طفا إلى سطح المشهد السياسي في الكويت نقاش جدّي مستفيض عن اعتماد “القوائم النسبية” لإصلاح النظام الانتخابي، الذي لطالما واجه انتقادات لناحية عدم العدالة التي تفضي إلى إفراز نواب لا يمثّلون الإرادة الحقيقية الكاملة للشعب الكويتي.
يُجمع النواب الحاليون وكثير من النواب السابقين على ضرورة تغيير قانون الانتخابات الحالي، سواء لجهة النظام المعتمَد (الأكثريّ) أو عدد الدوائر (5) والأصوات (صوت لكلّ ناخب)، لكنّهم يفترقون عند تحديد القانون الأمثل وعدد الدوائر الأفضل لعكس الإرادة الشعبية في الصناديق.
الدوائر والنظام
مرّت الدوائر برحلة طويلة، حيث كانت في السابق 10، ثمّ ارتفعت إلى 25 لترسو على 5 في نهاية المطاف.
طفا إلى سطح المشهد السياسي في الكويت نقاش جدّي مستفيض عن اعتماد “القوائم النسبية” لإصلاح النظام الانتخابي، الذي لطالما واجه انتقادات لناحية عدم العدالة التي تفضي إلى إفراز نواب لا يمثّلون الإرادة الحقيقية الكاملة للشعب الكويتي
تنقسم الانتخابات تاريخياً في الكويت إلى 4 حقبات:
1- منذ 1961 إلى 1975: جرت 5 مرّات على أساس 10 دوائر وصوتين لكلّ ناخب.
2- منذ 1981 إلى 2006: جرت 7 مرّات على أساس 25 دائرة وصوتين لكلّ ناخب.
3- منذ 2008 إلى 2012: جرت 3 مرّات على أساس 5 دوائر و4 أصوات لكلّ ناخب.
4- منذ 2012 إلى 2023: جرت 6 مرّات على أساس 5 دوائر وصوت واحد لكلّ ناخب.
بناء على القانون الساري حالياً، تنتخب كلّ دائرة 10 نواب بالتساوي، من أصل الـ50 نائباً الذين يتكوّن منهم مجلس الأمّة، لكنّ عدد الناخبين في الدوائر الخمس مُتفاوت، إذ يبلغ في الأولى نحو 100 ألف، وفي الثانية نحو 90 ألفاً، وفي الثالثة نحو 130 ألفاً، وفي الرابعة نحو 200 ألف، وفي الخامسة نحو 250 ألفاً.
يعني ذلك أنّ المرشّح في الأولى والثانية يكفيه الحصول على نحو 2,000 صوت للفوز، فيما يحتاج في الرابعة والخامسة إلى نحو 6 آلاف بالحدّ الأدنى.
في الانتخابات الأخيرة التي جرت في حزيران الماضي على سبيل المثال، حصل النائب الذي حلّ أخيراً في الدائرة الأولى على 2,700 صوت، وفي الثانية على 2,300 صوت، وفي الثالثة على 3,600 صوت، وفي الرابعة على 5,800 صوت، وفي الخامسة على 6,100 صوت.
يعود التفاوت إلى الكثافة السكانية في المناطق والمدن التي تتكوّن منها كلّ دائرة، لكنّ ميزة هذا النظام أنّه يجعل مجلس الأمّة متنوّعاً ويضمّ مختلف المشارب من إسلاميين شيعة وسنّة بمختلف تلاوينهم، وليبراليين سنّة وشيعة أيضاً، وقبليين ومحافظين وممثّلي العائلات الكبرى والمجتمع المدني وغيرهم.
التغيير والهدف
لكنّ هذا التنوّع لا يروق لكثير من المجموعات السياسية التي ترى أنّها قادرة على حصد كُتل وازنة في حال الانتقال من النظام الأكثري إلى النسبي، أو تغيير عدد الدوائر، أو زيادة عدد الأصوات التي يحقّ لكلّ ناخب الإدلاء بها.
تساند هذا الرأي آراء سياسية وازنة، لكن من منظور آخر، إذ ترى أنّ الانتقال للنظام الأكثري يتيح العمل الجماعي أكثر، ويرتقي بالأداء البرلماني، ويزيد من فاعلية الساحة التشريعية.
ومع تزايد تأييد “الإصلاح السياسي”، وبوّابته الحتمية “النظام الانتخابي”، بات الأمر مطروحاً في لجان مجلس الأمّة، وتحديداً اللجنة التشريعية والقانونية التي بدأت في الآونة الأخيرة دراسة تعديل النظام الانتخابي تمهيداً لإقراره مبدئياً في نهاية شهر كانون الأول الحالي، مع ما لذلك من تبعات سياسية كبيرة دفعت البعض إلى التحذير من التسرّع في تمرير قانون بهذا الحجم، من دون دراسة مُتأنّية ووافية، لا سيما مع الحديث عن “لحظة مصيرية في تاريخ الكويت السياسي تجري فيها مناقشة تصحيح المسار السياسي”.
