بيتر جرمانوس: ليلة سقوط الغطاء (2/2)

مدة القراءة 5 د


أثار إسم بيتر جرمانوس جدلاً كبيراً حين بدأ يتردّد ضمن مجموعة قضاة ومحامين ومساعدين قضائيين في شأن تحقيقات الفساد القضائي مطلع عام 2019 عبر التساؤلات حول علاقته المشبوهة بعدد من السماسرة ورفضه المثول بداية أمام هيئة التفتيش القضائي.
لكنّ الضغط السياسي كان أضعف من حمايته من المثول أمام “الهيئة” التي عادت وأحالته إلى المجلس التأديبي في تموز الفائت مع قاضي التحقيق الأوّل في البقاع عماد الزين، وكلاهما لم يصدر وزير العدل ألبير سرحان في حينه، المحسوب على العهد، قراراً بتوقيفهما عن العمل إلى حين صدور قرار المجلس التأديبي على غرار ما فعله مع باقي القضاة.
كما لعب جرمانوس على الوتر السياسي من خلال اعتباره التحقيقات التي باشرتها “شعبة المعلومات” في قضية الفساد القضائي تستهدفه بشكل مباشر.

إقرأ أيضاً: بيتر جرمانوس: نهاية قاضٍ “مدعوم” (2/1)

وفي حمأة معركة الفساد القضائي أحرجت قضية جرمانوس العهد لكن ليس كلّ رموزه. في المجالس الضيقة كان يُسمع ميشال عون يقولها كما هي: لا غطاء فوق رأس أحد، وإن كان بيتر جرمانوس متورطاً فليُحاسب.
عملياً خلال مسار المعركة ضد الفساد القضائي التي انتهت بتأديب ستة قضاة وتوجيه لوم إلى قاض ورفع الحصانة عن محامية، لم يوفّر جرمانوس وسيلة لخوض معركته الشخصية ضد من ظنّ أنّه يطلب رأسه. فشنّ هجوماً مضاداً على “شعبة المعلومات” بادعائه عليها وعلى اللواء عماد عثمان بجرم مخالفة قرار قضائي يتعلق بتسليمه لائحة الأذونات المتعلقة بالآبار والبناء والكسارات.
ولعل الكباش الصامت بين القاضي جرمانوس ومعاون مفوض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجار يكشف جانباً من تخبّط “قاضي العهد”. فالتحقيقات التي باشرتها “شعبة المعلومات” بملف الفساد القضائي، وطرف خيطها التلاعب بالنشرات الأمنية والقضائية، دشّنت بإعطاء الحجار الإشارة القضائية بتوقيف الاشخاص المتورطين في هذا الملف المتشعب ومنهم مرافق القاضية غادة عون والسمسار جوزف .س الذي كشفت “المعلومات” علاقته مع بعض القضاة ومع تاجر المخدرات مهدي المصري.
ولاحقاً بدأت تتفرّع الملفات المرتبطة بملف سماسرة العدلية. فما يتعلق بالقضاء العسكري كان بإشراف القاضي الحجار، وما يتعلق بالقضاء العادي تابعته القاضية عون. ووردت بعض الاعترافات المتعلقة بقضاة تمّت إحالتها الى النيابة العامة التمييزية بحسب الصلاحية.
لكن الزخم الذي واكب الورشة في أسابيعها الأولى أعقبه اجتماع الوزير سرحان إلى النواب العامين في المناطق تقرّر على إثره حصر صلاحية متابعة التحقيق الاولي في قضايا الفساد بالنواب العامين فقط كل بحسب صلاحياته، ومن ضمنهم بطبيعة الحال القاضي جرمانوس الذي ورد اسمه في اعترافات بعض المتهمين بملف الفساد القضائي.
واذا كان الكباش قد بقيَ صامتاً بما يخصّ ملف الفساد القضائي، ألا أنّه أصبح صاخباً مع اقتراب محاكمة المقدّم سوزان الحاج والمقرصن إيلي غبش من جلستها الختامية التي كان نجمها جرمانوس الذي مثّل بنفسه أمام النيابة العامة العسكرية، طالباً من المحكمة إعلان براءة المقدم الحاج رغم أنه هو نفسه كان قد طلب اتهامها مطالعة قدّمها إلى قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا.
وإذا كان من الصعب تجاهل “نجومية” جرمانوس في تلك الجلسة، فلن يكون من السهل التغاضي عن زيارة وزير الدفاع السابق الياس بو صعب إلى المحكمة العسكرية قبلها بثلاثة أيام وما أثارته من تأويلات حول تدخله في ملفات المحكمة.
أعقب ذلك حركة اعتراضية عبر طلب القاضي الحجّار من مجلس القضاء الأعلى نقله من المحكمة العسكرية على خلفية “تجاوزات” لتؤكد حجم التباين والخلاف في إدارة الملفات الحسّاسة في النيابة العامة العسكرية، والذي وصل الى حدّ أن وصف الرئيس سعد الحريري جرمانوس بأنّه “فاتح على حسابه”.
وقد ترافق اختتام المحاكمة في ملف الحاج، مع تسريبات منسوبة إلى الوزيرين بو صعب وسرحان بإحالة الحجار والخطيب إلى التفتيش القضائي، لكن على خلفية ملفّ منفصل هو “رشاوى المدرسة الحربية”، الذي رغم إثارته في الإعلام على قاعدة ملف مقابل ملف، لم يؤتِ ثمارُه بعد أن ثبت تحريكه بخلفية سياسية لتشتيت الانتباه عن تجاهل سرحان توصية التفتيش القضائي بكفّ يد جرمانوس أسوةً بباقي القضاة الذين أحيلوا الى المجلس التأديبي.
لاحقاً، وبتأخير أيام عدّة، أكّد سرحان عدم صحة ما نُسب اليه حول إحالته الحجار والخطيب إلى التفتيش القضائي في أعقاب سلسلة تقارير إخبارية فنّدت بالمستندات الاجراءات التي حصلت في ملف المدرسة الحربية وأظهرت أن ملف الحسابات المالية قد أُحيل الى النيابة العامة التمييزية المختصة قانوناً بجرائم تبييض الأموال. ما شكّل فشلاً لمحاولة الفريق الداعم لجرمانوس حمايته عبر افتعال الإثارة في ملف المدرسة الحربية. وكاد السحر ينقلب على الساحر بعدما تبيّن أن جرمانوس هو من تولّى بنفسه ملف الحسابات المالية للرائد المتقاعد أحمد الجمل وأبقاها بدون أي تحقيق لفترة ثلاثة أشهر.
وصل الامر إلى حدّ “استغلال” مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية لدسّ بند “ملغوم” في بيان صادر عنه حول ملفات الفساد التي أحالها الرئيس عون الى القضاء. البند ألمح الى إحالة القاضي الحجار إلى التفتيش بناءً لشكوى الوزير بو صعب، إلا أنه سُرعان ما تمّ تعديل هذا البند، واستقبل عون القاضي الحجار في اليوم التالي في رسالة ردّ اعتبار، والهدف منها التأكيد أنّ عون ينأى بنفسه عن كل ما كان يُشاع عن حماية جرمانوس كانت بغطاءٍ منه. ولعلّها الرسالة الأوضح التي فهمها جرمانوس جيداً ودفعته ليحسم خياره بالتقاعد المبكّر.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…