العراق: “التنسيقي” الشيعي يعمل على “فتفتة” الأكراد والسنّة…

2023-07-21

العراق: “التنسيقي” الشيعي يعمل على “فتفتة” الأكراد والسنّة…


على الرغم من فشل كلّ المحاولات التي حصلت في العراق على مدى العقدين الماضيين لإعادة إنتاج النظام الفدرالي العراقي، وعدم حصره في الفدرالية مع إقليم كردستان على أساس المكوّن القومي (إربيل والسليمانية ودهوك)، والتي تعني فشل كلّ الجهود التي عملت على تشكيل إقليمين جديدين على أساس المكوّن المذهبي، واحد في المحافظات الغربية (الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى) للمكوّن السنّي، وآخر في محافظات الوسط والجنوب (كربلاء والنجف والعمارة والكوت والمثنّى وذي قار وغيرها) للمكوّن الشيعي، إلا أنّ فدرالية جدّية بدأت تفرض نفسها داخل هذه المكوّنات، والمكوّن الكردي وإقليماه ليسوا بعيدين عنها. هي فدرالية صراعات داخل هذه المكوّنات، صراعات تأخذ طابع المعركة على زعامة كلّ مكوّن وحصر مصادر تمثيله في جهة واحدة، كمقدّمة لتكريسها الممثّل الحصري لكلّ واحد من هذه المكوّنات.

ما يوحّد المشهد في هذه الصراعات أنّ المعركة داخل كلّ مكوّن تدور بين طرف يوصف بأنّه الأقوى وبين آخرين متعدّدين ومتنوّعين لا يجمع بينهم سوى العداء للطرف الخصم.

لا تبدو المشهدية على ساحة المكوّن السنّيّ أو المحافظات الغربية أقلّ تعقيداً ممّا هي داخل المكوّن الكردي. فأوجه الشبه بين الساحتين تبدو في أحد أبعادها مشتركة وذات مصدر واحد

تعود معركة التمثيل والقرار داخل المكوّن الكردي في جذورها إلى زمن العهد السابق وسلطة البعث، عندما شهدت محافظات الإقليم صراعات ومعارك دموية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني الذي انشقّ عن الزعامة البارزانية. وكان الأخير اتّخذ من محافظات السليمانية منطقة نفوذ مستقلّة لجماعته، ولم تتراجع حدّة الصراع والمعارك إلا بعد الاتفاق على حالة تعايش فرضتها المتغيّرات الناتجة عن سقوط النظام والاحتلال الأميركي للعراق وما قام به هذا الاحتلال من دور في تنظيم الخلافات بين الطرفين الكرديَّين.

الصراع الكرديّ – الكرديّ

في المقابل، فإنّ ما تشهده الساحة الكردية في هذه المرحلة من صراعات يكشف أنّ حالة التعايش بين الطرفين دخلت في أزمة حقيقية، وتضع العلاقة بينهما على حافة الطلاق والافتراق. وقد تزداد حدّة وتفاقماً خلال الأشهر المقبلة، على خلفيّة الصراع على الانتخابات المحلّية، وعلى خلفيّة معركة الانتخابات البرلمانية الخاصّة بالإقليم المنتظرة في العام المقبل، مع ما تعنيه من توزيع موازين القوى والتمثيل بين هذين الحزبين وتحديد مستوى وحجم المشاركة في حكومة إدارة الإقليم التي لا تقتصر على هذين الحزبين بل تضمّ أحزاباً أخرى استطاعت حفر مكان لها على الخارطة الكردية كالأحزاب الإسلامية وحزب الجيل الجديد بزعامة سشوار عبد الواحد، المغيّبة قسراً عن المشاركة بقرار بارزاني – طالباني.

إلى جانب ذلك هناك تعقيد آخر ناتج عن أزمة العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، بسبب وجود أطراف في بغداد تقف إلى جانب السليمانية وزعيم حزب الاتحاد بافل طالباني، بهدف إضعاف موقف قيادة إربيل والبارزاني الذي فرض نفسه شريكاً أساسياً في قرار الاتحاد واستطاع التفرّد بقرار الإقليم على حساب شركائه الآخرين من الكرد.

يبدو أنّ المسافة الزمنية الباقية لمعركة الانتخابات المحلية للمحافظات، المقرّرة في شهر كانون الأول المقبل، ستشهد مزيداً من المعارك بين أقطاب في المحافظات الغربية وبين الحلبوسي لمنعه من تكريس نفسه زعيماً أوحد للمكوّن

السُّنّة: “بلغصة” “الإطار التنسيقيّ”