تغيير النظام من دون دراسة وافية سيؤدّي إلى نشوء كتل طائفية وقبلية وحزبية، وستقوم بعد فوزها بإبرام صفقات مع الحكومة، وهو ما سيؤدّي إلى سيطرة تلك التيارات تدريجياً على مفاصل الدولة
قبل أسابيع، عُقدت في مجلس الأمّة ورشة عمل غير مسبوقة شارك فيها أعضاء اللجنة التشريعية ونواب حاليون وسابقون وإعلاميون مخضرمون وممثّلو جماعات سياسية وجمعيات نفع عامّ وجهات ذات علاقة، وشهدت نقاشات مستفيضة أظهرت وجود شبه إجماع على ضرورة تغيير النظام الانتخابي وتحسينه، لكنّها كشفت حجم الخلافات والتضارب في الرؤى للوصول إلى الهدف.
حجج المؤيّدين
يمكن اختصار الآراء والطروحات المؤيّدة للنظام النسبي في البوتقة التالية:
– القوائم النسبية تنقل العمل من الفردي إلى الجماعي، وتحمي من التزوير والتدخّلات السياسية.
– ضرورة إعطاء المواطن حقّه في المادّة 7 من الدستور المتمثّل في العدل والمساواة، من خلال منحه حقّ التصويت لأيّ مرشّح في أيّ دائرة.
– النظام الحالي يفرز 50 شخصاً و50 فكرة، فيما التغيير سيؤدّي إلى إفراز برامج.
– العمل الجماعي يفرض على النواب التجرّد من مصالحهم الشخصية.
– القوائم النسبية تصبّ في مصلحة الحكومة، لأنّها ستتعاون مع كتل كبيرة بدلاً من التعامل مع أفراد.
المخاوف
يورد أصحاب الرأي المعارض للقوائم النسبية، سلسلة من الحجج في موقفهم الرافض، أبرزها:
– تغيير النظام من دون دراسة وافية سيؤدّي إلى نشوء كتل طائفية وقبلية وحزبية، وستقوم بعد فوزها بإبرام صفقات مع الحكومة، وهو ما سيؤدّي إلى سيطرة تلك التيارات تدريجياً على مفاصل الدولة.
– نظام القوائم النسبية مُطبّق في دول لديها نظام حزبي، وتختلف عن الكويت في تعداد السكان وحجم الدوائر.
– تبنّي النظام الحزبي قبل تعديل قانون الانتخابات يتطلّب قوانين وبنية تشريعية.
– القول بغياب العدالة عن توزيع الدوائر غير دقيق، لأنّ التفاوت في أعداد الناخبين بين الدوائر أمر موجود حتى في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يوجد تفاوت كبير بين مختلف الولايات.
– التجارب العربية في القوائم النسبية غير مشجّعة، كما هو الحال في دول مثل العراق ولبنان، حيث زادت نسبة التخندق الفئوي والطائفي، مقابل تراجع الطروحات الوطنية.
آراء “الإخوان“
يعتقد مؤيّدو تغيير النظام الانتخابي أنّ أمامهم فرصة “تاريخية” قد لا تتكرّر، في ظلّ وجود حكومة متناغمة مع مجلس الأمّة، وفي مقدَّمهم جماعة “حدس” (الفرع الكويتي لجماعة “الإخوان المسلمين”)، التي أكّدت على لسان نوابها أنّ القوائم النسبية “تهدف للانتقال من الاختيار الفردي إلى الاختيار الجماعي، ومن الأفكار والأسماء إلى البرامج الوطنية”، وأنّه “لا داعي للتخوّف من ذلك لأنّ القانون المقترح هدفه القضاء تدريجياً على المطالب الفردية”.
وقد ذهب أحد نوابهم (حمد المطر) أبعد من ذلك، متحدّثاً عن أنّ “تطوير العمل السياسي الأشمل يرتبط بمناقشة إمكانية تعديل الدستور لتحقيق المزيد من المشاركة والحرّيات”، فيما قال النائب السابق وأحد أبرز كوادر “الإخوان” محمد الدلال إنّ القانون المقترح “سوف يجرّنا إلى قانون الأحزاب”.
إقرأ أيضاً: إسرائيل: إبادة جماعية… تنفيذاً لـ”وعد إلهيّ”
هل توافق الحكومة؟
لم يتّضح بعد رأي الحكومة في القوائم النسبية، لكنّها في السابق كانت صارمة في رفضه، إذ اعتبرت في 2022 أنّ هذا القانون “يُقنّن الأحزاب بشكل غير مباشر، ويكرّس الطائفية والقبلية، ويفتح باب الطعن بكثرة على نتائج الانتخابات، ويتّسم بالصعوبة والتعقيد”.
واستند رأي الحكومة آنذاك إلى أنّ المادة 80 من الدستور تنصّ على أن “يتألّف أعضاء مجلس الأمّة من خمسين عضواً، ينتخبون بطريق الانتخاب العامّ السرّي المباشر وفقاً للأحكام التي يبيّنها قانون الانتخاب”. وهذا يعني أنّ المشرّع الدستوري لم يقيّد حرّية الناخب والمرشّح في اتّباع آلية محدّدة لممارسة حقّ الانتخاب، حيث إنّ الناخب عندما يدلي بصوته لا بدّ أن يقصد مرشّحاً بشخصه وذاته، لا أن تُفرض عليه قائمةٌ فيها أسماء مرشّحين لا يرغب في انتخاب أحد منهم.