الكويت وقطر تعانيان من أزمات مالية واقتصادية وكورونية، ومن الواضح أنّ الودائع المالية التي يمكن أن تضعانها في نظام لبنان المصرفي، باتت ترفاً من الماضي.
إقرأ أيضاً: كلفة استعراض “التوجّه شرقاً” ترتفع يومياً.. ودياب لا يبالي
فمن يراقب يوميات الكويت الماليّة هذه السنة، وخصوصاً بعد تفشّي وباء كورونا وأزمة هبوط أسعار النفط العالميّة، يدرك أنّ ظروفها لم تعد تسمح لها بترف بذخ المال بوفرة على النحو الذي تأمّل به بعض اللبنانيّين. ففي بداية العام، وقبل حصول أزمتي كورونا وهبوط أسعار النفط، كانت الكويت قد توقّعت تسجيل أكبر عجز مالي حكومي في تاريخها، بوصوله إلى 30 مليار دولار في السنة الماليّة المقبلة، وهو ما توازي قيمته 23% من حجم الإنتاج الوطني.
في الواقع، كانت الكويت تتوقّع بذلك إنهاء سنواتها السبع العجاف. فهي واظبت على تسجيل عجوزات متتالية في ماليّتها العامّة منذ 2014، ومجموع العجز تجاوز خلالها 132.3 مليار دولار، وهو رقم يفوق حجم الناتج السنوي للبلاد.
لا يبدو المشهد مختلفاً في قطر، التي شهد قطاعها المصرفي ارتفاعاً في عجز صافي الموجودات بالعملات الأجنبيّة إلى حدود الـ 87.38 مليار دولار
هذه الأزمة الماليّة في بداية العام، تحوّلت إلى مأزق كبير بعد تفشّي وباء كورونا وأزمة انخفاض أسعار النفط، وهو ما دفع الحكومة إلى طلب موافقة البرلمان على اقتراض ما يقارب 65 مليار دولار، لسداد عجز الموازنة وتغطية التزامات الدولة خلال السنوات القادمة. ومع هذه التطوّرات السلبيّة، كان أمير البلاد يدعو الحكومة إلى ترشيد الإنفاق خلال الفترة المقبلة، وإعادة النظر في طبيعة الاقتصاد الكويتي ودرجة اعتماده على الموارد النفطيّة لتمويل الإنفاق.
باختصار، تبحث الكويت اليوم عن سبل الاقتراض وتوفير التمويل اللازم للإنفاق، وحكومتها تجهد لإقناع برلمان البلاد بالموافقة على حجم الاقتراض الضخم المطلوب، فيما يطالب الأمير الحكومة بإصلاحات ضروريّة. وهذه الظروف لا تسمح لأيّ دولة برمي ودائع دولاريّة في مصارف مركزيّة بالخارج، ولا تسمح لها بالتخلي عن جزء من وارداتها النفطيّة الحاليّة عبر منح لبنان تسهيلات في دفع ثمن المحروقات التي يستوردها من الكويت، أو بتأجيل سداد هذه المستحقات.
لا يبدو المشهد مختلفاً في قطر، التي شهد قطاعها المصرفي ارتفاعاً في عجز صافي الموجودات بالعملات الأجنبيّة إلى حدود الـ 87.38 مليار دولار، لغاية نهاية شهر نيسان الماضي، بالمقارنة مع 64.7 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام الذي سبقه. وهي أزمة دفعت ببعض المصارف القطريّة إلى البحث في احتمالات الاندماج المختلفة. مع العلم أنّ عجز صافي الموجودات بالعملات الأجنبيّة يعبّر عن الفارق بين التزامات هذه المصارف بالعملة الصعبة، والموجودات المتوفّرة منها لديها. وقد نتج ارتفاع هذا العجز تحديداً عن شحّ السيولة بالعملة الصعبة، بعد أزمة كورونا وأزمة أسواق النفط.
وبذلك، يصبح من الواضح أن انتظار المساعدات الماليّة من قطر، وتحديداً إذا كانت تتعلّق بودائع في مصرف لبنان أو قروض بالعملة الصعبة، سيكون مسألة غير واقعيّة، خصوصاً كون الأزمة الماليّة القائمة في قطر تتعلّق تحديداً بحاجتها إلى تدفّقات ماليّة بالعملات الأجنبيّة في هذه المرحلة بالذات.
لذلك فإنّ خطة رئيس الحكومة حسان دياب في التعامل مع الأزمة الماليّة تدور في حلقة مفرغة لم يفلح الرجل في الخروج منها: يخرج على الرأي العام كلّ مرة بفكرة يراهن عليها، ليتبيّن أنّ ما ينتظره – أو ربما يدّعي انتظاره – لم يكن سوى وهم أو سراب. وما إن تسقط هذه الفكرة بالضربة القاضية حتّى يخرج على الرأي العام باقتراح أو ملفّ آخر يراهن عليه، ليسقط مجدّداً، وهكذا دواليك. باختصار، نحن أمام شخصيّة تتقن القفز بين الرهانات، لإبقاء الرأي العام مشغولاً بما يمكن التفاؤل به للتعامل مع الأزمة، ولو أنّ معظم القوى السياسيّة في البلاد باتت على دراية أنّ الحكومة لم تعد تنتظر شيئاً فعلاً.
ما جرى تسويقه من آمال بالمساعدات الخليجيّة المؤثّرة والكبيرة، وتحديداً من الكويت وقطر، أصبح من الماضي، تماماً كالحديث عن التوجّه نحو العراق والصين
نتائج المباحثات التي جرت حتّى الآن مطابقة لظروف البلدين الاقتصاديّة. فمسؤولو الدولتين أبدوا الإيجابيّة البروتوكوليّة المتوقّعة منهم في النقاشات التي دارت حتى الآن. لكن من الواضح من هذه المحادثات أنّ لبنان لا يمكن أن يتوقّع مساعدات جديّة يمكن أن تؤثّر في مسار الأزمة الماليّة القائمة. مع العلم أنّ واقع البلاد السياسي لم يكن بعيداً عن النقاشات، خصوصاً مع تركيز الجانب الكويتي على ضرورة ربط أيّ دعم بتوفّر موقف خليجي جامع داعم للبنان. والتركيز على هذه الفكرة بالتحديد يؤشّر إلى أنّ الكويت تأخذ بعين الاعتبار الموقف السعودي ونظرته إلى التطوّرات في لبنان. وهذا الموقف سيكون مؤثّراً قبل تقديم أيّ دعم للبلاد. وببساطة، يمكن القول إنّ مواقف الحكومة وتركيبتها السياسيّة لن تساعد كثيراً في تليين الموقف السعودي اتجاه لبنان، ولا في تحفيز الكويت أو قطر للتضحية في سبيله بظلّ الأزمة الماليّة التي تشهدها هاتان الدولتان.
وبذلك، يصبح من الواضح أنّ ما جرى تسويقه من آمال بالمساعدات الخليجيّة المؤثّرة والكبيرة، وتحديداً من الكويت وقطر، أصبح من الماضي، تماماً كالحديث عن التوجّه نحو العراق والصين. وبعد سقوط هذه الفكرة، لجأت الحكومة كالعادة إلى نسج الحكايات عن مؤامرات وألاعيب تفشل جهودها، من قبيل الحديث عن سعي بعض اللبنانيين إلى الضغط على الدول الخليجيّة لدفعها إلى عدم تقديم العون للبنان، تماماً كما تحدّثت عن الحصار عند فشلها في تنفيذ أيّ من الإصلاحات الضروريّة للحصول على الدعم الدولي.