لا أحد يملك معلومات دقيقة عمّا سيكون عليه تصنيف لبنان في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ضمن تقويم “مجموعة العمل الدولية”، خلال الأشهر أو ربّما الأسابيع المقبلة. لكنّ المؤشّرات المرسَلة من البحرين، حيث مقرّ المجموعة (Menafatf)، غير مطمئنة. إذ تتواتر معلومات في الأوساط المصرفية عن أنّ لبنان بات De facto By، أي بحكم الأمر الواقع، مُدرجاً على “اللائحة الرمادية”، أي على شفير اللائحة السوداء بسبب “عدم الالتزام”. ويُنتظر إعلان ذلك. بينما مهلة السنة التي منحتها المجموعة للبنان لم تكن إلّا مجرد توصية قد لا يُؤخذ بها. وحتّى لو أُخِذ بها، فقد مضى على تلك المهلة قرابة 4 أشهر وأكثر بقليل، من دون أن يثبت لبنان حتى قدرته على القيام بأيّ إصلاح أو مبادرة من أجل تحاشي إدراجه على تلك اللائحة، ما خلا منصّة “بلومبرغ” التي كثُر الحديث عنها وحُمّلت أكثر ممّا تحتمل.
متى نُدرَج على اللائحة؟
السؤال المطروح بقوّة اليوم: متى سيُعلن إدراج لبنان على تلك اللائحة؟
تقول بعض المصادر المصرفية العليمة إنّ ذلك ربّما يحصل قريباً في أول اجتماع للمجموعة يُطرح فيه اسم لبنان على الطاولة.
لا أحد يملك معلومات دقيقة عمّا سيكون عليه تصنيف لبنان في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ضمن تقويم “مجموعة العمل الدولية”، خلال الأشهر أو ربّما الأسابيع المقبلة
تعتبر مصادر مصرفية أخرى مُطّلعة أنّ للمجموعة مصلحة في ترك مصير لبنان معلّقاً بهذا الشكل (موقف رمادي من التصنيف الرمادي) حرصاً على عدم “هدم الجسور” مع هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان التي يرأس اجتماعاتها الحاكم بالإنابة وسيم منصوري بعد تكليفه من قبل رياض سلامة.
وعليه، قد يُعلَن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية مع بداية العام المقبل أو ربّما قبل ذلك. فلا معلومات واضحة، لأنّ هذا القرار، بحسب المطّلعين، يؤخد ضمن حلقة ضيّقة جداً. لكنّ وفد الهيئة الذي قصد المنامة قبل مدّة من أجل الدفاع عن لبنان أمام المجموعة، ربّما يملك، بحسب المصادر، ما يكفي من الإيحاءات حتى يعرف أفراده ما ينتظرنا، خصوصاً إذا ما قورن ذلك مع “نبرة” وسيم منصوري خلال المؤتمر الصحافي الأخير، إذ شدّد على خطورة انغماس لبنان في “اقتصاد الكاش”.
في حينه، بدا كلام منصوري وكأنّه تحذير مبطّن، أو إشارة إلى خطر داهم يتربّص بلبنان، بل أصبح “قاب قوسين أو أدنى”. بينما إدراج لبنان على تلك اللائحة أسبابه معروفة ولم تعد خافية على أحد. ومن بين تلك الأسباب التي لطالما حذّر منها منصوري:
1- عدم إجراء الإصلاحات المطلوبة.
2- تمدّد الاقتصاد الموازي أو اقتصاد “الكاش”.
يعتبر بعض المراقبين أنّ إدراج لبنان على “اللائحة الرمادية” لن تكون له مفاعيل كبيرة على الاقتصاد، لأنّنا في جوّ “رمادي” أصلاً، والمصارف المراسلة الأجنبية تتعامل معنا من هذا المنطلق، إلّا أنّ التمحيص في التبعات يُظهر أنّ الأمور لن تكون بهذه البساطة، وستكون لذلك مفاعيل أخرى ربّما تغيّر خارطة ضخّ الدولارات إلى الداخل اللبناني.
80% من التحويلات عبر المصارف
تشير الأرقام إلى أنّ لبنان يتلقّى عبر الأقنية النظامية والرسمية أموالاً من الخارج على شكل تحويلات بنحو 7 مليارات دولار، منها قرابة 1.2 أو 1.5 مليار دولار (17% إلى 20%) تدخل لبنان عبر شركات تحويل الأموال، في حين أنّ بقيّة المبلغ (5.8 إلى 5.5 مليارات دولار) تدخل عبر القطاع المصرفي.
