انقلاب عسكريّ: إسرائيل تتّشح بالسواد؟

مدة القراءة 7 د


استيقظت إسرائيل على صحافة متّشحة بالسواد. خرجت الصحف العبرية الكبرى صباح أمس بصفحة أولى سوداء بدون أيّ كتابة اعتراضاً على إقرار الكنيست الإسرائيلي لقانون “إلغاء قانون المعقولية” بشكله النهائي، بأغلبية ضئيلة، وانسحاب المعارضة من جلسة التصويت.
سواد الصحافة العبرية هو مؤشّر خطير إلى موعد قد يكون قد ضُرب مع الانقلاب الثاني منذ قيام الدولة العبرية في 1948، بعد الانقلاب الأوّل الذي وقع خلال انتخابات جرت عام 1977، وشهدت صعود الليكود من موقع اليمين في الخارطة السياسية، وتراجع حزب العمل، الذي أسّس الدولة العبرية. كان ذلك الانقلاب يعني تراجعَ دور العلمانيين الغربيّين في المجتمع الإسرائيلي، لصالح الليكود الذي يمثّل العلمانية الشرقية والمتديّنة.
تزامن سواد الصحافة الإسرائيلية مع تصريح لعميد كليّة الحقوق في صفد، والباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي البروفسور محمد وتد، يتوقّع فيه انقلاباً عسكرياً، في ضوء خطّة ما يسمّى بـ “الإصلاح القضائي”.
قال وتد، خلال مقابلة مع قناة i24NEWS: “أتوقّع انقلاباً عسكرياً في إسرائيل”، مؤكّداً أنّ هذه “بداية النهاية للنظام الديمقراطي في إسرائيل، حتى لو كان نظاماً ديمقراطياً أعرج”. وأضاف: “نحن موجودون أمام لحظة تاريخية” .

صراع الهويّة
الصراع اليوم في إسرائيل هو صراع على الهويّة ويشهد المزيد من تراجع الصهيونية العلمانية لصالح الصهيونية الدينية المتطرّفة، التي تتقدّم قاعدتها الاجتماعية نحو تشكيل أغلبية في المجتمع وجعل إسرائيل دولة يهودية دينية.

حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، من أنّ إسرائيل تدخل حرباً أهلية بعد إقرار أوّل مشروع قانون من خطّة الإصلاح القضائي للحكومة

كان الكنيست الإسرائيلي أقرّ إلغاء بند “عدم المعقولية” في خطة التعديلات القضائية، بعد تظاهرات حاشدة، واحتجاجات مستمرّة منذ 28 أسبوعاً في جميع أنحاء البلاد، وانقسامات واسعة، وفشل التوصّل إلى حلول وسط بين الحكومة والمعارضة حتى اللحظات الأخيرة. وحاولت جهات يتقدّمها وزير الأمن، يوآف غالانت، الدفع نحو تعديل أحاديّ الجانب و”تخفيف” صيغة القانون، وذلك على وقع تصاعد الاحتجاجات التي امتدّت إلى الجيش، وسط تحذيرات من تداعيات التشريعات القضائية على جهوزية وتماسك الجيش، وما قد تسبّبه من “فوضى” داخلية في إسرائيل مدفوعة بانقسامات مجتمعية عميقة، لكنّ ذلك لم ينجح بسبب تهديد وزراء في الحكومة، على رأسهم وزير القضاء، ياريف ليفين، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ورئيس لجنة الدستور في الكنيست، سيمحا روتمان، بإسقاط الحكومة في حال التوصّل إلى تفاهمات تشمل تعديل نصّ القانون، أو تعليق طويل الأمد للتشريعات الرامية إلى إضعاف جهاز القضاء.

الخوف على الجيش
حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، من أنّ إسرائيل تدخل حرباً أهلية بعد إقرار أوّل مشروع قانون من خطّة الإصلاح القضائي للحكومة، وبعدما أخذت الاحتجاجات المتواصلة ضدّ التعديلات القضائية منحنى خطيراً داخل المؤسّسة العسكرية، وذلك بعدما أبلغ 161 ضابطاً من قيادة سلاح الجوّ قائد سلاح الجوّ أنّهم توقّفوا عن الخدمة بصورة تامّة.
وتحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن زلزال يضرب سلاح الجوّ، وشبّه الإعلام الإسرائيلي ما يحدث بـ”زلزال يشبه زلزال حرب يوم الغفران قبل 50 عاماً”، قائلاً إنّ المغزى في ذلك هو أنّ “سلاح الجوّ يفتقد الأهليّة للحرب، ويواجه أزمة هي الكبرى في تاريخه. ففي وقت قصير، قد يفقد سلاح الجوّ كفاءته التشغيلية”.
إلى ذلك كتب نحو 100 من المسؤولين في “الموساد” والقادة في “الشاباك” ورؤساء الأركان والجنرالات ورؤساء الشُعَب في الاحتياط الإسرائيلي مذكّرة شديدة اللهجة إلى بنيامين نتانياهو أعربوا فيها عن دعمهم الاحتجاجات، معلنين تعليق التطوّع في جميع التشكيلات التي ينتمون إليها، إذا لم يتوقّف التشريع القضائي. في حين أعلن الآلاف من الجنود في جيش الاحتياط، ممّن لهم وظائف حيويّة، وقف تطوّعهم في الخدمة.
القادة في هيئة الأركان العامّة في الجيش قلقون من الأضرار الفورية التي ستسبّبها أزمة الانقلاب النظامي على التماسك الداخلي في وحدات الجيش. وقسّمت هيئة الأركان الوضع إلى قسمين: التأثير على كفاءة الجيش الإسرائيلي في الحرب، والتأثير على تماسك الوحدات.
في هذا الإطار حذّر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي من أنّ “جيش الاحتلال أمام خطر التفكّك”، قائلاً إنّه “في الطريق نحو واقع يعرّض معادلة الردع الإقليمي للخطر”. وأضاف المعهد أنّ ما يجري داخلياً في “إسرائيل” يأتي مقابل “تهديدات متزايدة من عدّة جبهات”.

