لم تكن “نهاية” سيرة بيتر جرمانوس “القوي” مفاجِئة بالنسبة لكثيرين. قاضي العهد “المدعوم”، حتى أشهر خلت، رسا على خاتمة متوقعة ومنتظرة قد تكون أقلّ الممكن في دولة التسويات. “الريسّ” راجع إلى منزله قبل 18 عامًا من الموعد المفترض لاحالته إلى التقاعد في السلك القضائي. لا مكان له إذا في التشكيلات القضائية المرتقبة التي ستكون الكلمة الفصل فيها، وفق ما يتردّد، لأعضاء مجلس القضاء الأعلى خلافًا لـ”طبيعة” التدخل الاعتيادي لقوى سياسية، من عهد الوصاية وجرّ، في “تعيين” من يختارونه من القضاة ليكونوا “أزلامهم” في قصور العدل.
القاضي المرتقب تعيينه “مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية” مكان القاضي جرمانوس هو معاون مفوض الحكومة القاضي كلود غانم، الذي شغل سابقًا موقع محامي عام في بعبدا.
إقرأ أيضاً: روكز: حكومة “المستشارين” لن تصمد طويلاً
منذ ورود اسم بيتر جرمانوس ضمن التشكيلات القضائية الأولى في عهد ميشال عون عام 2017، والأشمل منذ العام 2009، دخل مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية رسمياً نادي القضاة الأكثر تسييساً والإثارة للجدل.
خليفة القاضي صقر صقر(رجل 14 آذار في القضاء العسكري) ووجه بفيتو من بيت الوسط عند تعيينه. لكنّ مفاعيل التسوية الرئاسية كانت حاضرة لتذلّل هذا النوع من العقبات.
حول اسم بيتر جرمانوس نُسِجت الكثير من الروايات: قيل إنّه “رجل” سليم جريصاتي (وزير العدل السابق) في القضاء وبه دشّن عقد “قضاة العهد”. كثر من زملائه سيستذكرون الشهادة الفاقعة التي قدّمها جريصاتي بجرمانوس بعد أسابيع قليلة من تعيينه حين قال “منذ استلامي وزارة العدل لم أتخيّل دقيقة واحدة غير بيتر جرمانوس كمفوّض للحكومة لدى المحكمة العسكرية”، مثنياً على “حسّه السياسي والأمني وفراسته القانونية”.
اعتُبر جرمانوس أيضاً القاضي المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون وعلى “العونيين”. قيل إنّه “الوديعة” السرّية لحزب الله في القضاء العسكري. وها هو الوزير السابق وئام وهاب يكشف جزءاً من هذا الإستنتاج بتوجيه رسالة قاسية إلى قوى 8 آذار تحمّلهم مسؤولية القبول بالإطاحة بجرمانوس، متحدثاً عن قلّة الوفاء ومبرّئاً مفوض الحكومة من تهمة الفساد. وقيل أيضاً إنّ الغطاء العوني الذي أمِّن له قبل وقت طويل، حتّى قبل تعيينه في مركزه الحسّاس، رُفِع تدريجاً إلى حدّ تركه “يقاوم” وحده بوجه فريق الرئيس سعد الحريري واللواء عماد عثمان و”شعبة المعلومات”… والوزير جبران باسيل في الأشهر الاخيرة من نهاية مشواره القضائي.
جرمانوس لا يزال يواظب على القيام بعمله الاعتيادي في مكتبه في المحكمة العسكرية فيما أنهى عملية ضبضبة أغراضه الشخصية
روايات تقاطعت مع كثير من الوقائع التي تدين القاضي أكثر ممّا تمنحه براءة ذمّة عن أفعاله. وبالتأكيد هي لا تحجب الأساس. ثمّة قاضٍ يُفترض أنّه “قبضاي” وكفوء سيخرج باكراً جداً من السلك “لأسباب عائلية”. هي الحجّة الأكثر دبلوماسية للتغطية على تسوية قضت بإزاحة بيتر جرمانوس مع حفظ ماء وجهه على أبواب تشكيلات قضائية لم تكن لترحَمَه. وقرار المجلس التأديبي، وبالرغم من “دوزه” المخفّف جداً، كَسَر شوكة “قاضي العهد” ووضع حداً لمسيرة قضائية، الداعمون له يقولون إنّها كانت “مشرّفة”، وراصدوه على الكوع يجزمون بأنّها “نهاية قاضٍ فاسد كان يفترض أن يتمّ عزله من السلك القضائي وحرمانه من تعويض الصرف وليس تأمين إخراج يجنّبه المحاسبة”.
العقوبة الصادرة عن المجلس التأديبي بتأخير ترقية جرمانوس ستة أشهر، والتي تلاها تسريبه تصريحاً إلى “الوكالة الوطنية للإعلام” يفيد بنّيته تقديم كتاب إلى المجلس الأعلى للدفاع بواسطة وزيرة العدل يطلب إنهاء خدماته في السلك القضائي، سوى مخرج متوافق عليه في كواليس المطبخ السياسي لتحييد جرمانوس عن مصير كان يمكن أن يقفل على نهاية أصعب بكثير.
عملياً، جاء ترتيب جرمانوس في المرتبة السادسة لقضاة صدرت بحقّهم عقوبات تأديبية في ضوء حملة مكافحة الفساد في أروقة القضاء مع تمايز في درجة العقوبة. فبين عقوبات العزل والصرف من الخدمة وإنزال الدرجة، إرتأى المجلس التأديبي، برئاسة القاضي ميشال طرزي وعضوية القاضيين غادة بو كروم وأيمن عويدات، معاقبة جرمانوس بتأخير ترقيته ستّة أشهر، فيما التحقيقات الأولية أظهرت تورّطاً أكبر لجرمانوس، وفق مطلعين، كانت تستوجب عقوبة أكبر.
وفق المعلومات، تقدّم جرمانوس في 11 شباط الجاري من مجلس القضاء الاعلى، بواسطة وزيرة العدل ماري كلود نجم بطلب إنهاء خدماته “لأسباب عائلية” بعد أربعة أيام من تسريب الخبر إلى الاعلام. ومع إحالة وزيرة العدل الطلب الى “المجلس” لإبداء الرأي، فإنّ الموافقة المتوقعة على الطلب سيليها صدور مرسوم بقبول إنهاء الخدمات يصدر عن رئيسيّ الجمهورية والحكومة ووزير العدل ووزير المالية.
جرمانوس لا يزال يواظب على القيام بعمله الاعتيادي في مكتبه في المحكمة العسكرية، فيما أنهى عملية ضبضبة أغراضه الشخصية. وعلى عتبة هذا المكتب سينتهي “مخططه” الذي عمل لأجله بالانتقال من موقعه الحالي ليعيّن رئيس مجلس شورى الدولة، وفق ما كان يردّده بعيد تعيينه مفوضاً للحكومة.