لا تبدو المشهدية على ساحة المكوّن السنّيّ أو المحافظات الغربية أقلّ تعقيداً ممّا هي داخل المكوّن الكردي. فأوجه الشبه بين الساحتين تبدو في أحد أبعادها مشتركة وذات مصدر واحد. ولا يخفى على أحد أنّ “الإطار التنسيقي” أو الأحزاب والقوى الشيعية تتحمّل المسؤولية عن تقوية الصراعات بين السُّنّة. تخوفاً من قدرة كامنة وممكنة لدى المكوّنات الأخرى على إنتاج قيادة أو زعامة واحدة تستطيع فرض نفسها على الآخرين كممثّل أقوى وأوسع تأييداً داخل مكوّنها. فكان القرار لدى هذه الأحزاب (الشيعية) على وجوب أن تكون الشراكة في كلّ شيء وألّا تقتصر فقط على السلطة ومغانمها ومكاسبها. فعملت على نقل حالة التعدّدية في التمثيل والانقسام والصراع الموجود داخل المكوّن الشيعي إلى باقي المكوّنات، بما يؤدي إلى عدم السماح بظهور زعيم فرد داخل هذه المكوّنات.

يمكن القول إنّ قوى “الإطار التنسيقي” استطاعت تحقيق ذلك نسبياً على ساحة المكوّن الكردي، أوّلاً من خلال الإمساك بمفاتيح ميزانية الحكومة وفرض الحكومة الاتحادية شروطها على حكومة الإقليم واستعادة دورها وسيطرتها على المنافذ البرّية والجوّية والعائدات المالية من الجمارك، إضافة إلى إلزام الإقليم بتسليم عائدات بيع نفط شركة نفط الشمال إلى خزينة الدولة، وإبقاء مسألة قانون النفط والغاز في حالة من الإبهام. وهو ما شكّل جزءاً من الصفقة التي عقدها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع حكومة الإقليم. ويضاف إلى ذلك اللعب على توازنات الإقليم من خلال وقوف “الإطار التنيسقي” إلى جانب السليمانية وحزب الاتحاد الوطني بقيادة طالباني لمزيد من إضعاف حكومة الإقليم وقيادة مسعود بارزاني.

أمّا المكوّن السنّي فقد بدأ التصويب مبكراً على رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي استغلّ موقعه داخل معادلة السلطة لتعزيز قواعده الشعبية داخل المكوّن السنّي على حساب القوى والأحزاب الأخرى، ومن بينها شركاؤه في التحالف مثل خميس الخنجر زعيم حزب المشروع العربي. وقد استفاد من النتائج التي حقّقها حزبه “تقدّم” في الانتخابات البرلمانية وحصوله على غالبية مقاعد هذا المكوّن في كلّ المحافظات الغربية وليس فقط في الأنبار.

حرب قضائيّة على الحلبوسي

لم يحصل تمرير الحكومة الحالية برئاسة السوداني المحسوبة على “الإطار التنسيقي” من دون موافقة وشراكة الأكراد والحلبوسي الذي أُسندت إليه قيادة أو رئاسة التحالف الذي أنتجته “إدارة الدولة”. لكنّ القرار داخل أروقة “الإطار” ذهب باتجاه العمل على إضعاف مواقع القرار داخل المكوّنين ودعم قوى جديدة منافسة، بما يساعد على توزيع مراكز القرار وإنتاج صراعات على النفوذ والمصالح بينها.

إقرأ أيضاً: العراق: الصدر “يعود”.. على “حصان” قرآني

جاءت المؤشّرات الأولى لبداية الصراع على الزعامة داخل المكوّن السنّي بمواجهة الحلبوسي من جهة القضاء الذي أسقط التهم عن كلّ القيادات السنّية الملاحَقة، كعلي الحاتم ورافع العيساوي وأحمد العلواني. ثمّ بدأ العمل على تضخيم دور سطام أبو ريشه نجل الزعيم الأنباري عبد الستار أبو ريشه. ثمّ انتقلت الأمور إلى صراع مفتوح بين الحلبوسي وأجهزة الدولة، حتى إنّ رئيس الوزراء يعمل على استعادة المواقع الإدارية والعسكرية الخاضغة لإشرافه المباشر بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية والقائد العامّ للقوات المسلّحة من سيطرة الحلبوسي، ووصل الأمر حدّ إطلاق يد أجهزة هيئة النزاهة في ملاحقة كبار المسؤولين في إدارة محافظة الأنبار التابعين للحلبوسي والكشف عن ملفّات فساد كبيرة تطالهم قاموا بها بغطاء أو بالاستفادة من الغطاء الذي يوفّره لهم قربُهم من رئيس البرلمان.

يبدو أنّ المسافة الزمنية الباقية لمعركة الانتخابات المحلية للمحافظات، المقرّرة في شهر كانون الأول المقبل، ستشهد مزيداً من المعارك بين أقطاب في المحافظات الغربية وبين الحلبوسي لمنعه من تكريس نفسه زعيماً أوحد للمكوّن.

مواضيع ذات صلة

عمليّة “البيجر” و”اللاسلكي”.. أميركا نصحت وإسرائيل نفّذت

ما يوصف بالخيال العلمي سينمائياً يصبح واقعياً في الكثير من المجالات، ومنها العسكري، فيتسبّب بآلامٍ ومآسٍ. هذا ما شهده لبنان المصدوم، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، باستخدام…

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…