في المقابل، أشار مسؤولون في الائتلاف الحكومي إلى أنّ “موقف الحكومة ورئيسها نتانياهو لا لبس فيه، وأكبر ضرر للأمن والديمقراطية في إسرائيل هو إخضاع الحكومة والكنيست لإملاءات الوحدات العسكرية”. ونُقل عن نتانياهو قوله إنّه يعتقد أنّ من الأفضل إغلاق بضعة أسراب في سلاح الجوّ إذا كان البديل هو سقوط الحكومة، واتّهم الجيش بالعصيان، وقال إنّه في الدول الديمقراطية يخضع الجيش للحكومة المنتخبة وليس العكس.

ما هي حجّة المعقوليّة؟
تعدّ “حجّة المعقولية”، البند الرئيسي الأوّل في خطة تتبنّاها الحكومة اليمينية الإسرائيلية بزعامة، بنيامين نتانياهو، التي واجهت معارضة واسعة لهذا المشروع، بما في ذلك من الولايات المتحدة.
يقف خلف صياغة بند “المعقولية” عضو الكنيست عن الائتلاف الحاكم، سيمشا روثمان، وهو مقترَح مرّرته لجنة الدستور والقانون والعدالة بالكنيست مطلع الشهر الحالي بعد 9 جلسات تمّ خلالها إعداد النصّ النهائي لهذا التعديل المثير للجدل.
تطبّق دول عدّة “عقيدة المعقوليّة” في نظامها القضائي، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، بحسب شبكة “سي إن إن” الإخبارية.
تستخدم المحاكم هذه العقيدة بشكل شائع لتحديد دستورية أو قانونية تشريع معيّن، وتسمح للقضاة بالتأكّد من أنّ القرارات التي يتّخذها المسؤولون الحكوميون “معقولة”.
في إسرائيل، يلغي هذا البند إمكانية نظر المحكمة العليا في “معقولية” قرارات الحكومة.
بموجب القانون الجديد، ستكون الحكومة قادرة على تعيين وفصل المسؤولين في القطاع العامّ من دون تدخّل من المحكمة.
قبل تشريع هذا القانون، كانت المحكمة العليا تمارس رقابة قضائية على عمل الأذرع المختلفة للسلطة التنفيذية، المتمثّلة بالحكومة ووزاراتها والهيئات الرسمية التابعة لها.
لكنّ التعديل الجديد سيعطي الحكومة صلاحية أوسع في تعيين القضاة أنفسهم، ويؤثّر على تعيين الوزراء خصوصاً. 

ما هو تاريخ “المعقوليّة”؟
يملك استخدام معيار “المعقولية” كأساس لإلغاء قرار حكومي تاريخاً طويلاً في القانون البريطاني، وكان جزءاً من النظام القانوني الإسرائيلي منذ تأسيس الدولة عام 1948، وفقاً لفوكس.
وكان للقانون العامّ البريطاني خلال فترة الانتداب (1920-1948) تأثير كبير على تطوّر القانون الإسرائيلي، بما في ذلك معيار “المعقولية”.
خلال ذلك الوقت، أدخلت سلطات الانتداب البريطاني القانون الإنكليزي في الإطار القانوني للأرض التي أصبحت فيما بعد دولة إسرائيل.

إقرأ أيضاً: إسرائيل: “ثورة” ضدّ نتانياهو مدعومة أميركياً

يُعتبر النظام القانوني في إسرائيل مستوحى من القانون اليهودي (هالاخاه) والقانون العامّ البريطاني والمبادئ التي تتبنّاها الأنظمة القانونية الغربية الأخرى، وفقاً للّجنة اليهودية الأميركية (AJC)، وهي منظمة عالمية للدفاع عن الشعب اليهودي.
تقول هذه المنظّمة إنّ القانون اليهودي له تاريخ طويل في التأكيد على “المعقولية والإنصاف” في اتّخاذ القرارات القانونية.
يشمل مبدأ “derech eretz” بالعبرية (تعني طريق الأرض) في القانون اليهودي السلوك الأخلاقي والسلوك المعقول، حيث إنّه يوجّه الأفراد إلى التصرّف بطريقة عادلة ومنصفة ومراعية للآخرين.
في حين أنّه نادراً ما تمّ استخدامه خلال العقود الأولى من تاريخ إسرائيل، فقد تمّ تطبيق معيار “المعقولية” بشكل متكرّر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…