في 15 تموز الماضي اعتذر وزير الخارجية عبدالله بو حبيب عن عدم رئاسة وفد لبنان إلى سوريا لبحث ملفّ أزمة النازحين “بسبب ارتباطاته المسبقة وازدحام أجندة مواعيده”، كما قال.
هذه المرّة يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “كما انتظر الوزير بو حبيب الـ clearance الأميركية للذهاب إلى إيران ولم تأتِ بعد، فلن يجرؤ على الذهاب إلى دمشق من دون الموافقة الأميركية المباشرة”.
يلفت المصدر إلى أن “لا جرأة للحكومة للتعاطي بشجاعة ووطنية مع ملفّ له أبعاد خطيرة على الأمن القومي وتتحكّم به شبهات أمنية قد تفجّر لبنان من الداخل”، متسائلاً: “ما عذر الحكومات لعدم الذهاب إلى سوريا لمناقشة ملفّ بهذه الخطورة قبل صدور قانون قيصر؟ وما الفارق بين الأردن ولبنان حين يقوم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تموز الماضي بزيارة لدمشق يلتقي خلالها الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره السوري من دون أن يوجَّه انتقاد دولي واحد للأردن أو يلوِّح أحد بفرض عقوبات؟ ولماذا لا تُعلَن حالة الطوارئ في مواجهة ما هو أخطر من الحرب العسكرية؟”.
مصدر مطّلع لـ “أساس”: “كما انتظر الوزير بو حبيب الـ clearance الأميركية للذهاب إلى إيران ولم تأتِ بعد، فلن يجرؤ على الذهاب إلى دمشق من دون الموافقة الأميركية المباشرة”
الدليل الآخر على الخفّة الحكومية في التعاطي مع ملفّ النازحين هو طلب ميقاتي الصريح، وفق أوساط وزارية، عدم دعوة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى المشاركة في الاجتماع الأمني والسياسي الخاصّ بالنازحين، واقتصار الحضور على قائد الجيش والمدير العام للأمن العام بالوكالة.
الفيتو على عثمان، تتابع الأوساط، أدّى إلى عدم مشاركة جهاز أمن الدولة في الاجتماع مع العلم أنّ الأخير يعمل بنشاط على خطّ فكّ مخيّمات اللجوء ومطاردة المتسلّلين وتسليمهم إلى قوى الأمن الداخلي والأمن العامّ.
ماذا حصل في المرّة الماضية؟
تزامَن موقف وزير الخارجية المنسَّق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعدم الذهاب إلى سوريا، مع تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبيّة ساحقة على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان في سياق مسار دولي مشبوه يُغطّي بقاء الكتلة البشرية السورية النازحة على الأراضي اللبنانية من دون ضوابط ولا قيود زمنية في مقابل مسار حكومي عاجز وفاضح إلى حدّ التواطؤ عن لجم كرة نار النزوح وآثارها المدمّرة على كلّ المستويات.
بقيت الحكومة تَغزل في أرضها وتعلك الكلام منذ تسلّمها مهامّها قبل عام وثلاثة أشهر: لا تسهيل، بضغط خارجي، لتشكيل وفد لبناني رسمي لبحث ملفّ النازحين مع السلطات السورية، ولا إعلان لحالة طوارئ حتى مع تدفّق أفواج السوريين بالآلاف منذ بداية العام على خلفيّة اشتداد الأزمة الاقتصادية في سوريا، ولا خطّة حكومية تستنفر مؤسّسات الدولة لمواجهة الخطر الوجودي الذي لم تبدأ مؤشّراته اليوم بل بدأت منذ عام 2011 إبّان ولاية ميقاتي الحكومية.
تكاسلت الحكومة عن فعل أيّ شيء، حتّى إنّها تقاعست عن فرض الالتزام بمقرّرات المجلس الأعلى للدفاع في نيسان 2014 التي قضت بهدم الأسقف الإسمنتية التي تؤوي اللاجئين في المخيّمات مع إعطاء مهلة لغاية 10 حزيران من العام نفسه لتنفيذ القرار أو يقوم الجيش بهدم هذه الأسقف، وكان البند الأهمّ هو ترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان من دون المرور بالمعابر الرسمية بعد هذا التاريخ.
