لم يصمد أكثر من 24 ساعة اتفاق الـ”جنتلمان” بين الصرّافين والحكومة على تخفيض سعر الدولار تدريجياً. فبعد التوصية التي أطلقتها نقابة الصيارفة للصرّافين، آخر شهر أيار، بضرورة الالتزام بسعر صرف تحدّده هي اعتباراً من الأربعاء الفائت، وحدّدته فعلاً بـ3950 للشراء و4000 ليرة للمبيع، سقط الاتفاق في صبيحة اليوم التالي بضربة قاسمة سدّدها صرّافو الضاحية الجنوبية.
الدولار واصل الارتفاع طوال الأسبوع الفائت، مسجّلاًّ أمس رقماً قياسياً جديداً، بلغ الثلاثاء 4200 ليرة للشراء و4400 ليرة للمبيع في بيروت، فيما بلغ 4500 ليرة في ساحة شتورة وفي البقاع، ويرجّح أن يلامس الـ5000 ليرة قبل نهاية هذا الأسبوع، بعد مؤشرات واضحة عن تهافت السوريين على شراء الليرة اللبنانية بدل الدولار الأميركي، النافد من أسواق الصرّافين على الحدود.وعلى الرغم من أنّ نقابة الصرّافين ما زالت تقوم بتحديد التسعيرة وتوزّعها عليهم صباح كلّ يوم عند الساعة العاشرة صباحاً، منذ الأربعاء الفائت، كما ينصّ الاتفاق، إلاّ أنّ أحداً منهم ما عاد يلتزم بها، لتمسي تسعيرةً دفتريةً خامسة، تُضاف إلى التسعيرات الأربعة السابقة: السابقة الرسمية (1507 ل.ل) وتسعيرة شركات تحويل الأموال (3200 ل.ل) تسعير المصارف (3000 ل.ل) والتسعيرة الفعلية للسوق السوداء.
إقرأ أيضاً: منصّة مصرف لبنان للدولار: هل عطّلها “حزب الله” بمازن حمدان؟
مصادر صيرفية كشفت لـ”أساس”، أنّ سعر الصرّافين في الضاحية الجنوبية كان على مدى الأسبوع الفائت الأعلى بين سائر صرّافي المناطق في العاصمة بيروت. المصادر نفسها فسّرت الأمر على أنّه قرار سياسي صادر من جهات حزبية هدفه كسر الاتفاق بين الصرّافين وبين الحكومة ومصرف لبنان، وذلك من أجل تجفيف السوق من الدولارات الكاش، وربما لدفع المصارف صوب جلب المزيد من أوراق الـ”بنكنوت” من الخارج.
المصادر الصيرفية نفسها، لاحظت وفرة في العملة اللبنانية بين أيدي هؤلاء الصرّافين غير الشرعيين، فرجّحت أن يكون مصدرها المؤسسات التجارية التي يديرها “حزب الله” في مناطق نفوذه، والتي تدرّ عليه ليرات لبنانية كثيرة. وعليه، تقول الفرضية إنّه يعمد إلى شراء الدولارات بواسطة هؤلاء، وذلك لأهداف ما زالت مجهولة حتى اللحظة. المصادر لا تعلم إن كان الحزب يخزّن هذه الأموال في الداخل اللبناني أو يدفعها رواتب لقياداته وعناصره أم لتسديد مصاريفه في الخارج.
وبعد حملة مكافحة الصرافة غير الشرعية، التي تولّتها الشهر الفائت القوى الأمنية في كافة المناطق اللبنانية، بات الصرّافون غير الشرعيين أكثر حذراً في التحرّك، إذ تكشف المصادر أنّهم ما عادوا يتّخذون نقاطَ صيرفة ثابتة، ولا حتّى يقفون في الطرقات بين المارة. بل تطوّروا وصاروا يلبّون طلبات الزبائن بواسطة الاتصالات الهاتفية وبموجب كلمة سرٍّ يقولها الزبون قبل التفوّه بأيّ كلمة، لتكون مدخلاً لاستكمال الحديث معه والتعرّف إليه، وإلاّ قيل له “الرقم خطأ”.
السوريون بدأوا في تبديل الليرة اللبنانية بعملتهم الوطنية ليتمكّنوا لاحقاً من استبدال هذه الليرات بالدولار الأميركي
أمّا سبب مواصلة ارتفاع سعر صرف الدولار فيعود أوّلاً إلى فشل المنصة التي وعد مصرف لبنان بإطلاقها، والتي كان يعوّل عليها أغلب التجار لإعادة ضخّ الدولارات في السوق بواسطة المصارف ومن أجل تمويل تجارتهم الخارجية، إلا أنّ هذا الأمر لم يحصل ولا يبدو أنه سيحصل قريباً. وقد ظهر هذا التراجع المستجدّ عن دور المنصة المرسوم بموجب التعميم رقم 149 تاريخ 03/04/2020، جلياً من خلال ما كشفه مصدر في مصرف لبنان في حديث لـ”أساس”، مؤكداً في حينه أنّ “دور هذه المنصة إعلاميّ (informative) فقط ولن تضخ أيّ دولار في السوق”.
يضاف إلى ذلك، انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار مع بداية شهر حزيران، موعد بداية تطبيق قانون قيصر الأميركي، فلامس سعر صرف الدولار على الليرة السورية 3500 ليرة ثم عاد وتراجع أمس في ساحة شتورة إلى حدود 2350 ل.س للشراء و2650 ل.س للمبيع. لكن كان لافتاً جداً أمس، امتناع الصرّافين في شتورة وسائر البقاع عن بيع الزبائن السوريين الدولار الأميركي بل استبدلوه بالليرة اللبنانية. وهذا يعني أنّ السوريين بدأوا في تبديل الليرة اللبنانية بعملتهم الوطنية ليتمكّنوا لاحقاً من استبدال هذه الليرات بالدولار الأميركي… وهذه مؤشرات كافية إلى حتمية ارتفاع الدولار في الأيام القليلة المقبلة.