخالف لقرار مجلس الوزراء بوقف التوظيف بما في ذلك السلك العسكري، ولا يراعي متطلبات قبول المرشحين في الكلية الحربية، ولم يحظَ بموافقة خطية مسبقة من الرؤساء الثلاثة، ولأنّ قائد الجيش فتح باب ترشيح العسكريين من دون أن ينال توقيع بو صعب على بدء قبول طلبات الترشيح!
لذلك، كان مفهومًا أن يصارح قائد الجيش التلامذة الضباط مؤكداً لهم “أنه كان يفترض توقيع المرسوم قبل أربعة أشهر، وقد حصل تأخير إلى أنّ أتت الحكومة الجديدة. ووزيرة الدفاع وقّعت على قرار التحاقكم”، معرباً عن أسفه “لحصول التأخير، لكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي”، مشدداً على أنّ “تجربتكم هي الأولى من نوعها كما أنّ تجربة إدخال الاناث هي الأولى من نوعها في تاريخ الجيش”.
عملياً، شكّل هذا الاستحقاق أحد المطبّات التي حَكمت العلاقة بين عون ووزير الدفاع السابق بو صعب الذي لجأ الى سياسة أشعرت ضباط وعسكريي اليرزة أن “ثمّة من فضّل العرقلة و”التنغيم” وتسجيل المواقف للترويج لصورته أكثر مما عَمِل لصالح المؤسسة العسكرية”.
ومن الأدلة الواضحة على ذلك أنّ المرسوم الذي لم يوقّعه نائب المتن فإنّ وزيرة الدفاع صاحبة التجربة المُعتبرة والمهمة في الإدارة والمُشرفة شخصياً من خلال موقعها السابق على رأس الإدارة التفيذية لشركة “الدولية للمعلومات” التي تعنى بالكثير من ملفات الفساد، سارعت إلى توقيعه، مؤكدة في كلمتها أمام التلامذة الضباط أنّ “التحاقكم أمر بالغ الأهمية لأنّكم تؤمّنون استمرارية رسالة الجندية وتحافظون على لبنان بكلّ مكوّناته”، داعية إياهم إلى “الابتعاد عن السياسة وتجاذباتها”.
لم يكن الخلاف على توقيع نتائج الحربية سوى نقطة في بحر علاقة متوترة حكمت بو صعب وقائد الجيش وبدت في أحد جوانبها كامتداد للعلاقة غير الإيجابية بين العماد عون والوزير جبران باسيل الذي أخذ بصدره من ضمن كباشه مع “القائد” معركة ترسيم الصلاحيات بين وزير الدفاع وقيادة الجيش والدفع باتجاه إقرار المراسيم التطبيقية. وصل الأمر حتى الى تلميح بو صعب إلى وجود هدر مال عام في مسألة طوابع الطبابة العسكرية المخصّصة حصراً لصرف بدل طبابة والأدوية والخاضعة أصلاً للرقابة.
في المقابل تفيد المعطيات أنّ علاقة وزيرة الدفاع وقائد الجيش تحكمها الإيجابية والتنسيق البناء والتفاهم المتبادل. وقد اطّلعت عكر مثلاً على ملف نتائج الحربية وسياق اعتماد هذا الخيار ضمن المؤسسة العسكرية وأسبابه الموجبة، واقتنعت بضرورة التوقيع، وهو الأمر الذي انعكس في كلمتها أمام تلاميذ الحربية.
قريباً يفترض أن يتمّ البتّ بملف عالق منذ نهاية العام الماضي، وهو امتداد لما عرف بملف ضباط “دورة عون”
وعملياً إنّ دورة التطويع الأخيرة من داخل المؤسسة ستؤدي إلى ضخّ دمّ جديد وتفادي ما حصل في المرحلة الفاصلة بين 1986 و1994، حين توقفت دورات التطويع، ما تسبّب بفراغ كبير وأحدث خللاً على مستوى الهرمية. ويقول العارفون أن عكر تضطلع بمسؤولياتها كوزيرة دفاع وتعمل على أكثر من جبهة وتشارك بنشاط في اللجان وتمارس صلاحياتها بما يقود إلى الأخذ بعين الاعتبار مصالح العسكر أولاً. وهناك تعاون وثيق بينها وبين قيادة الجيش ونقاش مستمرّ ومرونة في التعاطي المتبادل، وهي غير مهجوسة بالبروباغاندا الإعلامية مقارنة بسلفها الذي حوّل المراسيم التطبيقية الى معركة شخصية له، بحيث حَضر هذا الملف حصراً ضمن كلمته في حفل التسليم والتسلّم في اليرزة.
وقريباً يفترض أن يتمّ البتّ بملف عالق منذ نهاية العام الماضي، وهو امتداد لما عرف بملف ضباط “دورة عون” عام 1994 الذي أثير عام 2017 على خلفية منحهم أقدمية سنتين.
وقد عَاد مجدداً إلى الواجهة في كانون الأول الماضي حين استحقت ترقيتهم بعدما وقّع قائد الجيش اقتراح ترقية 126 عقيداً إلى رتبة عميد من ضمنهم ضباط ما عرف بـ “دورة عون”. الأمر الذي قاد إلى التأزّم بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري بسببب اعتراض الأخير، حيث إن العقداء ينقسمون بين 28 مسلماً و98 مسيحياً. وقد تمّ حفظ حقهم بالترقية بعد توقيع بو صعب قبل مغادرته اليرزة على جدول قيد ترقيتهم، فيما صدر بشكل منفصل مرسوم شمل ترقية 50 ضابطاً من رتبة رائد إلى مقدّم، ونحو 30 ضابطاً من رتبة مقدم إلى عقيد، فيما بقي وضع 126 عقيداً عالقاً بانتظار ترقيتهم الى عميد.