الممرّ الجديد: “الحلم الهندي”… لمواجهة “الحلم الصيني”

مدة القراءة 6 د


من قرّر أن يضع “الحلم الهندي بمواجهة “الحلم الصيني”؟ سؤال بدأ يكبر في الغرب والشرق، حول الدولة التي باتت هي محور “الممرّ الاقتصادي” الجديد الذي يربطها بالخليج والبحر المتوسط وصولاً إلى أوروبا. وهو السؤال الذي فجّرته قمّة العشرين الأخيرة، حيث حضرت التوتّرات الجيوسياسية في العلاقات الدولية بقوّة في نيودلهي.

بالطبع كان غياب الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو العنوان الرئيسي لهذه الانقسامات داخل المجموعة التي تضمّ 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. ورأى الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أنّ غياب الرئيسَين الصيني والروسي وآخرين يعكس مدى “الخلل الوظيفي” في هذه الأسرة العالمية. ويعكس خطاب الافتتاح الذي ألقاه رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الذي عبّر فيه عن “أزمة الثقة القائمة” بين أعضاء المجموعة، قلق الهند من خطورة هذه الانقسامات، وتأثيرها على القضايا التي تتمسّك الهند بطرحها مثل تغيّر المناخ، والديون، وضرائب الشركات المتعدّدة الجنسيات، وتنظيم العملات، والأمن الغذائي والطاقة والنموّ المستدام. 

كان غياب الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو العنوان الرئيسي للانقسامات داخل المجموعة التي تضمّ 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي

دور الهند المنتظَر 

تستعدّ الهند في إطار هذا المشروع، وبمباركة أميركية وأوروبية لكسر تبعية الغرب لسلاسل الإمدادات من المصانع الصينية، لدورٍ يتطلّب التبصّر في ما هو أبعد من الأداء المميّز في قطاع الرقمنة وإنتاج اللقاحات والنجاح في غزو القمر. ليس من السهل القفز فوق المؤشّرات الاجتماعية والصحّية السلبية في الهند، بالإضافة إلى المشاكل الهيكلية التي يعاني منها اقتصادها.

صحيح أنّ نيودلهي استطاعت أن تحتلّ المرتبة الاقتصادية الخامسة عالمياً، وأنّها تُعدّ الأسرع نموّاً في العالم، لكنّ اقتصادها الذي حقّق نموّاً بمقدار 7.2% غير قادر على خلق فرص لملايين الهنود الداخلين إلى سوق العمل. ويرى الاقتصادي في جامعة برينستون والبنك الدولي سابقاً “أشوكا مودي” أنّ “عدم القدرة على خلق فرص عمل ترتبط بقطاع صناعي يعكس صعوبات البلد في الاندماج في التجارة العالمية”.

لكن في المقابل يبدو أنّ المشهد الآخر من الصورة الزاهرة للنموّ، عبّرت عنه صحيفة “لوموند” الفرنسية، حين وصفت الهند بأنّها “قوة عالمية بأقدام من طين”، وأنّها تخفي وراء اللوحات الإعلانية دراما إنسانية واسعة النطاق. إذ تفتقر الهند إلى شبكة أمان صحّي واجتماعي، ويسيطر فيها، وفقاً لمنظمة “أوكسفام” غير الحكومية، أغنى 10% من السكّان على 77% من الثروة الوطنية. وذكرت الصحيفة أيضاً أنّه من بين كلّ بلدان مجموعة العشرين، تتمتّع الهند بأقلّ دخل للفرد (2.085 دولار، أو 1.947 يورو)، ولديها أكبر عدد من الفقراء الذين يعيشون على حصص الإعاشة الغذائية (800 مليون شخص)، وتحتلّ المرتبة الـ107 من بين 123 دولة في مؤشّر الجوع في العالم. نصيب الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي أقلّ بخمس مرّات ممّا هو عليه في الصين، وأقلّ بثماني عشرة مرّة ممّا هو عليه في المملكة المتحدة.

