انقلاب النيجر: نهاية نفوذ فرنسا… واليورانيوم في يد الروس

مدة القراءة 6 د


إنّه الانقلاب الثالث في الساحل الإفريقي. الأوّل حصل في مالي (2020). والثاني في بوركينا فاسو (2022). وها هو الثالث ينفّذه الحرس الرئاسي في النيجر وينضمّ إليه الجيش، الذي احتجز الانقلابيون الرئيس المنتخَب في قصر الرئاسة. وهو ما أطلق مجموعة مواقف وردود دولية وإفريقية مندّدة بالانقلاب الذي يهدّد استقرار القارّة السمراء والعالم!

لتسقط فرنسا”

مثل كلّ الانقلابات العسكرية في العالم، بعد ساعات على انطلاقته، ظهر قائده إلى العلن. هو الجنرال عبد الرحمن تشياني رئيس الحرس الرئاسيّ. أطلّ عبر التلفزيون الرسميّ وأعلن الانقلاب بسبب “تدهور الوضع الأمنيّ” في البلاد كما قال. وقدّم نفسه رئيساً للمجلس العسكريّ الانتقاليّ. تقارير دوليّة أشارت إلى أنّ رئيس النيجر محمد بازوم كان ينوي إقالة الجنرال تشياني من منصبه الذي يشغله منذ عام 2011، فاستبق الجنرال الإقالة بالانقلاب.

لم يتأخّر الانقلابيون في توجيه انقلابهم ضدّ فرنسا وسياساتها ووجودها العسكريّ. فرفعوا الشعارات المعادية لها. ويوم الأحد الفائت توجّهوا نحو السفارة الفرنسية في العاصمة نيامي مطالبين بخروج القوات الفرنسيّة من البلاد (وعددها حوالي 1,500) وإنهاء الاتّفاق العسكري بين النيجر وفرنسا ضدّ التنظيمات الجهادية، على الرغم من أنّ قائد الانقلاب أعاد  السبب إلى “تدهور الوضع الأمنيّ” بسبب الأعمال الإرهابية.

فهل تتمدّد هذه التنظيمات في النيجر؟

في بداية الألفية اشتهر تنظيم القاعدة – فرع المغرب الإسلامي. ومنذ سنوات ظهرت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي تضمّ أربعة تنظيمات جهادية هي: أنصار الدين، كتيبة ماسينا، المرابطون والقاعدة – فرع المغرب

خطر تمدّد الإرهاب

هذا ما يتوقّعه المراقبون. فالنيجر تقع على حدود التطرّف الإسلاميّ في الساحل الإفريقيّ وغرب إفريقيا الذي برز منذ تسعينيات القرن الماضي مع هروب عناصر تنظيم القاعدة من أفغانستان إثر الحرب الأميركيّة ضدّهم. فقد وجد هؤلاء ملاذاً آمنا في دول المنطقة لعدّة أسباب:

– المجتمعات الإسلامية الفقيرة والمعادية للغرب المستعمِر.

– الأنظمة المركزيّة الضعيفة.

– الجغرافية الواسعة والصحراوية التي وفّرت لهم القدرة على التخفّي وإعاقة تتبّع القوات العسكرية الغربية (الفرنسية والأميركيّة) لهم.

في بداية الألفية اشتهر تنظيم القاعدة – فرع المغرب الإسلامي. ومنذ سنوات ظهرت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي تضمّ أربعة تنظيمات جهادية هي: أنصار الدين، كتيبة ماسينا، المرابطون والقاعدة – فرع المغرب. كما برز منذ عقود تنظيم بوكو حرام في شمال نيجيريا قرب الحدود مع النيجر.

منذ عام 2021 تشنّ القوات الفرنسيّة في جنوب غرب النيجر، بالاتفاق مع القوات العسكريّة النيجريّة، حملة عسكريّة ضدّ التنظيمات الجهادية تحت اسم “عملية بَرخان”، وسيفتح إيقاف هذه الحملة الطريق أمام هذه التنظيمات للتمدّد في مجتمع النيجر ذي الغالبية المسلمة (98% من السكّان).

اليورانيوم

أبعد من الحرب ضدّ التنظيمات الإسلامية المتطرّفة، يهدف الوجود العسكري الفرنسيّ في النيجر (1,500 عنصر) إلى حماية المصالح الفرنسيّة في منطقة الساحل الإفريقي حيث كانت لها مستعمرات سابقاً، وأبرزها مناجم اليورانيوم. فالنيجر هو رابع منتج لليورانيوم في العالم. منذ سبعينيات القرن الماضي تستثمره شركات فرنسيّة. ويلبّي يورانيوم النيجر 35% من حاجة فرنسا إلى هذه المادّة اللازمة لتشغيل مفاعلاتها النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية. وستشكّل خسارته أزمة كبيرة لفرنسا التي تعتمد على الطاقة النووية لإنتاج حوالي 75% من حاجاتها من الطاقة الكهربائية، وستزيد من أزمة الطاقة في أوروبا التي برزت مع انطلاقة الغزو الروسيّ لأوكرانيا وبدء حرب الطاقة بين روسيا والغرب.

