كلّ المواقف التي أعلنها رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل في مؤتمره الصحافي يوم الأحد تثبت أنّ الرجل -وخلفه تيار عون- قد انهار تحت ثقل العقوبات الأميركية المصلتة فوق رأسه، والتي يُقال إنها قريبة، وأيضاً بفعل اختلال في موازين القوى الدولية، التي تحكم وضع لبنان، جعل “حزب الله” أو إيران في لبنان، يحتلّ موقع التراجع، فيقبل ما لم يكن ممكناً في السابق قبوله، وهو في موقع القوة.
إقرأ أيضاً: متعة الشماتة من جبران باسيل
الأكيد أنّ “حزب الله” يقف في موقع الحرج الشديد لأن المعروض عليه فرنسياً، وأميركياً، يخالف مشروعه ومعتقده في ما يتعلّق بلبنان. الأمر يختلف عند “التيار العوني” الذي يمارس السياسة على قاعدة استغلال موازين القوى سعياً إلى ثابتتين لا غير في مشروعه: الرئاسة والسلطة، ولا تهمّ الوسيلة. ليس جماعة “حزب الله” أغبياء كي لا يدركوا أنّ حليفهم المسيحي، القوي سابقاً المتلاشي حالياً، سواء عنده إسرائيل أو إيران، الحزب أو أميركا ، سوريا الأسد أو فرنسا. كلّ الدول والقوى سواسية كالمشط عند الحركة العونية ولا فضل لدولة على أخرى إلا بقدرتها واستعدادها لدعم وصول الجنرال ميشال عون، ومن بعده خليفته الوزير باسيل، إلى قصر بعبدا. الباقي كله متغيّر، قابل للبحث ومفتوح للرهانات عليه.
يذكر المتابعون كيف فتح أعيان الحزب التابع لإيران عيونهم دهشة وغضباً إثر حديث للوزير باسيل، حامل وسام صاروخ “المقاومة”، لمذيعة في “الميادين” قالت له: سأطرح عليك سؤالاً، وأتمنى أن لا أحصل على جواب ديبلوماسي، ربما معلومات إذا أمكن، هل ترى أنّ التطبيع أصبح واقعاً، تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل؟ وأجاب باسيل: “بدي قلّك شغلة، نحنا بالنسبة لإلنا ما عنا قضية أيديولوجية. ونحنا مش رافضين تكون موجودة إسرائيل، يحق لها أن يكون عندها امان، نحنا عم نقول بس بدنا كلّ الشعوب تكون عم تعيش بأمان ومعترفين ببعضنا البعض، معترفة بالآخر، القضية منا قضية عمياء نحن شعب بدنا الآخر، وعلى اختلاف معو، بس لما الآخر بدو ياكي….”.
أعلن في مؤتمره الصحافي أنّ تغييراً خارجياً وداخلياً قد طرأ، ويتطلّب تغييراً في المواقف وتباعداً سياسياً عن “حزب الله” كي لا يخسر رأسه ويتحوّل كبش فداء
بحسب موازين القوى تقلب الجنرال عون في مسيرته إلى قصر بعبدا من إسرائيل إلى سوريا ففرنسا وأميركا وصولاً إلى إيران. ترجمة ذلك أنّ السياسة عنده هي فنّ الوصول لا أكثر ولا أقل. وقد وصل وتحقّقت أهداف العونيين كاملة عند انتخابه رئيساً قبل أربع سنوات ذات 31 تشرين الأول 2016. وعندما تقول ميشال عون، تقول خليفته وولي عهده جبران باسيل. والخليفة أعلن في مؤتمره الصحافي أنّ تغييراً خارجياً وداخلياً قد طرأ، ويتطلّب تغييراً في المواقف وتباعداً سياسياً عن “حزب الله” كي لا يخسر رأسه ويتحوّل كبش فداء. رفع العشرة، وقال في مؤتمره: نحن مع الحياد والتحييد والاستراتيجية الدفاعية. لبنان لا يتحمّل تبعات مشاكل الغير، ونرفض كلام إسماعيل هنية. نؤيد ترسيم الحدود براً وبحراً، والالتزام بالقرار 1701. حزب الله بدأ يفكّر بالعودة من سوريا وعلينا احتضان قراره. ونؤيد المداورة، أما تكريس التوقيع الثالث، فهو مثالثة نرفضها. وأخيراً، لا نريد المشاركة في الحكومة، لكن يحق لنا التشاور بالأسماء.
وكان أفضل ختام لمؤتمر الاستسلام : “دخيل عرضكم.”