السّعوديّة: المبادرة العربيّة مقابل التطبيع

مدة القراءة 6 د


هل بات التطبيع السّعوديّ – الإسرائيلي قريباً؟
الباحثُ عن الإجابة لهذا السّؤال السياسي المتعاظم في هذا السياق، لا بدّ له من الذهاب إلى الإدارة السعودية الجديدة، وأن يرذل كلّ مقالات مراكز الأبحاث التي تشبه مواقف السيارات المُسبقة الأجر، والتي تديرها “قوى ضغط ـ لوبينغ” تعمل غبّ الطلب ولمن يموّل. يحصل ذلك في لحظة يتدفّق فيها سيلٌ من المقالات التي تنقل عن “لسان” مصادر مُقرّبة من إدارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن، من دون أن يكونَ هناك أيّ مصدر سعوديّ لهذه المعلومات.

رأيان… في واشنطن
في واشنطن رأيٌ يقول إنّ التطبيع بين الرّياض وتل أبيب ليسَ قريباً، إلّا أنّ المُقرّبين من إدارة الرّئيس الأميركيّ يقولون العكس. ففي البيت الأبيض من يقول إنّ اندفاعة الإدارة الأميركيّة نحو العودة العسكريّة والسّياسيّة إلى الشّرق الأوسط تُشكّل عامل اطمئنان للرّياض وتل أبيب يجعلهما يثقان مُجدّداً بالجدّيّة الأميركيّة في ردع التهديد الإيرانيّ.
عن هذه التحرّكات، يقول مصدرٌ في الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إنّ الغرض من إرسال المارينز إلى الخليج وتعزيز الوجود العسكريّ هُناك هو حثّ إيران على العودة إلى الاتفاق النّوويّ قبل نفاد السّبل الدّبلوماسيّة. وتعتقد الإدارة الأميركيّة أنّ إبرام اتفاق سلام سعوديّ – إسرائيليّ برعاية أميركيّة وتخصيص مظلّة حماية أميركيّة للمملكة ودعم برنامج نووي سعوديّ هي “أفضل تعويض للشّركاء في المنطقة في حال عادت إيران إلى التزام بنود اتفاق 2015، وهي أفضل ردّ أيضاً في حال أصرّت إيران على عدم الالتزام”.

يقول مصدرٌ في الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إنّ الغرض من إرسال المارينز إلى الخليج وتعزيز الوجود العسكريّ هُناك هو حثّ إيران على العودة إلى الاتفاق النّوويّ قبل نفاد السّبل الدّبلوماسيّة

يُؤكّد المصدر أنّ الحشود العسكريّة الأميركيّة في المنطقة تهدف إلى الحدّ من نفوذ إيران في المنطقة وقطع طريق طهران – بيروت عبر البوكمال، في حال لم يحصل أيّ تقدّم دبلوماسيّ في هذا الخصوص.

“بروباغندا” تعوّض عن مشهد
عملياً، تسعى الإدارة الأميركيّة إلى تعويض الإخفاقات الدّبلوماسيّة والسّياسيّة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا قبل موعد الانتخابات الرّئاسيّة في تشرين الثّاني 2024. لكن عبثاً تحاول ذلك، وهي التي لم تستطع أن توسّع مروحة اتفاقيّات السّلام العربيّة مع إسرائيل.
ترافق ذلك مع مشهد رسخ في الأذهان للانسحاب الكارثيّ من أفغانستان، الذي أعاد نبش مشهد مماثل في الذاكرة للانسحاب من سايغون تركت فيه واشنطن حلفاءها لأقدارهم في مواجهة “شيوعية عنيفة” من العسير التفاهم معها على شيء.
الولايات المتحدة هذه هي التي عجزت عن إعادة إيران إلى الالتزام بالاتفاق النّوويّ بعد انسحاب الإدارة السّابقة، فيما دخلت الصّين وروسيا المنطقة الحيوية الأميركيّة في الخليج على وقع اتفاقات واسعة بين دول الخليج العربيّ وكلّ من بكّين وموسكو.
كان توقيع الاتفاق السّعوديّ ـ الإيرانيّ برعاية الصّين أبرزَ المشاهد التي تُؤكّد إخفاقات الإدارة الأميركيّة في الشّرق الأوسط.
سلسلة الإخفاقات “البايدنيّة” هذه تُفسّر كميّة الأنباء التي تبثّها الإدارة الدّيمقراطيّة عن “التقدّم” نحو توقيع اتفاق سلام سعوديّ – إسرائيليّ، ذلك أنّ المملكة العربية السعودية ما تزال على موقفها: المبادرة العربية مقابل التطبيع. ولئن لم يكن احتمال التّوصّل إلى اتفاق سلام بين الرّياض وتل أبيب مُستحيلاً، لكنّ أُمنيات إدارة بايدن قد تصطدمُ بعدّة عراقيل سعوديّة وإسرائيليّة على هذه الطّريق.