منذ عام 2021 تشنّ القوات الفرنسيّة في جنوب غرب النيجر، بالاتفاق مع القوات العسكريّة النيجريّة، حملة عسكريّة ضدّ التنظيمات الجهادية تحت اسم “عملية بَرخان”، وسيفتح إيقاف هذه الحملة الطريق أمام هذه التنظيمات للتمدّد في مجتمع النيجر

“بصمات” روسيّة وخطر نوويّ

من هنا تبرز “البصمات” الروسية في انقلاب النيجر (الذي تزامن مع انعقاد القمّة الروسيّة – الإفريقيّة في مدينة سان بطرسبورغ) الذي قد يكون ردّاً على أوروبا التي تحاول تنويع مصادرها من الطاقة الأحفورية للاستغناء عن النفط والغاز الروسيَّين لاستكمال الحصار المفروض على روسيا. وقد برزت تلك “البصمات” برفع الانقلابيين للعلم الروسيّ وشعارات “تحيا النيجر، تحيا روسيا”.

يأتي دعم روسيا لانقلاب النيجر استكمالاً لاستراتيجيا التمدّد في القارّة السمراء، من خلال دعم الانقلابات في البلدان الإفريقيّة وتمركز مرتزقة منظّمة فاغنر في البعض منها. خطر النفوذ الروسيّ في النيجر يتجاوز إفريقيا إلى العالم، إذ إنّ البلاد تمتلك 7% من الاحتياطي العالمي من اليورانيوم. وما يزيد من هذا الخطر هو احتمال سيطرة مرتزقة فاغنر على مناجم اليورانيوم.

بعد غياب أسابيع، منذ “محاولة الانقلاب” في روسيا، ظهر تسجيل صوتيّ نُسب إلى يفغيني بريغوجين يقول إنّ “ما حدث في النيجر ليس سوى كفاح شعب النيجر ضدّ المستعمرين الذين يحاولون فرض نمط حياتهم عليهم”.

وقف المساعدات الاقتصاديّة

لم تتأخّر الردود الغربيّة على الانقلاب العسكري في النيجر مهدّدة بوقف المساعدات الاقتصادية والماليّة عن البلاد التي تُعدّ أحدى أفقر بلدان العالم. إذ تبلغ نسبة الفقراء فيها 43% من السكان (2 دولار يومياً للشخص) البالغ عددهم 26 مليون نسمة. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ “هذا الانقلاب غير شرعيّ، ويشكّل خطراً كبيراً على النيجريين والنيجر وكلّ المنطقة”. وهدّدت باريس بأنّها ستردّ “فوراً وبشدّة” في حال التعرّض لرعاياها البالغ عددهم حوالي 600. وهدّد رئيس الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي جوزف بوريل بوقف كلّ المساعدات التي يقدّمها الاتحاد للنيجر إذا لم يفرج الانقلابيون عن الرئيس بازوم ويعيدون العمل بالدستور. من جهته، هدّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بوقف المساعدات للنيجر.

تجدر الإشارة إلى أنّ للولايات المتحدة الأميركيّة قاعدة عسكرية في شمال البلاد لإطلاق المسيّرات ضدّ التنظيمات الإسلامية المتطرّفة.

التهديد العسكريّ الإفريقيّ!

كانت ردود الفعل إفريقيّة أيضاً، وأبرزها من المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب إفريقيا (إيكواس). فقد اجتمع قادتها يوم الأحد في العاصمة النيجرية أبوجا وأصدروا بياناً أعلنوا فيه “تعليقاً فوريّاً لجميع المبادلات التجارية والماليّة” مع النيجر. وهي مسألة ستكون لها تداعياتها الفوريّة والقاسية لأنّ النيجر بلداً مغلقاً، وتجارته مع العالم تمرّ عبر الدول المجاورة.

إقرأ أيضاً: فرنسا “الأمّ الحنون”… للشيعة؟!

وأعطت دول “إيكواس” مهلة أسبوع لإعادة الرئيس المحتجَز إلى منصبه، وهدّدت بـ”اتخاذ جميع التدابير الضروريّة لاستعادة النظام الدستوريّ” بما فيها التدخّل العسكريّ.

فهل تنفّذ تهديدها؟

المسألة ليست بهذه البساطة.

ربّما سيشكّل الانقلاب في النيجر نهاية الحقبة الفرنسية في الساحل الإفريقيّ، والأكيد أنّه سيؤدّي إلى مزيد من عدم الاستقرار في إفريقيا وإلى مزيد من التأزّم في العالم.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…