نصّت الاتفاقية التي وقّعها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السابق علي شمخاني، مع مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي في آذار 2023، على احترام كلّ طرف سيادة البلد الآخر وعدم السماح لأيّ طرف باستخدام أراضي أيّ من البلدين للاعتداء على بلد ثالث أو تحويل العراق إلى ساحة أو منطلق للاعتداء على طرف ثالث أو مكان لتصفية الحسابات والحروب بين القوى المتصارعة في الإقليم على حساب السيادة العراقية، في إشارة عراقية واضحة إلى الصراع الإيراني الأميركي الذي جعل من الأراضي العراقية مسرحاً لتبادل الرسائل بينهما.
الاتفاقية والتعاون الموقّعان بين العراق وإيران وُضعا قيد التنفيذ كإحدى نتائج اتفاقية بكين، فإنّ العراق من خلال الحوارات التي بدأها مع واشنطن تحت مسمّى “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية”، حاول تكريس تفاهمات على مبدأ احترام السيادة العراقية بما ينسجم مع مواثيق الأمم المتحدة التي تحكم العلاقات الدبلوماسية بين الدول وشروط ومحدّدات وجود القوات الأميركية أو التحالف الدولي الذي عاد إلى العراق في إطار مساعدته في حربه ضدّ داعش والإرهاب.
قالت المعلومات إنّ الجهة التي تقف وراء هذا الاستهداف هي الجهة أو التيار الذي يقاطع العملية السياسية وسعى إلى التأثير على الانتخابات المحلّية (مجالس المحافظات) ودفع الحكومة لتأجيلها
إيران لم تعُد تحتاج لإيرانيّين… بوجود أذرعها
لم تكن إيران عملياً بحاجة إلى وجود عسكري مباشر، باستثناء من بقي من مستشارين عسكريين يحظون بغطاء قانوني وفّره طلب رسمي من الحكومة العراقية بالتزامن مع طلبها تدخّل القوات الأميركية عام 2014 وتشكيل “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”. وانتفاء الحاجة إلى إيران بالنسبة إلى الدولة العراقية لا يعني أنّها قد أخلت الساحة للجانب الأميركي الذي يشكّل وجوده مصدر قلق دائم وتهديد لطهران والنظام فيها، أو انطلاقاً من مبدأ الالتزام باحترام السيادة العراقية، بل لوجود فصائل وميليشيات أنشأتها تتولّى هذه المهمّة وتعمل كأذرع لها على الساحة العراقية، الأمر الذي يوفّر المساحة للإيراني لتنفيذ الأهداف التي يريدها من دون أن يتحمّل المسؤولية المباشرة عمّا تقوم به هذه الفصائل والأذرع.
هذا الميزة لإيران المتمثّلة بالأذرع الميليشياوية العراقية، إذا جاز التعبير، والتي وظّفتها بالطريقة التي تخدم الاستراتيجية التي رسمها المرشد الأعلى بعد 3/1/2020 وعملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، والتي تتمحور على هدف إخراج القوات الأميركية من منطقة غرب آسيا، وتحديداً من العراق وسوريا، لم تتوفّر للجانب الأميركي الذي من أجل الردّ على الاعتداءات التي تستهدف قواعده العسكرية في العراق وسوريا، مجبر على التدخّل مباشرة واستخدام ما يملكه من قوات وقواعد للردّ على هذه الاعتداءات والاستهدافات، خصوصاً بعد فشل القوات الأميركية في تحويل الجيش العراقي والحكومة إلى أداة تحمل عنها هذا العبء والتحدّي، وأنّ الجهة التي تقوم بهذه العمليات ترتبط بـ”هيئة الحشد الشعبي” الذي تحوّل إلى كيان عسكري قانوني بناء على الأمر الديواني 91 الصادر عن رئاسة الوزراء بتاريخ 26 شباط/2016، وبات جزءاً أو صنفاً من صنوف القوات المسلّحة الخاضعة لإمرة القائد العام للقوات المسلّحة رئيس مجلس الوزراء، على غرار سائر القوات العسكرية الأخرى من جيش وشرطة اتحادية وقوات جوّية ومكافحة الإرهاب والتدخّل السريع.
كشفت التحقيقات التي أجرتها الجهات الأمنية في حادثة استهداف السفارة الأميركية أنّ الجهة التي تقف وراء هذا الاعتداء لا تنتمي لأيّ من الفصائل أو الميليشيات التي دخلت في مواجهة مع القواعد الأميركية، وأنّ هذه الفصائل ما زالت ملتزمة بالسقف السياسي الذي التزمت به قوى “الإطار”
السوداني محرج من الأميركيّين
على الرغم من موجة الاعتراض التي أثارتها مواقف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والتي أدان فيها عملية استهداف السفارة الأميركية في بغداد يوم 8/12/2023 ووصفها بـ”الإرهابية”، والجهود التي بذلها مع الجانب الإيراني لضبط هذه العمليات من بوّابة التمسّك بالسيادة العراقية وعدم تحويل العراق إلى ساحة مواجهة وحروب بالإنابة، وترجمتها زيارته السريعة لطهران واللقاء الذي عقده مع المرشد الأعلى، بعد ساعات من زيارة عسكرية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لبغداد، إلا أنّ عمليات الردّ الأميركي التي توزّعت على الداخل العراقي في بغداد والكوت وبابل وجرف الصخر وكركوك، شكّلت إحراجاً كبيراً للحكومة العراقية وحتى قوى وأحزاب “الإطار التنسيقي” ووضعتها أمام ضغوط داخلية وتحدّي الشعار الذي ترفعه في الحفاظ على السيادة العراقية.
في معلومة خاصة، كشفت التحقيقات التي أجرتها الجهات الأمنية في حادثة استهداف السفارة الأميركية أنّ الجهة التي تقف وراء هذا الاعتداء لا تنتمي لأيّ من الفصائل أو الميليشيات التي دخلت في مواجهة مع القواعد الأميركية، وأنّ هذه الفصائل ما زالت ملتزمة بالسقف السياسي الذي التزمت به قوى “الإطار” بعدم استهداف البعثات الدبلوماسية.
قالت المعلومات إنّ الجهة التي تقف وراء هذا الاستهداف هي الجهة أو التيار الذي يقاطع العملية السياسية وسعى إلى التأثير على الانتخابات المحلّية (مجالس المحافظات) ودفع الحكومة لتأجيلها.
إقرأ أيضاً: السوداني يطلب انسحاباً أميركيّاً… من المنطقة؟
العملية الأمنيّة الأخيرة التي قامت بها القوات الأميركية واستهدفت نائب قائد عمليات حزام بغداد في “الحشد الشعبي” أبا تقوى السعيدي الذي ينتمي إلى “حركة النجباء” المدرجة على لائحة الإرهاب الأميركية مع ثلاثة فصائل أخرى هي “كتائب حزب الله” و”كتائب سيّد الشهداء” و”حركة أنصار الله الأوفياء”، يبدو أنّها أحكمت دائرة ضغوط الفصائل على رئيس الوزراء السوداني بوصفه القائد العامّ للقوات المسلّحة، ودفعته للخروج من مستوى التلويح بإعادة النظر في اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن إلى الحديث عن إمكانية الانتقال إلى اعتماد خطوة تنفيذية رسمية لإنهاء الوجود العسكري لقوات التحالف الدولي، ومن بينها القوات الأميركية.