“بقرة إسرائيل” لم تعد مقدّسة.. الجيش الإسرائيليّ تحت مقصلة اليمين

مدة القراءة 7 د


الصراع الذي كان مخفيّاً في دوائر صنع القرار في إسرائيل بين المستويين السياسي والأمنيّ، بات اليوم علنيّاً، ويشي حسب المؤشّرات بأنّ الصدام بينهما بات أقرب من أيّ وقت مضى، على خلفيّة تصريحات المسؤولين الأمنيين بشأن الضرر الذي لحق بالجيش ووحداته، وتحديداً سلاح الطيران، جرّاء رفض أداء الخدمة احتجاجاً على توجّه الحكومة لتمرير خطة الإصلاح القضائي.

تولي وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماً بحالة التصادم بين رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وحلفائه في الائتلاف من أحزاب اليمين وبين قادة المؤسّسة الأمنيّة، التي انفجرت يوم الأحد 13 آب بعدما قطع نتانياهو إجازته مع زوجته سارة في الجولان المحتلّ، لعقد لقاءات عاجلة مع القادة الأمنيين لتوبيخهم على ما يدلون به من تصريحات عن تراجع كفاءة الجيش الإسرائيلي على خلفيّة خطة “الإصلاح القضائي”، وتسريب محاضر اجتماعات أمنيّة يعتقد نتانياهو أنّها تضرّ بقوّة الردع الإسرائيلية وتشجّع أعداء إسرائيل، وتهدف من جهة أخرى إلى إسقاط حكومته بتحميلها المسؤولية، بينما يرى قادة المؤسّسة الأمنيّة أنّ نتانياهو يحاول تصدير أزمته إلى الجيش وتحميله المسؤولية.

لا يريد نتانياهو تحمّل مسؤولية أيّ ضرر يلحق بالجيش وكفاءته، وينفي وجود هذا الضرر، ونظراً لعدم قدرته في الوقت الراهن على إحداث تغيير في المؤسّسة الأمنيّة بتعيين أشخاص مقرّبين منه، كما حاول سابقاً عند إقالة وزير الحرب يوآف غالانت ثمّ تراجع لاحقاً، فإنّه يحاول السيطرة على المؤسّسة الأمنية وإبقائها تحت سطوته حتى لا تؤجّج الاحتجاجات الداخلية ضدّه أكثر. في حين وصف بعض شركائه في الائتلاف، ومنهم وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي دافيد امساليم، تحذيرات ضبّاط وقادة الجيش من تراجع كفاءات الجيش بأنّها “تمرّد”.

يدرك نتانياهو أنّ هذا القانون سيفجّر الاحتجاجات في صفوف الجيش والقادة والضبّاط، وسيفاقم من الضرر الحاصل والمتدحرج في صفوف وحدات الجيش

يسعى نتانياهو إلى تكريس نفسه “ملكاً” في إسرائيل، وأن يمسك بكلّ أوراق اللعبة، لذلك يمنع حالياً أيّ مداولات في الكابينت (المجلس الوزاري السياسي – الأمنيّ المصغّر) وفي لجنة الخارجية والأمن حول كفاءات الجيش الإسرائيلي. لهذا صرخ في وجه قادة الأمن خلال الاجتماع المذكور أعلاه وطلب منهم الخروج ونفي ما يُنشر في الإعلام عن تراجع كفاءة الجيش، لدرجة أنّه لوّح باستخدام أجهزة كشف الكذب خلال الاجتماعات الدورية.

معركة بين الجيش ونتنياهو

بين تصريحات قادة الأمن وتصريحات نتانياهو والمقرّبين من الحكومة، تغلب المناكفة وعدم الثقة بينهم، وتحميل كلّ طرف للآخر مسؤولية ما يجري، وسط تقديرات سوداوية لما سيكون عليه الوضع بعد أسابيع، سواء بشأن هيكلة وحدات الجيش أو جودته وقدرته على القتال والحرب. لكنّ المؤكّد أنّ الجيش لم يعد تلك “البقرة المقدّسة” في إسرائيل، والمؤسّسة التي لا يوجَّه إليها انتقاد ويُنظر إليها بتبجيل، بل بات الجيش لدى شريحة واسعة من المستوطنين والأحزاب السياسية جزءاً من المشكلة والأزمة السياسية، خاصة لدى الائتلاف الحاكم وأحزابه. وفي هذا الإطار تُشنّ حملة غير مسبوقة ضدّ قادة الجيش، وتحديداً رئيس الأركان هارتسي ليفي الذي وصفه يائير نجل نتانياهو في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بأنّه “رئيس الأركان الأفشل والأكثر تدميراً في تاريخ إسرائيل”.

تبدو حالة الصدام الحالية بين المستويَين الأمنيّ والسياسي في إسرائيل مقدّمةً لا أكثر لصدام سيكون أكثر عنفاً وضراوةً وسينعكس بتداعياته على المؤسّسة الأمنيّة برمّتها، نظراً لوجود عوامل عدّة ستؤجّج ذلك الصدام:

أوّلها التقديرات الأمنيّة التي تشير إلى تفاقم ظاهرة الامتناع عن التطوّع في قوات الاحتياط، والتي ستُتابع في الأسابيع المقبلة، وتتجاوز سلاح الجو إلى القوّات البرّية ومقرّ عمليّات البحرية. وفي حال جرى ذلك، قد ينتقل الصدام إلى الرأي العامّ عبر الإعلام، من خلال مثلاً مقابلات أو تقارير يشرح فيها قادة الأجهزة الأمنيّة الثلاثة (الجيش والشاباك والموساد) تطوّرات الضرر الذي لحق بكفاءات الجيش، خاصة في ظلّ معارضة نتانياهو لذلك، ورفضه السماح لهم بتقديم تقاريرهم للمجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، وذلك خشية من تسريب بعض الوزراء المعطيات مباشرة بعد الاجتماع.

