العراق: تحالفات سنّيّة برعاية شيعيّة (3/2)

مدة القراءة 5 د


يمكن القول إنّ المسار الذي اتّخذته الأحداث والتطوّرات على الساحة الداخلية العراقية، بعيداً عن التوتّر الحاصل من جرّاء العمليات العسكرية التي تقوم بها بعض الفصائل والميليشيات ضدّ السفارة والقواعد الأميركية، قد صبّ في مآلاته النسبية في مصلحة “الإطار التنسيقي” الذي يُعتبر عرّاب الحكومة العراقية الحالية بقيادة محمد شياع السوادني.

إضعاف مصادر الخطر السنّيّ
استكمل “الإطار التنسيقي” دائرة إضعاف مصادر الخطر على سلطته في إحكام السيطرة على مفاصل القرار العراقي السياسي والتنموي وحتى الاقتصادي. بدايةً بمحاصرة الطموحات الكردية وتحديداً مركز الإقليم بقيادة مسعود بارزاني، ومن بعده إضعاف المنافس السنّي الطامح للعب دور محوري في المعادلة العراقية محمد الحلبوسي بتوجيه ضربة لم تصل حدّ أن تكون قاضية، إلّا أنّها تركته مترنّحاً فاضطرّ إلى البحث عن تسويات تبقيه حيّاً على الساحة السياسية من خلال استمرارية حزبه “تقدّم” في النشاط والمشاركة في الانتخابات المحلّية.
عزّزت هذه التطوّرات الشعور لدى المكوّن السنّي بكلّ أطيافه بأنّ أيّ طرف يسعى إلى العمل السياسي بحرّية لا بدّ أن يمرّ من بوّابة التنسيق مع القوى الشيعية أو ما يسمّى “الإطار التنسيقي”، وهو ما عزّز الشعور بوجود فائض قوّة ونفوذ لدى هذه القوى جعلها ترفع من مستوى طموحاتها وتسعى إلى توسيع دائرة نفوذها من بوّابة الانتخابات المحلية، والدخول إلى المحافظات السنّية من خلال نسج تحالفات مع أحزاب سنّية تسمح لها بترشيح ممثّلين عنها أو تشكيل تحالفات سنّية بالتنسيق معها، الأمر الذي يكشف نواياها بتحيّن الفرص لاختراق المناطق ذات الأغلبية السنّية، والعودة إلى التأثير في المشهد السياسي في المحافظات التي تمثّل هذا المكوّن.

تتوزّع التحالفات في المحافظات الغربية والشمالية التي تشكّل مناطق غالبية المكوّن السنّي بين أربعة تحالفات رئيسة تتنافس فيما بينها وتخوض حرباً مفتوحة

في مقابل التحالف الأبرز داخل المكوّن السنّي، أي “تحالف القيادة” الذي يضمّ حزب الحلبوسي “تقدّم” وحزب خميس الخنجر “السيادة”، فإنّ “الإطار التنسيقي” لم يتردّد في الكشف عن دعمه الواضح للتحالف الثالث “العزم” بقيادة مثنّى السامرائي عضو “الإطار التنسيقي” الذي أعلن لائحته لهذه الانتخابات. ثمّ تحالف “عزم” الذي يقوده وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي ومعه كلّ المتضررين من صعود “تحالف القيادة” (الحلبوسي – الخنجر) في الأنبار مثل وزير المالية الأسبق رافع العيساوي وسطام أبو ريشه نجل زعيم الأنبار ستار أبو ريشه الذي اغتالته جماعة تنظيم القاعدة، ونجم الجبوري في محافظة نينوى وغيرهم.
يسعى “الإطار التنسيقي” إلى اختراق المحافظات السنّية وتوزيع النفوذ فيها بين القوى الرئيسية وبعض الحلفاء والأصدقاء لـ”الإطار” بحيث يمكنه أن يكون شريكاً في قرار هذه المحافظات ويقطع الطريق على طموحات كبيرة كما كانت الحال مع الحلبوسي قبل قرار المحكمة الاتحادية بإنهاء عضويّته البرلمانية وإسقاطه من رئاسة البرلمان التي بدأت تتحوّل إلى عبء على جميع القوى السياسية. بالإضافة إلى فرض معادلة تبادليّة بأن يكون له مرشّحون ولوائح أو قوائم متحالفة معه على غرار ما قام به تحالف “السيادة” من إعلان لوائح خاصة ودعم أخرى في بعض محافظات الوسط والجنوب في البصرة وديالى وكركوك.

خارطة القوى السنّيّة
تتوزّع التحالفات في المحافظات الغربية والشمالية التي تشكّل مناطق غالبية المكوّن السنّي بين أربعة تحالفات رئيسة تتنافس فيما بينها وتخوض حرباً مفتوحة من أجل النفوذ والاستحواذ على تمثيل المكوّن، في حين يسود بينها ما يمكن تسميته قواعد اشتباك في محافظات الوسط والجنوب ذات الغالبية الشيعية، وتعود لتحتدّ العلاقة فيما بينها في بغداد العاصمة، وبخاصة أنّ “الإطار التنسيقي” خاض معركته مع التيار الصدري واتّهمه بمحاولة إضعاف المكوّن الشيعي من بوابة إضعاف موقعه في انتخابات مجلس محافظة العاصمة لمصلحة المكوّن السنّي.
في مقدَّم هذه التحالفات يأتي تحالف “تقدّم” الوطني بقيادة محمد الحلبوسي الذي يضمّ معه حزب المشروع الوطني والخيار العربي وحزب الحق وحزب البواسل.

يأتي في المرتبة الثانية تحالف “الحسم الوطني” بقيادة وزير الدفاع ثابت العباسي الذي يضمّ كلّ المتضرّرين من سياسات وتفرّد الحلبوسي بالقرار السنّي، ويشارك فيه كلّ من قوى وأحزاب متّحدون والحلّ وصدى الوطن وحركة العدل وتجمّع التنمية وحزب الانتماء وحركة حسم للإصلاح وحزب المجد والكتلة العراقية الحرّة.
أمّا تحالف “عزم” بقيادة مثنّى السامرائي عضو “الإطار التنسيقي” فيأتي في المرتبة الثالثة، ويضمّ “تجمّع من أجل الديمقراطية” وحزب الجماهير الوطنية وتجمّع الوحدة العراقية. في حين تحتلّ لوائح تحالف “القيادة” للسنّة في محافظات البصرة وواسط وكركوك وبابل المرتبة الرابعة، وهو تحالف بين تقدّم – الحلبوسي والسيادة – الخنجر.

إقرأ أيضاً: العراق: الانتخابات المحلّيّة والأوزان الشيعيّة (3/1)

أمّا النسب المتوقّع أن يحصل عليها كلّ من القوى الرئيسة في هذه التحالفات فتتوزّع كالآتي: 45 في المئة ستذهب إلى حزب تقدّم – الحلبوسي من دون الأخذ بعين الاعتبار الآثار السلبية التي نتجت عن قرار إقالته وإخراجه من رئاسة البرلمان وما تبعه من خطوات لتفكيك مصادر قوّته وسيطرته على مفاصل الخدمات، خاصة في محافظة الأنبار، بتهم الفساد. إذ من المحتمل أن يخسر جزءاً من هذه النسبة أمام تحالفَيْ “عزم” و”حسم” المنافسين، في حين ستكون الفرصة سانحة أمام الخنجر وحزبه “السيادة” لتحسين مواقعه في محافظة نينوى – الموصل.

 

*غداً في الحلقة الثالثة: الصدر يتمسك بالمقاطعة ويتراجع عن التعطيل

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…