الكويت لإيران: 4 لاءات في ملفّ “الدُرّة”

مدة القراءة 5 د


منذ اكتشاف حقل الدُرّة الغنيّ بالغاز، الواقع بين الكويت والسعودية، في ستّينيات القرن الماضي، بدأت الادّعاءات الإيرانية بأنّ جزءاً من الحقل يقع داخل حدودها البحرية، مع رفض كلّ دعوات الحوار لحلّ المشكلة التي تمنع استغلال الحقل منذ ذلك الحين.
اعتباراً من عام 2001، سلكت الكويت والسعودية طريق القانون الدولي ورسّمتا الحدود بموجب اتفاقية المنطقة المغمورة، التي كرّست ثروات تلك المنطقة مشتركةً بين البلدين، فيما واصلت إيران مواقفها التصعيدية، مُبتدعةً أعرافاً جديدة، في محاولة للظفر بحصّة في الحقل.
في عام 2011، أعلنت بدء عمليّات التنقيب، الأمر الذي دفع الكويت والسعودية إلى توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية يشمل تطوير الحقول النفطية المشتركة، ومن بينها الدُرّة.

3 أبعاد
في 2015 ثمّ 2022 و2023، تكرّر الكلام الإيراني عن تطوير الحقل، فيما كان الموقف الكويتي ثابتاً عند 3 أبعاد:
1- الكويت والسعودية هما طرف تفاوضيّ واحد.
2- لا حديث عن أيّ حقل أو تعاون قبل ترسيم الحدود.
3- في حال عدم الاتفاق بموجب المفاوضات الثنائية على ترسيم الحدود البحرية، يمكن اللجوء إلى التحكيم، أو محكمة العدل الدولية، أو المحكمة الدولية لقانون البحار، أو الاتفاق على أيّ وسيلة أخرى.

طهران تريد التفاوض مع الكويت لوحدها، فهي تدّعي أنّ حدودها البحرية تمتدّ من الجرف القارّيّ استناداً إلى قانون البحار المفتوحة، في حين تتمسّك الكويت بقانون البحار المُغلقة

مع استمرار الخلاف على مرّ السنوات، تمّ تشكيل العديد من اللجان بين الكويت وإيران وجرت محادثات لتسوية الخلاف على منطقة الجرف القارّيّ، لكنّها لم تؤدِّ إلى أيّ نتيجة، لأنّ طهران لم تتخلَّ عن أسلوب المماطلة والمراوغة والتأجيل، مع الخروج بمواقف علنية إيجابية في اللقاءات الرسمية، من دون أن يكون لها أيّ أثر خلال اجتماعات اللجان.

 

البحار المغلقة والمفتوحة
إضافةً إلى أنّ طهران تريد التفاوض مع الكويت لوحدها، فهي تدّعي أنّ حدودها البحرية تمتدّ من الجرف القارّيّ استناداً إلى قانون البحار المفتوحة، في حين تتمسّك الكويت بقانون البحار المُغلقة الذي يقضي بأن تبدأ حدود إيران من البرّ وليس من الجرف القارّي.
تكمن المشكلة بأيّ مفاوضات في أنّ إيران وقّعت على معاهدة جنيف للجرف القارّي لعام 1958 ومعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، لكنّها لم تُصدّق على أيٍّ منهما.
وأصدرت في عام 1993 قانونها الخاصّ للمناطق البحرية في الخليج، الذي يتعارض في الكثير من بنوده مع المعاهدات الدولية، وأهمّها أنّ إيران تعتبر خليج عمان والخليج العربي بحراً مغلقاً أو شبه مغلق.

حوار ومراوغة
في الأسابيع القليلة الماضية، تصاعد التوتّر مجدّداً مع إعلان مسؤول إيراني المضيّ قدماً في التنقيب والإنتاج من حقل الدرّة، وهو ما استفزّ الكويت والسعودية، فأصدرتا بيانين متشابهين يؤكّدان المؤكّد: نحن طرف تفاوضي واحد، وحقل الدرّة حقّ حصري مشترك بيننا، ولا حديث عن أيّ شيء قبل الترسيم بين الكويت وإيران.

هذا وعُقد اجتماع بين وزير خارجية الكويت سالم العبدالله الصباح ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في 5 تموز الحالي، على هامش الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز، في باكو عاصمة جمهورية أذربيجان، وذلك لأنّ الكويت متمسّكة بالحوار.
تؤكّد مصادر مطّلعة أنّ اللقاء كان إيجابياً وتمّ الاتفاق على تفعيل قنوات الحوار بين البلدين، لكن يبدو أنّ موقف طهران عاد إلى المراوغة، فاضطرّت الكويت إلى أن تعلن على لسان نائب رئيس الوزراء ووزير النفط سعد البرّاك، الخميس الماضي، أنّها “ستبدأ التنقيب والإنتاج في حقل الدرّة، من دون انتظار ترسيم الحدود مع إيران”.

اتّفاق بكين
بحسب معلومات من أوساط خليجية عليمة، فإنّ أيّ موقف في هذا الملفّ يتمّ اتّخاذه بالتنسيق بين البلدين، وإنّ الكويت على أعلى تنسيق مع السعودية ومتمسّكة بالحوار الذي يؤدّي إلى نتيجة ولا يكون لكسب الوقت فقط.
لا تنظر الكويت إلى مواقف إيران من حقل “الدرّة” بمعزل عن اتفاق بكين، الذي أدّى إلى استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، فهي تدرك أنّ طهران لا تُحبّذ الدخول في أيّ تعقيدات إضافية مع المملكة، لا بل تريد تحييدها في هذا الملفّ تحديداً، نظراً لتشابك الملفّات العالقة بين البلدين، من اليمن مروراً بالعراق وسورية، وصولاً إلى لبنان.
انطلاقاً من ذلك، يريد الإيرانيون من الكويتيين أن يعترفوا لهم بحقّ في الحقل قبل الدخول في مفاوضات الترسيم.
في هذه النقطة تحديداً، انتقد نواب كويتيون تصريحاً لوزير النفط ألمح فيه إلى أنّ حقّ إيران في الحقل قد تأخذه بعد الترسيم، وهو ما يبدو أنّه دفعه إلى التصريح مجدّداً بأنّ الكويت ستبدأ بالحفر والإنتاج من دون انتظار الاتفاق مع إيران.

إحراج إيران
تؤكّد معلومات موثوقة أنّ الكويت تعتبر أنّ الحوار سيكون هو الحلّ في نهاية المطاف، لكنّها تتمسّك بـ4 لاءات:
1- لن توافق على أن يكون التفاوض بشروط إيرانية.
2- تتمسّك برفض أيّ تفاوض منفرد مع إيران.
3- ترفض أن تعطي لإيران أيّ اعتراف بحقّ في الحقل قبل الترسيم.
4- تعارض بشكل قاطع أيّ طرح للقفز فوق الترسيم والاتفاق على الاستثمار المشترك للحقل.

إقرأ أيضاً: حقل الدرّة: لماذا “تشاغب” إيران على اتّفاقها مع السعوديّة؟

في المحصّلة، تدرك الكويت أنّ حقّها ثابت ولا نقاش فيه بموجب القوانين الدولية، سواء كان التفاوض ثنائياً، أو تمّ اللجوء إلى الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية، لا بل إنّ الكثيرين من الخبراء يجزمون أنّ هذا الخيار هو الأفضل للكويت، لأنّه مضمون النتائج من جهة، ومُحرِج سياسياً لإيران من جهة أخرى.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…