صادق البرلمان اللبناني على مرسوم إعلان حالة الطوارئ في بيروت الذي صدر عن الحكومة بعد ساعات قليلة من وقوع زلزال المرفأ “استناداً إلى المادة 3 من قانون الدفاع رقم 102 والمواد 1 و 2 و2و3 و4 من المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1968″، والذي لمدة أسبوعين سريان مفعوله أي من 4/8/2020 لغاية 18/8/2020.
إقرأ أيضاً: من قتلنا؟
وبناء على هذا المرسوم، تمارس السلطات المختصة الصلاحيات المنصوص عنها في المرسوم الاشتراعي رقم 52/1968، كما وبالاستناد إلى المادة 3 من هذا المرسوم الاشتراعي، حيث تتولّى فوراً السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن، وتوضع تحت تصرّفها جميع القوى المسلحة بما فيها قوى الأمن الداخلي، والأمن العام، والجمارك، ورجال القوى المسلحة في الموانئ، والمطار، وفي وحدات الحراسة المسلحة ومفارزها بما فيها رجال الإطفاء. وتقوم هذه القوى بواجباتها الأساسية وفقاً لقوانينها الخاصة، وتحت إمرة القيادة العسكرية العليا.
مصادقة مجلس النواب لن تبدّل أو تغيّر في أداء المؤسسة العسكرية التي استعانت بالمرسوم لتطبيقه حيث وجب لا أكثر
وبالفعل، بعد ساعات قليلة أصدر الجيش اللبناني، أول بيان بعد إعلان حالة الطوارئ، اذ دعت قيادة الجيش المواطنين إلى إخلاء المنطقة أمام عمليات الإنقاذ ورفع الأضرار الناجمة عن الانفجار. وطلبت من أصحاب المنازل والممتلكات الواقعة في المنطقة المحيطة بالانفجار، التقيّد بالإجراءات المتخذة والتعاون مع القوى الأمنية المنتشرة في المكان.
وحذّرت جميع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من استخدام الطائرات المسيّرة عن بعد في منطقة بيروت بكاملها، لما لهذه الطائرات من تأثير سلبي على حركة الطوّافات التي تعمل على إخماد الحرائق والمساعدة في أعمال الإغاثة.
وبمعزل عن الالتباس الذي أثاره ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري حول تاريخ سريان حالة الطوارىء لجهة اعتباره أنّه “يبدأ تطبيقها اليوم (أمس الخميس)، وتستمرّ لمدة 15 يوماً من تاريخه”، فإنّ إعلان حال الطوارئ يثير خشية منظّمات حقوقية من أن يؤدّي عملياً إلى تسليم مقاليد السلطة في المدينة إلى الجيش والمسّ بحريات التجمّع والتظاهر خصوصاً، وأنّ حالة الطوارئ تؤدّي إلى “توسيع صلاحية المحكمة العسكرية لمحاكمة المدنيين في جميع الجرائم المخلّة بالأمن”. ويمكن للجيش من خلالها “منع الاجتماعات المخلّة بالأمن” بالإضافة إلى “فرض الإقامة الجبرية على من يقوم بنشاط يشكّل خطراً على الأمن”. كما يخوّله “الدخول إلى المنازل في أيّ وقت”… وهو أمر غير مبرّر طالما أنّ الكارثة لم تترافق أقله حتّى الآن مع أيّ خطر أمني.
فهل باتت بيروت في قبضة المؤسسة العسكرية؟
يقول مصدر عسكري إنّ حالة الطوارىء صارت قيد التنفيذ من لحظة صدور المرسوم عن الحكومة، مشيراً إلى أنّ مصادقة مجلس النواب لن تبدّل أو تغيّر في أداء المؤسسة العسكرية التي استعانت بالمرسوم لتطبيقه حيث وجب لا أكثر، ولو أنّ القانون يمنح الجيش الكثير من الصلاحيات، لكنه ليس ملزماً بتطبيقها جميعاً إذا لم تدع الحاجة، بدليل أنّه لم يتخذ أيّ إجراء بحقّ أيّ مؤسسة إعلامية تعرّضت له، على خلاف الشائعات التي تسري حول نيته استخدام سلطة قمعية.
ترجمة القانون وفق المصادر العسكرية محصورة بتسهيل التعاون مع باقي المؤسسات والإدارات إن كان على مستوى المحافظة أو البلدية أو الإدارات المحلية الأمنية وغير الأمنية، وكلها مؤسسات تتعاطى مع الجيش “كمؤسسة أمّ”، وفق مقتضيات القانون. إذاً، تسهيل المهمات لضرورات المرحلة ومواجهة الكارثة التي حلّت، هو الهدف المرجوّ من قانون الطوارىء وفق المصادر العسكرية، ليس أكثر. أما بقية مقتضياته، فلا يجد الجيش نفسه مضطرا للجوء اليها.
