باسيل من رتبة “حامل صليب” إلى “تاجر شنطة”!

مدة القراءة 5 د


لم يكن ردّ سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا على المؤتمر الصحافي الأخير لرئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل أمراً عابراً. فقد ترك هذا الردّ تفاعلات داخلية واسعة النطاق، خصوصاً في وسط “التيار” نفسه الذي هاله، وفق معلومات خاصة لـ”أساس” أن ينصبّ غضب سفيرة الدولة العظمى على فريق مسيحي لبناني ما يحرمه من السند الدولي الأهم. فهل ما قالته السفيرة شيا، بالصوت والصورة، يثير هذا القلق الشديد في هذا الوسط؟

تجيب شخصية سياسية بارزة على هذا السؤال بكشف معلومات حول ردّ الديبلوماسية الأميركية على باسيل، وفيها أنّ اتصالات جرت بين دوائر السفارة في عوكر وبين دوائر وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن، بعد ظهر الأحد الماضي إثر المؤتمر الصحافي لرئيس “التيار”.

تضيف هذه المعلومات التي اطّلع عليها “أساس”، أنّ سؤال السفارة الأميركية في بيروت إلى مرجعيتها في العاصمة الأميركية كان :”هل نردّ ببيان على اتهامات باسيل لنا على خلفية عقوبات وزارة الخزانة له؟ “فجاء الجواب من واشنطن: “يجب أن يكون الردّ بالصوت والصورة لإحداث أكبر تأثير في الطرف المعنيّ”. وخلصت هذه المعلومات إلى أنّ الترتيبات تمّ اتخاذها فوراً، فصدر الردّ مسجّلاً بصوت السفيرة شيا وصورتها، وجرى توزيعه على وسائل الإعلام المحلية كافة.

أخطر ما انطوى عليه ردّ الديبلوماسية الأميركية، بحسب المصدر المشار إليه، هو قولها الآتي: “قد يظنّ باسيل أنّ تسريب معلومات انتقائية خارج سياقها حول نقاشنا المتبادل يخدم قضيته. هذه ليست الطريقة التي أعمل بها عادة، لكنني سأكشف شيئاً واحداً: هو نفسه (باسيل)، أعرب عن الاستعداد للانفصال عن “حزب الله” بشروط معيّنة. وفي الواقع، فقد أعرب عن امتنانه لأنّ الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أنّ العلاقة هي غير مؤاتية لـ “التيار”، حتى إنّ مستشارين رئيسيين أبلغوني أنهم شجّعوا باسيل على اتخاذ هذا القرار التاريخي”.

سؤال السفارة الأميركية في بيروت إلى مرجعيتها في العاصمة الأميركية كان :”هل نردّ ببيان على اتهامات باسيل لنا على خلفية عقوبات وزارة الخزانة له؟ “فجاء الجواب من واشنطن: “يجب أن يكون الردّ بالصوت والصورة لإحداث أكبر تأثير في الطرف المعنيّ”

وفور شيوع هذا الردّ، تلقّت الشخصية السياسية البارزة، التي هي مصدر هذه المعلومات، اتصالاتٍ من جهات اقتصادية ومالية مرموقة ذات صلة بـ”التيار” للإعراب عن مخاوفها من التداعيات التي ستنجم عن ردّ السفارة الأميركية، ما سيؤثّر في مصالح هذه الجهات مباشرة، وفي ظنّها أنّ “الانتقام” الأميركي الذي طاول باسيل سيشمل كلّ من يمتّ بـ”التيار” بصلة. وبادرت هذه الشخصية إلى طمأنة هؤلاء المتصلين بالتأكيد أنّ الولايات المتحدة، كدولة عظمى، “لن تنحدر إلى هذا المستوى من ردود الفعل”. وأورد في هذا السياق ما جاء في ردّ السفيرة شيا من إنّها :عقوبات على فرد، وليس على حزب، فالولايات المتحدة لا تقوم بمعاقبة أو “تدمير” التيار الوطني الحرّ”.

