الكويت: رسائل “بالنار” لأميركا…

مدة القراءة 6 د


في حين يتواصل تبادل الرسائل “المُشفّرة” ميدانياً والمباشرة وغير المباشرة سياسياً بين الأميركيين والإيرانيين في المنطقة، يبدو أنّ رقعة المواجهة مُرشّحة للتمدّد من ميادين لبنان وسورية والعراق إلى دول أخرى، ربطاً بالعدوان الإسرائيلي الهمجي المستمرّ على غزّة.
إذا كان “طبيعياً” تبادل الرسائل الصاروخية في العراق وسورية، بين الأميركيين والإيرانيين، حسب مجريات السنوات القليلة الماضية، فإنّ توسّع المواجهة إلى دول أخرى، مثل الكويت، لن يكون طبيعياً، ويعني في حال حدوثه أنّ المنطقة تتدحرج نحو حرب إقليمية أو تكاد.
في بيان مكتوب بـ”حبر إيراني”، هدّدت جماعة عراقية تطلق على نفسها اسم “ألوية الوعد الحقّ – أبناء الجزيرة العربية”، باستهداف القواعد الأميركية في الكويت (والإمارات)، معتبرة إيّاها “أهدافاً مشروعة”، وذلك “ردّاً على جرائم الكيان الصهيوني وأميركا وثأراً للشهداء في فلسطين الحبيبة”.
سبق للجماعة أن تبنّت في كانون الأول 2021 هجوماً على السعودية، وفي شباط 2022 هجوماً آخر على الإمارات، وتُعدّ هذه الجماعة “واجهة تنفّذ عمليات عسكرية حركية”، وترتبط بـ”علاقات فريدة” مع “كتائب حزب الله” وتقع تحت السيطرة المباشرة لـ “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”، وفقاً لدراسة نشرها “معهد واشنطن” في نيسان 2021.

تأهّب واستنفار
على الرغم من أنّها جماعة “واجهة”، لم يمرّ التهديد مرور الكرام أو يتمّ التعاطي معه بخفّة، بل تلقّفت الولايات المتحدة الرسالة “الإيرانية” الصادرة من العراق وأخذتها على محمل الجدّ، وأصدرت سفارتها لدى الكويت بياناً ذكرت فيه أنّها “على علم بالتهديدات التي أطلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي ألوية الوعد الحقّ، وهي ميليشيا بالعراق، باستهداف القواعد العسكرية الأميركية بالكويت”. وأعلنت واشنطن تقليص أنشطتها بالقواعد العسكرية الأميركية لتقتصر على الفعّاليات الأساسية والرسمية، ونصحت المواطنين الأميركيين بالبقاء في حالة تأهّب، مشيرة إلى الشراكة القوية والطويلة الأمد القائمة مع الكويت.

المشكلة أنّ الكويت ترتبط مع الولايات المتحدة باتفاقية دفاعية وأمنيّة، مُبرمة منذ 1991 بعد قيادة الولايات المتحدة التحالف الدولي الذي أدّى إلى تحرير الكويت من الغزو العراقي

ما لم تعلنه السفارة الأميركية، كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي نقلت عن مسؤولين أميركيين أنّ وزارة الدفاع أرسلت أنظمة صواريخ “باتريوت” المضادّة للطائرات إلى الكويت، ودول أخرى في المنطقة هي الأردن والعراق والسعودية وقطر والإمارات، بالتزامن مع نشر أنظمة دفاع جوّي ودفاع صاروخي في العراق وسوريا.
من جهتها تعاطت الكويت أيضاً بجدّية كبرى مع التهديدات، فاستنفرت أجهزتها الأمنيّة وتأهّبت قواتها العسكرية وشدّدت الإجراءات ذات الصلة.