على الرغم من تراجع ثقة الناس بالمصارف بقيت هذه الأموال تمرّ عبر القطاع، وذلك بفضل التعميم رقم 150 (تاريخ 9 نيسان 2020) الذي أصدره رياض سلامة واستطاع من خلاله أن يفصل الدولارات “الفريش” في المصارف عن تلك المحتجزة (اللولار) من خلال إلزام المصارف اللبنانية بدفعها مباشرة على “الكونتوار” من خلال إيداع قيمة تلك التحويلات في الخارج لدى المصارف المراسلة. لكنّ أن يُدرج لبنان على اللائحة الرمادية اليوم، فهذا سيرتدّ على تلك الأموال مباشرة، فكيف سيحصل ذلك؟
ستكون عيون الجهات الرقابية في الخارج أكثر تركيزاً على حركة الأموال من وإلى الأراضي اللبنانية، إن أتت عبر المصارف أو حتّى عبر شركات تحويل الأموال، التي ستكون “ضحية” مسؤوليات هذا التصنيف أيضاً حتى لو أثمر ذلك إنتاجية أو أرباحاً أكبر
نوعان من المخاطر
في هذا الخصوص، يقول خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي لـ”أساس” إنّ تعاطي المصارف المراسلة مع لبنان ومصارفه المحلية “بات منذ زمن وكأنّنا مدرجون فعلاً على اللائحة الرمادية”، أي “على القطعة”.
يكشف فحيلي أنّ المصارف اللبنانية التي لم تستطع زيادة مؤوناتها في الخارج تمّ تجميد أرصدتها بسبب المخاطر الائتمانية، ومُنعت من فتح اعتمادات وإجراء تحاويل وتسديد فواتير، وذلك على عكس زميلاتها (وهي قليلة من حيث العدد بالمناسبة) التي عزّزت مؤوناتها واستطاعت أن تحافظ على علاقات نقدية جيّدة مع المصارف المراسلة. وهذا يُعتبر الوجه الأوّل للمخاطر التي تلتفت إليها المصارف المراسلة.
أمّا الوجه الآخر للمخاطر التي ستزداد في حال أُدرج لبنان على “اللائحة الرمادية”، فهو بحسب فحيلي: تهمة “تمويل الإرهاب وتبييض الأموال”. هذه المخاطر ارتفعت في لبنان نتيجة انفلاش اقتصاد “الكاش” بعدما ازداد منسوب التعامل بالأوراق النقدية.
سيجبر هذا الأمر المصارف المراسلة على إخضاع جميع التحويلات الخاصة بالمصارف اللبنانية لـ”إجراءات متشدّدة”، أكثر من تلك المطبّقة اليوم، أي أنّ التحويلات بعد إدراج لبنان على “اللائحة الرمادية”:
1- ستستغرق أوقاتاً أطول (ربّما مضاعفة)، وذلك من أجل التحقّق من سلامة التحويل ونظافة المرسِل والمرسَل إليه.
2- ستكبّد المصارف المراسلة إجراءات أكثر ومجهوداً أكبر، وهو ما يستدعي تكليف عدد أكبر من الموظفين.
3- سترتّب على العملاء اللبنانيين (تجّاراً مستوردين، شركات، أفراداً…) تكاليف أكبر لأنّ الإجراءات أعلاه ستكون على حساب العميل.
شركات تحويل الأموال… انتعاش مشروط
ستدفع أيضاً هذه الإجراءات الأفراد، بحكم الأمر الواقع، إلى البحث عن وسائل تحويل أخرى تكون أقلّ تكلفة وأوفر وقتاً، وربّما أقلّ إزعاجاً بطرح الأسئلة وطلب الأوراق والإثباتات، وهو ما يعني أنّ أغلب التحويلات التي تتّخذ طابع “المساعدة الاجتماعية” أو “مصروف العائلة” قد تهاجر حتماً من القطاع المصرفي إلى شركات تحويل الأموال، وذلك:
1- لسرعة تنفيذ التحويل والحصول عليه “كاش” بلا عراقيل.
2- لمعقولية التكاليف، خصوصاً إذا ارتفعت تكاليف التحويل المصرفي أكثر من تلك الخاصة بشركات تحويل الأموال.
إقرأ أيضاً: منصّة “بلومبرغ”… طبخة بحص!
أكثر نظافة… أكثر استفادة
استطراداً، ربّما تكون شركات تحويل الأموال المستفيد الأكبر من إدراج لبنان على “اللائحة الرمادية”. لكن طبعاً ليست كلّ الشركات، ولن يحصل ذلك بلا ثمن. فتلك التي تملك سجلّاً نظيفاً ستكون أكثر قدرة على اغتنام الفرصة، لأنّ الشركات بدورها ستطالها تلك الإجراءات المتشدّدة. صحيح أنّ منسوب التحويلات لديها سيرتفع، لكنّ ذلك، في نظر فحيلي، سيكون بمنزلة “ورطة” في الواقع، لأنّ مخاطر تهمة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب “سارية على الجميع” (مصارف وشركات تحويل أموال)، بينما المخاطر الائتمانية “تخصّ المصارف حصراً”.
في الخلاصة، ستكون عيون الجهات الرقابية في الخارج أكثر تركيزاً على حركة الأموال من وإلى الأراضي اللبنانية، إن أتت عبر المصارف أو حتّى عبر شركات تحويل الأموال، التي ستكون “ضحية” مسؤوليات هذا التصنيف أيضاً حتى لو أثمر ذلك إنتاجية أو أرباحاً أكبر. فأيّ إجراء عقابي ضدّ أيّ شركة سيكون مكلفاً، وربّما يكون مكلفاً جدّاً، وسيؤدّي إلى قطع صلات الشركة مع الخارج.
لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@