يوم الثلثاء الماضي، صُنّف لبنان رسمياً دولة متعثرة مالياً على نحوٍ غير منظّم (التعثر المنظّم يكون بالتفاهم مع الدائنين)، بعدما قررت الحكومة يوم السابع من آذار، ومن طرف واحد، تعليق سداد استحقاق آذار من سندات اليوروبوند. وتسعى الحكومة إلى إعادة جدولة كامل دينها من إصدارات اليوروبوند والبالغ قيمتها حوالي 30 مليار دولار، وليس فقط استحقاق آذار الماضي، بعدما استحقت كل السندات بفعل تخلّفها عن دفع إحداها، وفقاً لما تنصّ عليه اتفاقيات الإصدارات.
وتوزّع سندات اليوروبوند بين 11 مليار دولار يحملها أجانب بين صناديق استثمارية وأفراد، و5 مليارات و700 مليون دولار يحملها مصرف لبنان، و13 مليار دولار تحملها المصارف اللبنانية.
ويفترض إقناع 75 % من حاملي السندات بمبدأ التفاوض، للجلوس إلى طاولة الحوار وإقناعهم بإعادة جدولة الدين، وإلا فإنّ لبنان سيضطر إلى الوقوف أمام محاكم نيويورك لمقاضاته. وبما أنّ صندوقي “أشمور” و”فيدليتي” يحملان أكثر من 25 %، أي أكثر من الربع المعطل، فلا بدّ من إقناعهما بمبدأ التفاوض، لتبدأ مسيرة الحوار بين الجانبين، قد يكون تاريخ انطلاقها معروفاً، لكن تاريخ انتهائها مجهول حتماً.
إقرأ أيضاً: د. ريان عسّاف عن مفاوضات “اليوروبوندز”: خيارات لبنان صعبة
وبينما كان ُينتظر من شركة “لازارد” المالية التي كلفتها الحكومة اللبنانية التفاوض مع الدائنين، أن تقدّم أولى إشارات الانطلاق في هذا المسار الطويل، حلّت كارثة الكورونا على العالم وشلّت الحركة في الأسواق العالمية وألحقت الصناديق الاستثمارية بخسائر بمليارات من الدولارات، ما جعل من مسألة الدين اللبناني… ثانوياً. ولربما غير وارد راهناً على أجندة اهتمامات الصناديق الاستثمارية.
ومع ذلك، لا يبدي المعنيون بالملف المالي خشية من مرور “وقت ضائع” بسبب الكارثة الإنسانية – الاجتماعية – المالية التي حلّت بكل دول العام، وتأثيرها في المسار التفاوضي المرتقب مع الدائنين الأجانب. ويتحدثون عن مسار طويل جداً، لن تؤثر فيه بعض الأيام “بالزايد أو بالناقص”.
بالتفصيل، يتبيّن أنّ بعضاً من الدائنين الأجانب سبق لهم أن تواصلوا مع مسؤولين لبنانيين وقدّموا بعض العروض التي لم تكن مشجعة بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية، ما دفعها إلى التمسك بخيار تعليق الدفع مع تأكيد حسن نيتها.
السلطات اللبنانية تدرك جيداً أنّ المسار التفاوضي سيكون طويلاً ومعقداً ولن تتضح معالمه بين ليلة وضحاها وسيتطلب جهداً من الشركة الممثّلة للدولة اللبنانية
ويؤكد المعنيون أنّ شركة لازارد هي من تتولى اليوم هذا الملف من خلال إعداد قواعد التفاوض التي ستعرضها على الجهات الدائنة، ولكن التطورات الحاصلة عالمياً جراء الكوارث التي يسببها فيروس كورونا هو الذي يؤخر انطلاق المفاوضات، مع أنّ ثمة تواصلاً بين الشركة المالية وبعض الصناديق الدائنة التي لم تعط بعد جواباً دقيقاً قد يحدّد المسار الذي ستتخذه.
ويشير المعنيون إلى أنّ السلطات اللبنانية تدرك جيداً أنّ المسار التفاوضي سيكون طويلاً ومعقداً ولن تتضح معالمه بين ليلة وضحاها وسيتطلب جهداً من الشركة الممثّلة للدولة اللبنانية، ولكن في الوقت عينه، لا خشية من التوجه إلى المحاكم الدولية اذا ما رفض الدائنون مبدأ التفاوض، ذلك لأنّ الجهة اللبنانية مرتاحة لموقعها القانوني، كما وضّحته شركة “كليري غوتليب” القانونية. ولا خوف على موجودات مصرف لبنان وعلى شركة طيران الشرق الأوسط كما كان يهوّل البعض.
في المقابل، يعتبر المعنيون بالملف المالي أنّ الفوضى الحاصلة عالمياً لا تعتبر فرصة مناسبة للبنان للتفاهم مع الدائنين الأجانب خصوصاً الصناديق الاستثمارية التي تعاني من أضرار مالية كبيرة، مشيرين إلى أنّ هذه الصناديق تفضل التريث في الوقت الحالي لمعالجة ملفات كملف لبنان وتركه جانباً عوضاً عن التفاهم راهناً مع الدولة اللبنانية تحت وطأة التدهور المالي العالمي.
ولذا، حتى الآن، لم يتبلّغ لبنان على نحوٍ رسمي موافقة 75 % من حاملي سندات اليوروبوند على بدء المفاوضات لإعادة جدولة الـ30 مليار دولار، كما لم يتبلّغ نية هؤلاء بالذهاب إلى المحاكم لمقاضاته. ولا يزال لبنان بين المنزلتين.