ثاني تلك العوامل هو ظهور “أزمة دستورية” نتيجة خطة الإصلاح القضائي، وما قد يلحق من ضرر بما يسمّيه الإعلام العبري “الشرعية الدولية للجيش الإسرائيلي”. لكنّ الأمر الأكثر حساسيّة، ومن المتوقّع أن يفجّر الخلاف بين حكومة نتانياهو والمؤسّسة الأمنية، هو إصرار أحزاب اليمين في الحكومة على تمرير قانون الحريديّين، الذي من شأنه أن يوسّع استثناءات التجنيد لطلّاب المدرسة الدينية، والذي ستكون له تداعيات واسعة على كفاءة وجهوزية الجيش.

سيكون هذا القانون في حال طرحه للتصويت بمنزلة قنبلة بين يدي نتانياهو قد تدفعه إلى أزمة سياسية. فالأحزاب الحريدية لن تتوانى عن حلّ الحكومة إذا تمّ تمرير مشروع قانون التجنيد الإجباري مباشرة بعد عطلة الكنيست الصيفية المقرّر أن تنتهي في 15 تشرين الأول. وقد هدّدت نتانياهو بذلك ورفضت جميع محاولاته تأجيل الأمر، مصرّة أن تكون الأولوية لهذا القانون، مهدّدة بأنّ الإصلاح القضائي لن يتقدّم أكثر إذا لم تتمّ تلبية طلباتها،.وفي حال المصادقة على هذا القانون فسيضاعف من التداعيات السلبية على الجيش الإسرائيلي، لأنّه سيزيد من إعفاءات الجيش للشباب الحريديم الذين يدرسون بدوام كامل في المدرسة الدينية.

بين تصريحات قادة الأمن وتصريحات نتانياهو والمقرّبين من الحكومة، تغلب المناكفة وعدم الثقة بينهم، وتحميل كلّ طرف للآخر مسؤولية ما يجري، وسط تقديرات سوداوية لما سيكون عليه الوضع بعد أسابيع

نتنياهو هو “العدوّ”

يدرك نتانياهو أنّ هذا القانون سيفجّر الاحتجاجات في صفوف الجيش والقادة والضبّاط، وسيفاقم من الضرر الحاصل والمتدحرج في صفوف وحدات الجيش. وهذا قد يجعله أمام مفترق طرق، فإمّا أن يسمح بتمرير القانون وغيره من القوانين التي يدفع بها اليمين لإنقاذ نفسه وائتلافه الحكومي، أو يسمح بانهيار الائتلاف.

لقد سبق أن أقدم نتانياهو على إقالة وزير حربه يوآف غالانت قبيل بدء الائتلاف بتمرير خطة الإصلاح القضائي، فقط بسبب تحذيره له من تداعيات القانون على الجيش آنذاك، واضطرّ إلى إعادته تحت ضغط التظاهرات الشعبية في إسرائيل، ويبدو أنّ نتانياهو يصطدم مرّة أخرى بغالانت لكن بشكل أقوى، فالعلاقة بينهما ما تزال متوتّرة. ويعدّ غالانت المسؤول الأمنيّ الأوّل، ولذا سيكون عليه حسم خياراته بين المحافظة على كفاءات الجيش وقدراته، كي يتجنّب أيّ مساءلة لاحقاً إذا ما أخفق الجيش في أيّ مهمّة عسكرية أو مواجهة، وبين أن يخضع لنتانياهو وائتلافه الحاكم في الهجوم على المؤسّسة الأمنيّة.

للمرّة الأولى تنعكس الأوضاع الداخلية في إسرائيل بظلالها الوخيمة على خطط جيش الاحتلال، فبعدما كانت إيران وتعدّد الجبهات يحتلّان قائمة التهديدات في خطط الجيش الإسرائيلي المتعدّدة للسنوات المقبلة، تراجعا إلى المرتبة الثانية أمام التهديد الأهمّ الذي برز في الخطّة الجديدة للجيش التي استعرضها رئيس الأركان هيلفي الأسبوع الماضي وتفيد أنّ إسرائيل ستتمكّن من مواجهة تحدّياتها فقط إذا استمرّ أفضل الأشخاص والأكثر ملاءمة بتأدية خدمة عسكرية مهمّة.

إقرأ أيضاً: دلالات تعيين سفير سعودي لدى “دولة فلسطين”

خلال الأسابيع المقبلة سترتفع حدّة الخلافات والاتّهامات بين الائتلاف الحاكم في إسرائيل والمعارضة والمؤسّسة الأمنيّة، وهو ما سينعكس بتأثيراته السلبية على الأمن والاقتصاد وشتّى المجالات الأخرى، إلى أن يلتئم الكنيست الإسرائيلي مرّة أخرى في تشرين الأول، وسيتّضح عندئذٍ المدى الذي ستذهب إليه الحكومة في تمرير خطّتها القضائية.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…