بين شمال غزّة وجنوبها: ميزان الحرب في لبنان ثابت

مدة القراءة 5 د


في الجولة الأولى من الحرب على جنوب غزة، حكمت المشهد معادلة سياسية عسكرية دعمتها واشنطن ولاقتها إيران في منتصف الطريق، عنوانها هو التالي: “دعم حرب نتانياهو على حماس ردّاً على عملية 7 أكتوبر… ولو كلّف الأمر تدمير جنوب غزة”، وهكذا حصل.

في المقابل كان مجلس الأمن يتخبّط بقرارات لم تنجح في اختراق سقف الحرب، بل بقيت رهينة قرار أميركي بمعارضة قرار “وقف إطلاق النار”. وكان العرب يعقدون قمماً لم تنجح أيضاً في وقف الحرب أو إدخال المساعدات قبل نضوج المرحلة الأولى من مفاوضات تبادل الأسرى.

على وقع هذا المشهد كانت الرسالة الأميركية واضحة بعدم تمدّد الحرب إلى لبنان لأنّ كلفتها ستكون على لبنان وسوريا معاً، وكان الردّ الإيراني واضحاً أيضاً بدعم حماس لوجستياً من دون أن يؤدّي ذلك إلى حرب كبرى.

نتيجة الجولة الأولى من الحرب، بحسب مصادر دبلوماسية، ثبّتت المفاضلة التي وضعها الغرب أمام إيران: “محمد الضيف والسنوار، أو الحزب والأسد”.

في الجولة الأولى من الحرب على جنوب غزة، حكمت المشهد معادلة سياسية عسكرية دعمتها واشنطن ولاقتها إيران في منتصف الطريق، عنوانها هو التالي: “دعم حرب نتانياهو على حماس ردّاً على عملية 7 أكتوبر

هل تفرض مجدّداً هذه المعادلة نفسها في الجولة الثانية من الحرب التي قرّر فيها نتانياهو دخول جنوب غزة كما فعل في شمالها؟

نتانياهو سيّد قراره

على الرغم من كلّ ما عبّرت عنه الإدارة الأميركية من اعتراضات أو ملاحظات على العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في شمال غزة، والمعارضة الصريحة للدخول إلى الجنوب، ومطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن بتحييد المدنيين، يبدو أنّ نتانياهو يخوض الحرب على قاعدة أنّه لم يعد هناك ما يخسره في السياسة.

بطبيعة الحال فإنّ الهدف الأساس الذي وضعه نتانياهو، أي “القضاء على البنية العسكرية لحركة حماس”، هو هدف مشترك إسرائيلي أميركي، غير أنّ مسار تطوّر الحرب في جنوب غزة يصطدم بمجموعة محاذير دولية وعربية تتمثّل في ما يلي:

– رفض واشنطن عمليات عسكرية في جنوب غزة كالتي حصلت في شمالها وتفضيلها الاكتفاء بعمليات نوعية ضدّ قادة حماس، بينما يسعى نتانياهو إلى تكرار سيناريو الشمال تحت عنوان أنّ محمد الضيف ويحيى السنوار أصلهما من خان يونس، وبالتالي ضربها يعني القضاء عليهما.

– سعي واشنطن إلى ضبط العمليات في وقت قصير وإجراء عمليات تبادل واسعة وسريعة في حين يسعى نتانياهو إلى مدّ الحرب شهرين إضافيين ليتخلّص أوّلاً من استدعاءات الداخل له في أكثر من ملفّ تتعلّق بفساد ولجان تحقيق حول عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول).

– إعلان واشنطن الصريح في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن ضرورة أن تتكوّن سلطة مشتركة في الضفة وغزة للبناء عليها في اليوم الذي يلي انتهاء الحرب. في حين يضرب نتانياهو ليس فقط جنوب غزة، بل الضفة الغربية أيضاً حيث سلطة محمود عباس.

