خرج اللواء عباس ابراهيم من بكركي وقال على بابها، نقلاً عن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، قوله إنّ الحياد يحتاج إلى “إجماع جميع اللبنانيين”. لكنّ مصدراً مقرّباً جداّ من الصرح البطريركي ينفي أنّ “يكون البطريرك قد قال ذلك”، ويقول: “هذا رأي اللواء ابراهيم أو من يمثّل في زيارته وليس رأي البطريرك”.
إقرأ أيضاً: موفد بابوي في بيروت… وهذا ما قاله الراعي لسفير إيران
الحياد الذي طرحه الراعي يستند إلى “ثلاثية تحرير الشرعية وحياد لبنان وتنفيذ القررات الدولية”. وبعد شهر على إطلاق البطريرك نداءه، لا يزال هو العنوان الرئيسي في الحياة السياسية اللبنانية، وذلك لسببين: الأوّل أنّه صادرٌ عن البطريركية المارونية التي، أيّاً تكن التقّلبات السياسية والاجتماعية التي شهدها لبنان، لا تزال تحتفظ بقدرتها على التأثير والاستقطاب محلياً ودولياً. والثاني أنّ “طرح الحياد” مرتبط بشكل وثيق بالأزمة اللبنانية الراهنة ولجهتيها المترابطتين: المالية والاقتصادية خصوصاً في ظلّ عجز الحكومة والحكم عن الإصلاح ما يفقد لبنان الثقة العربية والدولية وبالتالي إمكانية مساعدته عربياً ودولياً للخروج من الأزمة السياسية/الأمنية المتصلة بارتدادات صراعات المنطقة على لبنان وبالتوتّر المستجد على الحدود الجنوبية, توتر جلب ماءً على طاحونة “حياد بكركي”، خصوصاً أنّ حزب الله يريد الردّ من لبنان على قتل إسرائيل عنصراً له في سوريا وليس على الأراضي اللبنانية.
“طرح الحياد” مرتبط بشكل وثيق بالأزمة اللبنانية الراهنة ولجهتيها المترابطتين: المالية والاقتصادية خصوصاً في ظلّ عجز الحكومة والحكم عن الإصلاح
المصدر المقرب جدّاً من الصرح البطريركي يؤكّد أنّ “الإجماع كمبدأ غير موجود في أي من الأنظمة السياسية، لا الملكية ولا الجمهورية ولا الملكية الدستورية، ونظامنا الجمهوري يخضع لمبدأ الأكثرية والأقلية، فإذا كان حياد لبنان يحتاج تعديلاً دستورياً فذلك يعني أنّه في حاجة إلى ثلثي أصوات النوّاب، وإذا لا، فإن اعتماده يتمّ بالأكثرية العددية”.
ويستدرك بالقول: “نحن لم نصل بعد إلى هذه المرحلة. والبطريرك سعى ويسعى إلى أن ينال طرحه تأييد الجميع، وقد أثبت التفاعل الإيجابي مع مبادرة بكركي أنّها تحظى بأكثرية سياسية وشعبية، وقد أيدّتها جهات سياسية ودينية إسلامية سنّية ودرزية وشيعية مستقلة عن حزب الله”.
خلاصة قوله إنّ “بكركي تتمنى الإجماع حول طرحها، لكنّها ترفض أن يُعدّ الإجماع مبدأ دستورياً”.
لا شكّ أنّ زيارة المدير العام للأمن العام اللواء شكّلت محطّة مهمّة في سياق التفاعل إيجاباً أو سلباً مع مبادرة الراعي. فبالرغم من تأكيد اللواء إبراهيم أنّه لم ينقل رسالة من حزب الله إلى البطريرك ولا من البطريرك إلى حزب الله، فإنّ مجردّ زيارته في هذا التوقيت تحفّز إمكانية فتح قنوات التواصل من جديد بين حارة حريك وبكركي. أو بالحد الأدنى فإنّ هذه الزيارة تؤكّد موقف بكركي لناحية عدم استهداف طرحها حزب الله.