تجاهلت الحكومة أيضاً اتفاقية عام 2003 بين الدولة اللبنانية ومفوّضية الأمم المتحدة للّاجئين UNHCR، باعتبار أنّ “لبنان ليس بلد لجوء، ومن حقّ الدولة اللبنانية ترحيل أيّ طالب لجوء أو نازح إلى بلده إذا لم تستطع المفوّضية توطينه في بلد ثالث خلال فترة سنة من نزوحه إلى لبنان”، ثمّ طنّشت عن البيان رقم واحد للبرلمان الأوروبي، وفضّلت دفن رأسها في الرمال حين تُسأل عن داتا النازحين.
أوساط وزارية قريبة من ميقاتي: الوفد الوزاري المؤلّف من وزير الخارجية والمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى سيُعدّ ملفّاته للذهاب إلى دمشق، ويسبق ذلك اتصالات سيجريها بو حبيب مع نظيره السوري فيصل المقداد
حسابات مذهبية
“عجنة” من الحسابات السياسية-المذهبية بعد عام 2011 مع رشّة كبيرة من التواطؤ والتقصير واللامسؤولية كرّستا وجود قنبلة بشرية موقوتة على الأراضي اللبنانية “لُقّمت” بمزيد من محفّزات التفجير من خلال رصد الموجة الثانية من النزوح السوري الذي أجّجه “بيزنيس” كبار مافيات التهريب من جانبَي الحدود اللبنانية والسورية وتحت إشراف بعض النواب والبلديات و”نافذي” الأطراف من أصحاب الأملاك الذين بدأوا يجنون أرباحاً من “تأجير” مخيّمات على أرضهم.
التطوّر النوعي الوحيد الذي شهدته مداولات السراي يوم الإثنين من خلال اللقاء التشاوري الوزاري الأمنيّ، ثمّ جلسة مجلس الوزراء التي تمّ إكمال نصابها لاحقاً، هو قرار الحكومة الصريح بتشكيل وفد لبناني إلى سوريا برئاسة وزير الخارجية. في حين لم تفهم مصادر نيابية فحوى دعوة ميقاتي “إلى إقامة ورشة اقتصادية بين الحكومة ومجلس النواب تخصّ ملفّ النازحين، بينما القرار هو حكومي-تنفيذي يحتاج إلى جرأة المواجهة وعدم التذاكي بتطيير نصاب جلسة مصيرية بهدف تصفية الحسابات الضيّقة”.
أمّا باقي مقرّرات الحكومة فهي “تحصيل حاصل”، لا سيّما أنّ الأجهزة الأمنيّة تبذل جهوداً قصوى على الأرض، وخصوصاً الجيش، من خلال صدّ عمليات التهريب على الحدود والتسلّل بما تيسّر من عديد وصولاً إلى استخدام الطوّافات العسكرية، وفكّ العديد من خيم النازحين شمالاً وبقاعاً من قبل الجيش وجهاز أمن الدولة ومطاردة النازحين الذين دخلوا خلسة عبر مافيات التهريب.
في السياق نفسه تفيد أوساط وزارية قريبة من ميقاتي بأنّ “الوفد الوزاري المؤلّف من وزير الخارجية والمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى سيُعدّ ملفّاته للذهاب إلى دمشق، ويسبق ذلك اتصالات سيجريها بو حبيب مع نظيره السوري فيصل المقداد”، مشيرة إلى أنّ “بو حبيب تخلّف سابقاً عن القيام بهذه المهمّة بسبب رفضه أن يضمّ الوفد وزير المهجّرين عصام شرف الدين ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، ولذلك ارتأى رئيس الحكومة تأليف لجنة ثلاثية ستكون الأولى منذ عام 2011”.
إقرأ أيضاً: الحزب عن لقاء رعد – عون: ما في شي بالصدفة
هذا وأعطت الحكومة بو حبيب مهلة حتى آخر أيلول الجاري لعرض نتيجة المباحثات مع السوريين، وفي هذا الوقت يستعدّ الأخير للسفر إلى نيويورك نهاية الأسبوع للمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة حيث يُتوقّع، وفق المعطيات، أن “يضغط بو حبيب وميقاتي معاً كي يتمّ الاكتفاء بلقاء على مستوى وزيرَيْ الخارجية اللبناني والسوري في نيويورك لبحث ملفّ النازحين على هامش الجمعية العمومية، وذلك لتجنّب زيارة دمشق، وهذا إذا حصل اللقاء”.