– رفض واشنطن والعرب تهجير أهل القطاع، على أن تكون غزة والضفة عمق الدولة الفلسطينية المقبلة، في حين يسعى نتانياهو إلى حصر أهل غزة في مدينة رفح بعد تهجيرهم من شمالها إلى جنوبها ثمّ تطويقهم في رفح تمهيداً لتهجيرهم إلى خارج القطاع المُحاصَر.

كانت الرسالة الأميركية واضحة بعدم تمدّد الحرب إلى لبنان لأنّ كلفتها ستكون على لبنان وسوريا معاً، وكان الردّ الإيراني واضحاً أيضاً بدعم حماس لوجستياً من دون أن يؤدّي ذلك إلى حرب كبرى

– الكلام عن ضربة عسكرية لمعبر رفح الذي تعتبره إسرائيل الشريان الأساسي لدعم المقاومة في غزة، وبالتالي يعتبر نتانياهو أنّ ضربه سيؤدّي إلى ضرب خطّ إمداد أساسي لحماس من جهة، ومن جهة ثانية سيؤدّي إلى هروب الغزّيّين من مدينة رفح إلى داخل مصر.

بناء على كلّ ما تقدّم يبدو أنّ المعركة في جنوب غزة مستمرّة حتى إشعار آخر في وقت تزدحم الدبلوماسية الدولية في بيروت للمطالبة بتطبيق القرار 1701، وعدم انجرار لبنان إلى الحرب.

فأين الحزب من سيناريو الحرب في جنوب غزة؟

الحزب: الميزان لن يتغيّر

في العودة إلى معادلة الحرب الأولى، التي حصرت المعركة في غزة وضمنت عدم امتدادها إلى لبنان، بتفاهم أميركي – إيراني، يبدو حتى الساعة أنّ المفاضلة التي وضعها الغرب أمام إيران ما زالت قائمة: “لا تدخّل في غزة، والمحافظة على لبنان وسوريا – الأسد”.

بناءً عليه تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب عن استمرار الحزب في اعتماده الميزان نفسه من جولة شمال القطاع إلى جولة جنوبه. فحتى الساعة يحكم المشهد الأمنيّ في لبنان الاستاتيكو نفسه. فما ينطبق على لبنان ينطبق على إسرائيل.

وفق مصادر دبلوماسية فإنّ الولايات المتحدة الأميركية يمكنها أن تتساهل مع نتانياهو في حربه على غزة، لكنّها تعتبر لبنان وإيران خطّين أحمرين لأنّ أيّ تطوّر دراماتيكي في هاتين الساحتين سينعكس مباشرة عليها وسيدخلها في حرب مباشرة. وهو ما لا تريده واشنطن التي ستدخل مدار الانتخابات الرئاسية خلال شهر من اليوم.

في المقابل، نشهد زحمة دبلوماسيّة في بيروت للمطالبة بالعودة إلى الحال الذي كان عليه الجنوب اللبناني قبل حرب غزّة، وليس أبعد من ذلك، على اعتبار أنّ القوى الدولية مدركة تماماً لحساسية وصعوبة تغيير موازين تطبيق الـ1701. ولعلّ أكبر دليل على ذلك السجال حول التمديد لقوات اليونيفيل وما تبعه على مستوى عدم تغيير مسار تطبيقه في الجنوب.

إقرأ أيضاً: الممانعة تقيّم ما حصل: أين أخطأنا وأين نجحنا؟

في إسرائيل نقاش حول إمكانية عودة المستوطنين إلى المستوطنات الشمالية في ظلّ وجود الحزب في الجنوب. وهو ما يدفع إسرائيل إلى طلب “ضمانات ما بعد الحرب”، كي تسمح بعودة هؤلاء بأمان إلى منازلهم. وهو نقاش سيستمرّ في الأيام المقبلة ولن ينتهي إلا مع الوصول إلى خواتيم التسوية التي بدأت تشقّ طريقها إلى المنطقة. وفي طريقها ربّما يُنتَخَب رئيس في لبنان ليكون على رأس الجمهورية عشيّة نضوج الحلّ.

لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…