سعوديّاً.. البحثُ عن شريكٍ أميركيّ
منذ حملته الانتخابيّة، دأبَ بايدن على كيل الاتّهامات للسّعوديّة وقيادتها، مُتوعّداً بـ”جعلها دولة منبوذة”. ويومَ وصلَ إلى المكتب البيضاويّ، سارَعَت إدارته إلى تجميد صفقات سلاح كانت إدارة سلفه دونالد ترامب أبرمتها مع المملكة والإمارات. وألغى أيضاً قرار إدارة ترامب تصنيف ميليشيات الحوثيّ منظّمة إرهابيّة.
تركَت تصرّفات الإدارة الدّيمقراطيّة في السّعوديّة شعوراً أنّ الولايات المُتحدة تحت حُكم الجناح اليساريّ في الحزب الدّيمقراطيّ “ما عادت شريكاً موثوقاً للمملكة”.

يُؤكّد المصدر أنّ الحشود العسكريّة الأميركيّة في المنطقة تهدف إلى الحدّ من نفوذ إيران في المنطقة وقطع طريق طهران – بيروت عبر البوكمال، في حال لم يحصل أيّ تقدّم دبلوماسيّ في هذا الخصوص

في الوقت عينه، كانت السّعوديّة تُنفّذ سياستها الخارجيّة الجديدة القائمة على تنويع التحالفات الدّوليّة، فأبرمَت اتفاقيات استراتيجيّة مع روسيا والصّين، في رسائل واضحة تفيد بتضعضع ثقتها بالولايات المتحدة الأميركية.
على الرّغم من زيارة الرّئيس الأميركيّ للسّعوديّة الصّيفَ الماضي، لم يستطع أن يردُمَ الهوّة الواسعة في العلاقات بين البلديْن، التي ازدادت مع اختلاف وُجهات النّظر بشأن سوق الطّاقة ومُقرّرات “أوبك بلاس” بشأن أسعار النّفط.
كان لا بُدّ من ذكر هذه الأسباب للقول إنّ رأياً في واشنطن يميل إلى أنّ وليّ العهد السّعوديّ لن يُعطي هذه “الهديّة” الانتخابيّة لبايدن، بل قد يُفضّل انتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات المُقبلة في واشنطن، علّها تأتي برئيسٍ يستطيع السّعوديّون أن يبنوا معه شراكة استراتيجيّة .

نتانياهو بالمثل؟
في تل أبيب مشهد الاحتدام مع واشنطن لا يختلف كثيراً. هُناك يقودُ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وائتلافه اليمينيّ المُتطرّف حرباً سياسيّة مع المُعارضة بسبب ما بات يُعرف بـ”الإصلاحات القضائيّة”.
ذهبَ الخلاف بعيداً وصارَ انقساماً عموديّاً أيديولوجيّاً بين اليمين وحركة الصّهيونيّة الدّينيّة من جهة، وأحزاب الوسط واليسار واليهود العلمانيين ومعهم ضُبّاط من الجيش من جهة أخرى.
سارعَت إدارة بايدن إلى تأييد المُعارضة الإسرائيليّة في معركتها ضدّ نتانياهو، وهذا الاتّهام وجّهه حزب الليكود وشركاؤه إلى واشنطن.
سُجِّلَت أيضاً سابقة في العلاقة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة تجلّت في عدم توجيه الإدارة الأميركيّة دعوةً لنتانياهو إلى زيارة البيت الأبيض بعد فوزه بالانتخابات التشريعيّة وتشكيله الحكومة.

إقرأ أيضاً: التطبيع مع نظام الأسد أطاح بأيّ حلّ حقيقيّ للأزمة السوريّة

قد يدفع هذا التّوتّر حكومة نتانياهو إلى أن تمتنع عن تقديم “الهدايا الانتخابيّة” لبايدن على الرّغم من أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ قال صراحة إنّ أولويّة حكومته أن تُبرمَ اتفاقَ سلامٍ مع السّعوديّة، ولهذا السّبب اختار نتانياهو مُهندس اتفاقيّات التطبيع مع الإمارات والسّودان والبحرين والمغرب إيلي كوهين وزيراً للخارجيّة، لكنّ ذلك لم يغيّر من الوقائع على الأرض.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@ 

مواضيع ذات صلة

عرب ومسلمو أميركا.. ترامب سيوقف الحرب

واشنطن لماذا انتخب اللبنانيون والعرب والمسلمون والأقليّات دونالد ترامب بكثرة، خلافاً لتاريخ كبير من الميل الدائم للديمقراطيين، فكيف بشخصية مثل ترامب تعلن عداءها لـ”المهاجرين” ولهذه…

هوّة كبيرة بين ما تريده إسرائيل… وما يقدّمه لبنان

بعد حوالي 45 يوماً على بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان (في 23 أيلول الماضي)، يبدو أنّ المشهد العدواني قد انتقل إلى مرحلة ثانية من الأهداف…

ترامب يهزم استطلاعات الرّأي؟

كرّرَ الرّئيس دونالد ترامب مفاجأة 2016. فازَ بنتيجة مُعاكسة لما كانت تُظهره استطلاعات الرّأي التي كانت تُظهرُ تقارباً ومنافسة حادّة مع مُنافسته الدّيمقراطيّة كامالا هاريس….

ميقاتي يُدشّن الـ1701 من طرفٍ واحد!

في عزّ الحرب “وِلعِت” مجدّداً بين وزير الدفاع موريس سليم من جهة وقائد الجيش العماد جوزف عون والحكومة من جهة أخرى. أقرّت الحكومة في جلستها…