في النهاية، ستجعل الصراعات الجيوسياسية القائمة بين أفراد المجموعة القضايا المتعلّقة بالتغيّرات المناخية والانتقال إلى الطاقة المتجدّدة ومحاربة الفقر وأزمة المديونية رهينة لها. وفي المقابل، ما يزال تقاطع المصالح كبيراً على أمن الطاقة. لكن مهما حاولت إدارة الرئيس جو بايدن إصلاح العلاقات مع المملكة السعودية، فإنّ من غير المتوقّع أن يحصل تغيير دراماتيكي في تقاطع المصالح الروسية السعودية في “أوبك بلاس”. وأمّا الهند التي تتحدّث مع الجميع وتسعى إلى لعب دور دبلوماسي كبير في الحوار لتخفيف حدّة الصراعات الجيوسياسية، والتي يبارك الغرب أن تلعب دوراً موازناً للصين، فلن تجد أفضل من الوضعية التي تمكّنها من وضع قدم في الملعب الغربي والأخرى في مجموعة “بريكس11″، على الرغم من الملفّات الشائكة بينها وبين الصين.

ستجعل الصراعات الجيوسياسية القائمة بين أفراد المجموعة القضايا المتعلّقة بالتغيّرات المناخية والانتقال إلى الطاقة المتجدّدة ومحاربة الفقر وأزمة المديونية رهينة لها

بن سلمان: سياية قلب الطاولة..

في هذا السياق، وعلى الرغم من الانقسامات والصراعات الجيوسياسية داخل مجموعة العشرين، نجح رئيس الوزراء مودي، الحريص على تعزيز الدبلوماسية الهندية، في إيجاد تسوية تتعلّق بالموقف من الحرب في أوكرانيا لعدم استفزاز روسيا والصين، وفي الوقت نفسه تأكيد مبادىء احترام القانون الدولي وسلامة أراضي الدول. ونجح أيضاً في تثبيت دور الهند المحوري والقيادي في جنوب الكرة الأرضية وفي تحقيق الإجماع في القمّة على: 

1 – انضمام الاتحاد الإفريقي الذي يضمّ 55 دولة إلى مجموعة العشرين. 

2 – توقيع رؤساء البلدان المشاركة على إعلان النموّ الشامل. 

3 – إنشاء تحالف عالمي للوقود الحيوي من قبل البلدان الأعضاء التي ستؤكّد الاستخدام الأقصى للوقود الحيوي. 

4 – زيادة الطاقة المتجدّدة ثلاث مرّات ومحاولة زيادة الأموال للكوارث المتعلّقة بتغيّر المناخ.

بالطبع شكّل الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية والهند وفرنسا والسعودية والإمارات العربية المتحدة على إنشاء ممرّ التجارة الخلفيّ للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذي يربط بين أوروبا والشرق الأوسط، الخليج تحديداً، والهند، تحوُّلاً كبيراً في الانقسامات الجيوسياسية بين أعضاء مجموعة العشرين، وقد وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بأنّه “صفقة كبيرة، واستثمار سيغيّر قواعد اللعبة”.

وذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أنّ الممرّ – المخطّط سيربط الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي من خلال موانئ الشحن وطرق السكك الحديدية، في محاولة لجعل التجارة أسرع وأرخص وتعزيز التعاون الاقتصادي والاتصال الرقمي في سائر أنحاء المنطقة. وأشارت إلى أنّ المشروع، المسمّى “الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البنية التحتية”، يمكن أن يسرّع التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40% والمساعدة في تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، الذي كانت إدارة بايدن تضغط من أجله. 

إقرأ أيضاً: ممرّ الهند – الخليج – أوروبا… وممرّات الحزب

يشكّل طرح مبادرة الممرّ الاقتصادي لربط أوروبا بالهند عن طريق الشرق الأوسط تحوّلاً كبيراً في السياسة الخارجية الأميركية، وبداية الخروج من مربّع 11 أيلول 2001 وتداعياته على العلاقات مع السعودية التي تعرّضت لضغوط كبيرة كان هدفها تقليم أظافر المملكة وتقليص دورها الإقليمي لمصلحة تصاعد النفوذ الإيراني إلى أن تولّى الأمير محمد بن سلمان مقاليد السلطة باسم والده معتمداً سياسة قلب الطاولة دون أن تقع على الأرض في حين تعد واشنطن خطوةً استراتيجيةً لاستعادة المبادرة وملء الفراغ الذي يعاني منه الغرب منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013. لكن بالتأكيد ستواجه قناة السويس تحدّيات كبيرة بسبب المنافسة التي يطرحها هذا الممرّ على صعيدَي الوقت وكلفة النقل. 

* أستاذ الدراسات العليا في كلّية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية بالجامعة اللبنانية.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…