لا رئيس حكومة مكلّفاً جديداً في المدى المنظور. واقعٌ يفتح الباب أمام قرار متّخذ على مستوى الرئاستين الاولى والثانية بإعادة ترسيم حدود مرحلة تصريف الاعمال التي قد تطول ربطاً بالتعقيدات التي أفرزها فشل المحاولة الأولى في ترجمة المبادرة الفرنسية.
الصورة اليتيمة التي سرّبت للرئيس “المعتذر” مصطفى أديب من مطار بيروت مغادراً إلى برلين للالتحاق مجدّداً بمقرّ عمله في السفارة اللبنانية، بعد شهر من تكليفه، تفضح الخفّة التي أديرت بها مرحلة ما بعد استقالة حكومة حسان دياب.
إقرأ أيضاً: عون أمام زوّاره: “أنا متعَب نفسياً”.. والحزب “فجّر” مبادرة فرنسا
“سياحة وطنية” لأربعة اسابيع، لكن برتبة رئيس مكلّف بـ”إدارة” نادي رؤساء حكومات “مقفل” على أيّ منتسب آخر تُباعد بين أعضائه حساسيات صامتة وخلافات عميقة، لكن حين يجتمعون يتفقون على “تحجيم” موقع الرئاسة الثالثة!
ضغطٌ فرنسي هائل على القادة اللبنانيين أفضى إلى تكريس سابقة لم يشهدها تاريخ تأليف الحكومات بوجود رئيس مكلّف يتصرّف على أساس أنه “مكلّف” من رئيس حكومة سابق، هو سعد الحريري، بنقل رسائل بهدف تشكيل حكومة منسجمة مع عناوين مبادرة فرنسية “فَرَقت” الترجمة اللبنانية في قراءتها الى حدّ تطييرها!!
لا توافق حتى الساعة على النموذج الثالث. حتّى الفرنسيون لا يبدون حماسة، وفق المعلومات، لإعادة تبنّي اسم رئيس حكومة يخرج “مرسوم تكليفه” بداية من قصر الإليزيه بالطريقة التي وُصم بها تكليف دياب
ما علينا. طويت صفحة السفير مصطفى أديب. Who’s next؟ هو السؤال الذي يزاحم مصير المبادرة الفرنسية نفسها. فالداخل اللبناني محكوم دستورياً بالتفتيش عن رئيس حكومة مع أو من دون مبادرة، مع مؤتمرات دولية للدعم أو من دونها، والتأخير في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة سيمثّل ضغطاً متجّدداً على رئيس الجمهورية.
الثالثة قد لا تكون ثابتة أيضاً في ظلّ تعقيدات ازدادت حدّتها مع سقوط “نموذجين” من رؤساء الحكومات: حسان دياب المجرّد من كلّ غطاء دولي وإقليمي على رأس تشكيلة “بالاسم” عديدها الوزاري من المستقلين و”بالفعل” كان “لينكهم” مفتوحاً مع المرجعيات التي سمّتهم. ونموذج مصطفى اديب باختيار فرنسي – حريري – ميقاتي، “مدرّع” بمبادرة أسقطتها “حقيبة” وزارية.
بالتأكيد، لا توافق حتى الساعة على النموذج الثالث. حتّى الفرنسيون لا يبدون حماسة، وفق المعلومات، لإعادة تبنّي اسم رئيس حكومة يخرج “مرسوم تكليفه” بداية من قصر الإليزيه بالطريقة التي وُصم بها تكليف أديب، تاركاً للقوى السياسية اللبنانية أن تختار، لكن بالشروط الفرنسية إياها التالي: أن يتبنّى بالكامل البنود الاصلاحية في المبادرة، أن يكون خارجاً من عباءة التبعية السياسية، وقادراً على ابتكار آلية التوافق مع الأطراف المتنازعة لتأمين ولادة الحكومة بمهلة قياسية انطلاقاً من واقعية فرنسية على ما يبدو بالاستفادة من “دروس” تجربة مصطفى أديب.
وفيما بدا لافتاً جداً في خطاب السيد حسن نصرالله عدم تناول “عقدة” حقيبة المالية لناحية خلفيات تمسّك حركة أمل وحزب الله بها. فمصادر الثنائي الشيعي تجزم بأنّ “الأمر كان مقصوداً انطلاقاً من واقع أنّ هذا التفصيل بات محسوماً، ولا حاجة لتبريره أصلاً في ظلّ حتمية شراكة الشيعة في النظام الطائفي والسياسي ربطاً بالطائف الذي أعاد تدوير شراكة الطوائف وثبّتها، مع العلم أنّ الحزب يترك للرئيس نبيه برّي حرية الاستفاضة في الكلام بهذا الشقّ المتعلّق بحقيبة المالية”.
مطلعون يشيرون إلى أنّ الحَجَر الذي رماه الرئيس نجيب ميقاتي في بحيرة التأليف الحكومي لم يحظَ بالاهتمام من الرئيس الحريري ولم يكن في الأساس منسّقاً معه
وتشير المصادر إلى أن كلام نصرالله “حدّد قواعد اشتباك جديدة ورسم خارطة طريق بديلة ليس ممكناً من دونها إعادة ترميم المبادرة وتأمين عناصر نجاحها لجهة آلية ترجمتها في سياق تأليف الحكومة”، مع دعوة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “حفظاً لماء الوجه، لإعادة النظر الشاملة في إدارة هذه المبادرة بما في ذلك التحقّق من نيات الفريق الفرنسي واللبناني (الحريري وشركاؤه) ما قاد إلى تفخيخ المبادرة الفرنسية”.
مع تفصيل أساسي تتوقّف عنده المصادر “وهي الرسائل بين السطور التي وردت في خطاب السيد نصرلله في شقّها المسيحي، وأهمّها الإشارة إلى خطورة تغطية ماكرون لسلوك سحب صلاحية المشاركة في تأليف الحكومة من رئيس الجمهورية. وهو الواقع الذي قوبل من باسيل، رغم كمّ الإهانات التي وجّهها الرئيس الفرنسي لكلّ القادة، باعتبار كلام الرئيس الفرنسي بنّاءً وواقعياً”.
أما في تفاصيل الحراك الحكومي، فهناك جمود ملحوظ ثبّته الانشغال في ورشة الجلسة العامة التشريعية التي دعا إليها الرئيس نبيه بري أمس واليوم. لكنّ مطلعين يشيرون إلى أنّ الحَجَر الذي رماه الرئيس نجيب ميقاتي في بحيرة التأليف الحكومي لم يحظَ بالاهتمام من الرئيس الحريري ولم يكن في الأساس منسّقاً معه، فيما ساعة بيت الوسط متوقفة عند الموقف الأخير للحريري بعدم الترشّح لرئاسة الحكومة ولا تسمية مرشّح، مع تفصيل إضافي: “لا تراجع عن الموقف والسقف الذي حكم تأليف الحكومة السابقة”.