ومبادرة الراعي لاقت ترحيباً وتأييداً سنيّا لافتاً وملاقاةً درزية والتفافاً مسيحياً حولها ما خلا “التيار الوطني الحر” الذي ما جاهر برفضه لها لكنّه حرّفها بما يناسب تحالفه مع حزب الله. وزيارة ابراهيم إلى الصرح البطريركي أكّدت على مشروعيتها الوطنية، وهذا يعدّ نجاحاً لبكركي التي حمت طرحها من أن يتحوّل موضوع انقسام بين اللبنانيين. والزيارة تعكس أيضاً اهتماماً من الثنائي الشيعي بالتواصل مع بكركي والراعي حول مبادرته، ما ينفي الرفض القاطع لها، ولا يصل إلى مرتبة القبول، لكنّه يمهّد لفتح باب الحوار.
بكركي تتمنى الإجماع حول طرحها، لكنّها ترفض أن يُعدّ الإجماع مبدأ دستورياً
المصدر المطلّع على تفاصيل الزيارة يصفها بأنّها “ناجحة، والبطريرك كان مرتاحاً له”. ويرى أنّ “في اللّواء إبراهيم ميزتين، هما إيجابيته ووطنيته، لكنّ البطريرك لم يتحدّت معه لا عن اجماع ولا عن توافق سياسي حول طرحه”، علماً أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون كما “التيار الوطني الحر” كانا قد ربطا تحقيق الحياد بـ”التوافق الداخلي”.
ويؤكّد المصدر إيّاه إنّ حياد لبنان هو مشروع قائم بذاته بالنسبة للبطريرك الراعي، و”أي مشروع لديه خطّة عمل ومسار”. يقول: “الخطّة موجودة عند البطريرك بمستويات ثلاثة: داخلي وعربي ودولي”.
أمّا على المستوى الداخلي فإنّ بكركي “تسعى إلى أوسع تأييد وطني حول مشروعها وكل المعطيات تبشّر بالخير على هذا الصعيد لجهة التأييد السياسي والشعبي الواسع لطرح البطريرك، بدليل الوفود الشعبية والشخصيات السياسية التي تزور الصرح يومياً وعلى مدار الأسبوع”.
كذلك على الصعيد الداخلي فإنّ البطريركية المارونية تسعى إلى “إقناع الشرعية بموضوع الحياد، لأنّ الحياد ينقذ الدولة اللبنانية وليس بكركي. فالدولة الآن رهينة”.
الزيارة الأبرز التي تحضّر الدوائر البطريركية لها الآن هي زيارة الفاتيكان
أمّا على المستوى العربّي فيؤكد المصدر نفسه أنّ “الاتصالات متقدمّة جداً مشجّعة مع الدول العربية الصديقة للبنان”.
يبقى المستوى الدولي وهو شقّان: الأول مرتبط بخطة بكركي للاستحصال على أوسع تأييد دولي لطرحها، والثاني متصلّ بتأييد الأمم المتحدة له. وبالنسبة للشق الأول، يقول المصدر إنّ هناك تجاوباً أوروبياً مع مبادرة بكركي، بينما الأميركيون لم يعلقوا عليها بعد. والأمم المتحدة تدعو إلى أن يكون لبنان خارج صراعات المنطقة، وزيارة مقرّها في نيوروك هي مجردّ فكرة لم تتبلور بعد، كما يقول المصدر عينه.
ويضيف: “الزيارة الأبرز التي تحضّر الدوائر البطريركية لها الآن هي زيارة الفاتيكان”.
في المحصلة يؤكّد المصدر المطلع أنّ “البطريرك لم يطرح مشروعه للحياد اعتباطاً وفي لحظة عابرة”، وذلك لقطع الشك باليقين بشأن احتمال تراجع بكركي عن “طرح الحياد”، بل على العكس فهي “مصممّة عليه وستعمل ما بوسعها لتحقيقه، ولذلك فإنّ الزيارة المرتقبة إلى الفاتيكان هي في غاية الأهمية”.