باسيل بين فكيّ “النار”: الحزب أو الشيطان الأكبر

مدة القراءة 5 د


باختصار، اختار جبران باسيل أسلوب الهجوم للدفاع عن نفسه بوجه قرار إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية. وكعادته وزّع رسائله يمنة ويسرة، في محاولة لتحصيل أكبر قدر من المكاسب دفعة واحدة!

لا يُحسد رئيس التيار الوطني الحرّ على الموقف الذي وضعته فيه الإدارة الأميركية، أو بالأحرى على مفترق الطريق الذي فرضته عليه: إمّا يقفل باب العلاقة مع الولايات المتحدة من خلال عدم الاكتراث لمفاعيل إدراجه على اللائحة السوداء، وتحديداً تلك السياسية على نحوٍ يخرجه نهائياً من السباق إلى قصر بعبدا، ويرتمي بالنتيجة في أحضان “حزب الله” بشكل كلّي بعد انسداد الأفق المضاد… وإما السعي لإسقاط اسمه عن اللائحة بما قد يعني ذلك من أثمان عليه تسديدها لضمان تنقيح “سجلّه العدلي الأميركي”، وفي طليعة تلك الأثمان علاقته الثنائية بالضاحية الجنوبية.

في الشكل، بدا باسيل مقنعاً في تقديم مظلوميته، ومن خلال توجّهه في جزء كبير من خطابه إلى الجمهور المسيحي بشكل عام والعوني بشكل خاص. استخدم الوقائع، وتحديداً بعض تفاصيل المفاوضات التي كانت تجري مع الأميركيين لتأكيد صدقيته، ولو أنّ مبدأ التفاوض يدينه ولا يبرّئه كون يقرّ أنّه فتح باب الأخذ والردّ وتقديم التنازلات، كما يتّهمه خصومه.

لا يُحسد باسيل على الموقف الذي وضعته فيه الإدارة الأميركية: إمّا يقفل باب العلاقة مع الولايات المتحدة وإما السعي لإسقاط اسمه عن اللائحة بما قد يعني ذلك من أثمان عليه تسديدها لضمان تنقيح “سجلّه العدلي الأميركي”

حصر أسباب استهدافه أميركياً بإشكالية علاقته بـ”حزب الله”، بمعنى أنّه ضحية سياسية، وليس فاسداً، وهي صفة سيحاول بطبيعة الحال توظيفها لدى “حزب الله” لتحصيل المزيد من المكاسب الداخلية. وذهب إلى حدّ توصيف مسار الضغوطات التي يتعرّض لها منذ سنوات بأنّها محاولة “اغتيال سياسي لثورة ملوّنة”. لم يتردّد في اتهام واشنطن بتدبيرها وتنظيمها. أكثر من ذلك، صوّر استهدافه بأنّه مشروع متكامل لتهجير المسيحيين من لبنان، وتوجّه بالاتهام إلى إسرائيل صاحبة المصلحة الأساسية.

كما سعى إلى إفراغ القرار من مضمونه سواء من خلال تحدّي الإدارة الأميركية بإبراز المستندات التي تثبت إدانته بتهمة الفساد، ولو أنّ بعض المطلعين يؤكدون أنّ قراراً من هذا النوع يمرّ عادة في وزارتي المال والعدل للتثبّت من الأدلة المقدّمة، أو من خلال التشكيك بمدى احترام القانون للحقوق الإنسانية لكونه يفتقد إلى الإطار القضائي الذي يتيح للمتهم الدفاع عن نفسه. ولهذا وصف مضمون القرار بأنّه أشبه بالثرثرة السياسية.

وفي قراءة لما حاول باسيل تسجيله في خطابه، يمكن التوقّف عند أبرز الرسائل التي وجّهها:

– أولاً، توّجه إلى “حزب الله” بالعلن، وأمام جمهوره، ليكرّر ما يقوله في الجلسات المشتركة المقفلة، بأنّه يدفع ثمن تفاهم مار مخايل رغم كلّ المغريات التي كشف عنها. لذا، هو يسدّد أكلافاً سياسية، وسيحاول تحصيلها، ولو أنّ “الحزب” يتصرّف أصلاً على قاعدة أنّ باسيل قبض سلفاً أثمان تحالفه، وإنّ تمسكه بهذا التفاهم يفترض أن يكون النتيجة، وليس السبب. ولهذا يبدي الحزب انزعاجاً من تهويل باسيل وتلميحه الدائم إلى أنّ التفاهم صار بحاجة إلى مراجعة جذرية، على شكل يوحي وكأنّه يحاول “ابتزاز” الحزب لا مساعدته من خلال تصحيح الاختلال الذي طرأ على التفاهم.

حتّى الآن، يبدو الاختيار بين أحضان حزب الله أو التموضع نحو الغرب، صعباً، وقد لا يكون باسيل قد حسمه، خصوصاً وأنّ سيف العقوبات وقع، ولديه متّسع من الوقت للتفكير ملياً في كيفية معالجة آثاره وإدارة ملف وضعه الشخصي

– ثانياً، على الرغم من انتقاده الشديد للسياسة الأميركية والقرار الصادر بحقه، فهو فتح باب خلفياً من خلال تأكيده من جديد على عدم ممانعته للسلام مع إسرائيل بعد مجاهرته بكمّ التناقضات التي صارت تبعده عن “حزب الله”، سواء على المستوى الاستراتيجي (السلام) أو على مستوى الإدارة الداخلية، وكأنّه يقول بشكل أو بآخر بأنّ تفاهم مار مخايل لم يبق منه شيء صالح للاستخدام! والأهم من ذلك، هو تزامن “عرض السلام” هذا مع مشاريع التطبيع التي تقودها اسرائيل مع الدول العربية، مقابل رفض حزب الله الجذري لهذا المسار، على الرغم من ذهاب الحزب إلى ترسيم الحدود مع العدوّ في قرار تاريخيّ.

– ثالثاً، أكد أنّ موقفه من الحكومة لم يتغيّر بفعل عصا العقوبات، على قاعدة احترام وحدة المعايير التي سبق ونادى بها، سواء لجهة آلية تسمية الوزراء أو المداورة. واذا أبقيت حقيبة المال مع الثنائي الشيعي، فستبقى حقيبة الطاقة مع “التيار الوطني الحرّ”.

إقرأ أيضاً: باسيل والحزب: تحالف إعادة نظر شاملة في تفاهم مارمخايل..

حتّى الآن، يبدو الاختيار بين أحضان حزب الله أو التموضع نحو الغرب، صعباً، وقد لا يكون باسيل قد حسمه، خصوصاً وأنّ سيف العقوبات وقع، ولديه متّسع من الوقت للتفكير ملياً في كيفية معالجة آثاره وإدارة ملف وضعه الشخصي.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…