لن نتزحزح عن دعم فلسطين
للمفارقة، فإنّ الكويت تجد نفسها في موقف صعب على الرغم من موقفها الحازم والفريد (مقارنة بكثير من الدول) إلى جانب فلسطين وأهالي غزّة، ووصل الأمر إلى حدّ حديث مندوبها في الأمم المتحدة طارق البناي عن “تقصير” بحقّ الفلسطينيين “على الرغم من كلّ ما نقوم به”.
وهو قال في خطاب لافت متوجّهاً إلى سفراء وممثّلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الثلاثاء الماضي: “اسمعوها من ناصح لكم، لا يريد من وراء كلماته هذه إلا أن يتوحّد الكلّ في تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، ودون انتقائية ولا ازدواجية في المعايير: لقد فشلتم يا أصدقائي وفشل مجلسكم هذا في أن تكون له وقفة صريحة وواضحة أمام الانتهاكات الإنسانية المستمرّة التي يواجهها الشعب الفلسطيني المدني الأعزل”.
كذلك طرح المندوب الكويتي جملة تساؤلات قائلاً: “ما هي الرسالة التي ترسلونها اليوم؟ وما المبادئ التي ترسّخونها في أذهان الأجيال المقبلة؟ وهل وصلنا إلى مرحلة أن تصبح الملفّات الجيوسياسية أوراق مقايضة للحدّ من المعاناة الإنسانية؟ هل وصلنا إلى مرحلة قبيحة من تاريخ هذه المنظمة لا نكترث فيها بأن يكون من الواضح أنّ هناك دولاً فوق القانون، وهناك درجات متفاوتة من المدنيين كلٌ وفق جنسيّته؟”.
بعدها حذّر من تفريغ مجلس الأمن من محتواه وتقويض دوره، وقال لـ”الأشقّاء في فلسطين الأبيّة” إنّ “حقّكم علينا كبير، وعلى الرغم من كلّ ما نقوم به، فإنّنا مقصّرون (…) ولن نتزحزح أبداً عن دعمكم، ولن تؤثّر علينا التغيّرات الجيوسياسية، فقضيتكم عادلة، ومسعاكم مستحقّ”.

بين كورونا والحرب
يُعتبر هذا الموقف الرسمي جزءاً من جوّ عامّ ساد في الكويت، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، قبل نحو 3 أسابيع، وبدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة ليشمل مقاطعة شركات وعلامات تجارية أميركية بسبب دعمها “الكيان الصهيوني”، على الرغم من أنّ وكلاءها كويتيون وتساهم بتشغيل الآلاف من الكويتيين والأجانب المقيمين في الكويت.
من المفارقات أنّ بعض المقاهي التي كان الناس يقفون بالطوابير أمامها للحصول على كوب القهوة في أيام حظر التجوّل الجزئي خلال جائحة فيروس “كورونا”، باتت الآن شبه خالية من الزبائن، لدرجة أنّ بعض الزبائن الذين دخلوا مطاعم ومقاهي مُعيّنة في الآونة الأخيرة، كتب قسم منهم على وسائل التواصل الاجتماعي ما مفاده أنّهم شعروا أنفسهم كمن يرتكب جريمة، فيما ترصدهم نظرات العابرين وتلاحقهم همسات الناس بالعتب على تصرّفهم، لأنّهم يساهمون في دعم “قاتلي الأطفال”.
وفق أرقام خاصة غير مُعلنة، فإنّ نسبة التراجع في المبيعات في بعض تلك المحلّات وصلت إلى 80 و90 في المئة، لدرجة أنّ بعض الشركات باتت تفكّر في تقليص أفرعها.

القواعد والخطر العسكري
شعبياً أيضاً، تتواصل التظاهرات في ساحة الإرادة المقابلة لمجلس الأمّة في مدينة الكويت، وبدورها تشهد تدحرجاً في المطالبات وصل إلى حدّ حديث البعض عن القواعد الأميركية، وضرورة تحرّك الحكومة والبرلمان لضمان عدم استخدامها لدعم إسرائيل، في حال تطوّرت الأمور إلى حرب إقليمية.
لكنّ المشكلة أنّ الكويت ترتبط مع الولايات المتحدة باتفاقية دفاعية وأمنيّة، مُبرمة منذ 1991 بعد قيادة الولايات المتحدة التحالف الدولي الذي أدّى إلى تحرير الكويت من الغزو العراقي.

إقرأ أيضاً: الكويت: حملة على دول التطبيع..

تتيح الاتفاقية، التي تجدَّد كلّ 10 سنوات، للولايات المتحدة نشر أكثر من 13 ألف عسكري في الكويت مع معدّات عسكرية كبيرة.
انطلاقاً من عدم قدرة الكويت على تقييد حركة استخدام القواعد الأميركية، برز توجيه دعوات أكاديمية إلى الحكومة لتشكيل لجنة طوارئ للتعاطي مع السيناريوهات المفتوحة في المنطقة، والتنسيق مع واشنطن لإيضاح وجهة نظرها بأنّه لا يمكن إدخال الكويت كطرف في توسيع نطاق العمليات العسكرية في المنطقة، أو استخدام أراضيها للمساهمة في دعم إسرائيل في حربها ضدّ الشعب الفلسطيني.

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…