بالعودة إلى ما قالته السفيرة الأميركية: “سأكشف شيئاً واحداً: هو نفسه (باسيل)، أعرب عن الاستعداد للانفصال عن”حزب الله” بشروط معيّنة”. فما هي هذه “الشروط المعيّنة” التي طرحها باسيل على مسامع السفيرة؟

يرجّح وزير سابق واكب العماد ميشال عون في مسيرته الطويلة حتى وصل إلى سدّة الرئاسة الأولى، أنّ رئيس “التيار” طلب “ضمانات” من السفيرة الأميركية خلال الاتصالات التي جرت بينهما قبل صدور قرار العقوبات كي لا تنتهي هذه العقوبات بحقّه إلى حرمانه مما يملك، لا سيما الأرصدة التي تعود إليه مباشرة وغير مباشرة. لكن هذه “الضمانات” لم تقدّم له، انطلاقاً من أنّ آلية عمل وزارة الخزانة الأميركية، لا تملك الحق في أن تساوم مع أيّ جهة سيطالها العقاب بموجب قانون ماغنيتسكي. وعندما أدرك باسيل أنّ سيف العقوبات لن يتعامل مع استثناءات، قرّر الذهاب إلى تسييس عقوبته وربطها بما قال إنّ سببها يعود إلى علاقته بـ”حزب الله”، بحسب الوزير السابق لـ”أساس”.

رئيس “التيار” طلب “ضمانات” من السفيرة الأميركية خلال الاتصالات التي جرت بينهما قبل صدور قرار العقوبات كي لا تنتهي هذه العقوبات بحقّه إلى حرمانه مما يملك، لا سيما الأرصدة التي تعود إليه مباشرة وغير مباشرة

يقول النائب سيزار أبي خليل في مقابلة عبر “فايسبوك النهار” نقلاً عن باسيل: “هذا قدرنا، نحمل صليبنا في هذا الشرق واللي قبلنا حملوه قبلنا. وما راح نقصّر في تحمّل المسؤولية، وحمل هذا الصليب عندما يستدعي الأمر”. ويردّ أحد الناشطين السياسيين البارزين في مجلس خاص: “يتباهى باسيل باستمرار بحمل الصليب. لكن بعد الذي كشفته السفيرة شيا، تبيّن أنّ رئيس “التيار” ليس سوى تاجر شنطة همّه فقط الحفاظ على مكاسبه”.

إقرأ أيضاً: ما مصير “الاتفاق السرّي” بين الحريري والحزب بعد عقوبة باسيل؟

وسئل النائب السابق فارس سعيد عبر قناة “العربية الحدث”: ما هي الرسالة التي أرادت السفيرة الأميركية إيصالها، فأجاب: “أعتقد أنّ الدفاع الذي أوكل به الوزير باسيل نفسه لم يكن موفّقاً، عندما قال إنّ الولايات المتحدة طلبت منه الفصل مع حزب الله مقابل سحب اسمه من لائحة العقوبات. أرادت السفيرة الأميركية أن تشرح للرأي العام اللبناني بأن هذا الرجل لم يكن صادقاً عندما تكلّم بهذا الشكل، بل العكس هو الصحيح. هذه ذروة خلاف بين تيار مسيحي لبناني وبين الولايات المتحدة. وهذه أوّل مرة تحصل منذ قيام دولة لبنان الكبير، فلطالما تمتع السياسيون اللبنانيون، خصوصاً المسيحيين منهم، بعلاقات مميّزة مع الغرب ومع دوائر القرار الخارجي. خروج هذا السجال إلى العلن يؤكد أنّ هناك خللاً ما أصاب قيادة التيار الوطني الحرّ أدّى إلى هذه القطيعة التي لامست الفضيحة السياسية في بيروت”.

إنها فعلاً “فضيحة” أن ينتهى الأمر بمن يتباهى بأنّه “حامل للصليب” إلى “تاجر شنطة”.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…