ماذا عن استخدام القانون لمواجهة التظاهرات؟
يجيب المصدر العسكري: لم يتغيّر سلوك المؤسسة العسكرية في مواجهة أعمال الشغب التي حلّت نهاية الأسبوع على العاصمة، حتّى لو حصل بعض الحزم والشدّة أكثر من المعتاد، ورغم وقوع حالات تعدٍّ واحراق ممتلكات خاصة وعامة. ولذا، لم يكن قانون الطوارىء هو المعيار، وإنما مدى تعرّض السلم الأهلي للاهتزاز.
وفي هذا السياق، يقول المحامي عيسى نحاس إنّ “إعلان حالة الطوارئ يتمّ بمرسوم في مجلس الوزراء وفقاً لصراحة المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967 (قانون إعلان حالة الطوارئ).
على الأرض لم نَرَ حتى اليوم اتخاذ مثل هذه التدابير. لذا، يصبح النقاش حول موعد بدء سريان حالة الطوارئ نوعاً من الخلاف على جنس الملائكة. والجيش اللبناني مدعو بحزم لتطبيق حالة الطوارئ وتنفيذ صلاحياتها ضماناً لأمن المواطنين وكشفاً لملابسات الجريمة
يضيف: “أما موافقة مجلس النواب، فهي للاستمرار به أكثر من ثمانية أيام أو لوقفه من دون أن يمسّ ذلك شرعية التدابير المتخذة في حالة الطوارئ منذ صدور المرسوم، ولغاية قرار مجلس النواب، وهو ليس شرطاً لصدوره بل لاستمراره. ولكن يمكن للقانون الصادر عن مجلس النواب تمديد حالة الطوارئ أو تحديد مدتها اعتباراً من صدور القانون دون أن يمسّ ذلك شرعية التدابير المتخذة من تاريخ صدور مرسوم إعلان حالة الطوارئ ولغاية صدور القانون عن مجلس النواب”.
وتنص المادة الرابعة من المرسوم نفسه:
” للسلطة العسكرية العليا، في حالة إعلان حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية، الحقّ في:
1- فرض التكاليف العسكرية بطريق المصادرة التي تشمل: الأشخاص والحيوانات والأشياء والممتلكات.
2 – تحرّي المنازل في الليل والنهار.
3 – إعطاء الأوامر بتسليم الأسلحة والذخائر والتفتيش عنها ومصادرتها.
4 – فرض الغرامات الإجمالية والجماعية.
5 – إبعاد المشبوهين.
6 – اتخاذ قرارات بتحديد أقاليم دفاعية وأقاليم حيطة تصبح الإقامة فيها خاضعة لنظام معيّن.
7 – فرض الإقامة الجبرية على الأشخاص الذين يقومون بنشاط يشكّل خطراً على الأمن واتخاذ التدابير اللازمة لتأمين المعيشة لهؤلاء الأشخاص ولعائلاتهم.
8 – منع الاجتماعات المخلّة بالأمن.
9 – إعطاء الأوامر في إقفال قاعات السينما والمسارح والملاهي ومختلف أماكن التجمع بصورة مؤقتة.
10 – منع تجوّل الأشخاص والسيارات في الأماكن وفي الأوقات التي تحدّد بموجب قرار.
11- منع النشرات المخلّة بالأمن واتخاذ التدابير اللازمة لفرض الرقابة على الصحف والمطبوعات والنشرات المختلفة والإذاعات والتلفزيون والأفلام السينمائية والمسرحيات.
12- تطبيق القواعد العسكرية المتعلّقة بالأعمال الحربية عند تسيير الجنود لأعمال مسلحة، وفي استعمال الأسلحة والمعدّات بجميع الطرق التي تمكّنهم من القيام بالمهمة الموكولة اليهم”.
وبحسب المادة الخامسة والسابعة من المرسوم الاشتراعي نفسه، تكون المحكمة العسكرية مختصة للنظر بكلّ جرم يقع ضمن دائرة حالة الطوارئ حتى ولو جرت المحاكمة بعد انقضاء حالة الطوارئ.
ويؤكد المحامي نحاس إنّه “على الأرض لم نَرَ حتى اليوم اتخاذ مثل هذه التدابير. لذا، يصبح النقاش حول موعد بدء سريان حالة الطوارئ نوعاً من الخلاف على جنس الملائكة. والجيش اللبناني مدعو بحزم لتطبيق حالة الطوارئ وتنفيذ صلاحياتها ضماناً لأمن المواطنين وكشفاً لملابسات الجريمة الكبرى في مرفأ بيروت”.