هذا السبت سيكون فريداً من نوعه في عاصمة الجنوب.
رئيس الحكومة حسّان دياب، المشكوك في شرعيته الشعبية، وبين أهل السنّة خصوصاً، سيدخل عاصمة مدينة صيدا، مسقط رأس الشهيد رفيق الحريري، ومعقل النائب بهية الحريري. سيدخلها من باب واسع هو افتتاح المستشفى التركي، وتفقّد المستشفى الحكومي، وإلى جانبه رئيس البلدية محمد السعودي، والرئيس فؤاد السنيورة، وطيف “زعلان” لعمّة الرئيس سعد الحريري، “أمّ نادر”.
السيدة بهية الحريري، التي يرجّح أن تغيب عن زيارة المقيم في السراي الحكومي، تفكّر في أن ترسل ممثّلاً عنها، كي لا يكون غيابها فاقعاً، وكي لا ينقلب “الزعل” سلباً عليها أمام الرأي العام الصيداوي.
إقرأ أيضاً: قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: خروج أهل السنّة من المعادلة الوطنية! (1/2)
فرئيسة كتلة المستقبل النيابية كانت تعارض افتتاح “التركي”، حين أسرّ السنيورة لمحيطين به أنّه يفكّر في تحويله إلى مركز لاستقبال مرضى الكورونا. فيكون بذلك مقدّمة لعودته “الشعبية” إلى المدينة، التي انقطع عن زيارتها منذ تنظيم تظاهرة كبيرة أمام منزله خلال أجواء ثورة 17 تشرين، العام الفائت.
الفكرة لم تمرّ، فالمستشفى التركي سيكون متخصّصاً في حالات الحروق، بحسب رئيس البلدية محمد السعودي، الذي يوضح لـ”أساس” أنّ المستشفى الحكومي، الذي بدأت ورشة تجهيزه، وفيه 160 سريراً، إلى جانب عدد من مستشفيات المدينة، سيكون جاهزاً لاستقبال مرضى الكورونا متى دعت الحاجة، إذا بات مستشفى رفيق الحريري، في بيروت، ممتلئاً.
السعودي يشرح أنّ الحريري كانت معترضة على تحويل وجهة استعمال المستشفى التركي ليستقبل مرضى الكورونا، وليس على افتتاحه. وهو سيظلّ قيد التجهيز، بعد افتتاحه السبت، بانتظار دعم سينتج عن زيارة دياب للمستشفى.
المستشفى التركي مشروع قديم للسنيورة إبّان ترؤّسه للحكومة في العام 2007. حينها عقد اتفاقاً مع الأتراك لإنشائه، وافتتحه الرئيس الحريري عند زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى لبنان في العام 2010. وقد تواصل السنيورة مع دياب والتقاه مرّات عدّة عارضاً افتتاحه، فوافق وتواصل مع وزير الصحّة لتقديم تسهيلات خلال تجهيزه. وحزب الله الذي كان سابقاً معارضاً لافتتاحه، وجده فرصةً لضمّه إلى وزارة الصحة التي يديرها.
بالطبع الخبر أغضب السيدة بهية، التي باشرت باتصالات عاتبة، أوّلاً على رئيس البلدية بسبب علاقته القوية بالسنيورة، في محاولة منها لقطع الطريق على زيارة السنيورة وإفشالها، كما في محاولة لإجهاض محاولة افتتاح المستشفى، وصولاً إلى حدّ اقتراح زيارة وزير الصحة منفرداً، أو برفقة رئيس الحكومة، بدون السنيورة.
غضب الحريري، حاول السعودي امتصاصه واستيعابه، فزارها يوم الاثنين الماضي محاولاً إرضاءها وإقناعها بقبول الزيارة، لأن أيّ اشكال أو عرقلة ستنفجر بوجهها وسترتد سلباً على أهل المدينة. ولحفظ ماء وجهها، خرج ليعلن أنّ اعتراضها كان محصوراً بتحويل وجهته من “الحروق” إلى “الكورونا”. وهو يثابر على دعوتها إلى حضور الافتتاح السبت أو على الأقلّ من يمثّلها.
هو مؤشّر بسيط على العقلية المستمرّة منذ إقرار قانون الانتخاب، الذي وصفه النائب المشنوق بأنّه قانون “قابيل وهابيل”. وصيدا تشهد هذه الأيّام ذروة هذه العقلية، من خلال المعركة الصامتة، لكن التي لا تبشّر بالخير أبداً.
كلّ هذا بدأ يوم الرابع من أيار 2018، قبل أيام من الانتخابات النيابية. حينها وصل الرئيس الحريري من المملكة العربية السعودية إلى بيروت، متوجّهاً إلى منزل السنيورة في شارع بلس. مضمون الزيارة غير المعلن، كان ضمان تيار المستقبل وقوف السنيورة إلى جانبه في الانتخابات. أما الجانب المعلن، فكان تمنّي الحريري على السنيورة الترشح للانتخابات النيابية. وهو ما رفضه السنيورة، والذي وصف القانون بأنه قانون طعن الإخوة بعضهم بعضاً. في أحد جوانب قانون الانتخاب، أيقن السنيورة أنه مستهدف بشكل مباشر، ولا يمكن أن يكون على لائحة يتقاسم فيها الأصوات مع بهية الحريري. وكان واضحاً أنّ أسامة سعد سيحصل على المقعد السني الثاني، بالأصوات الـ10 آلاف التي كان يحصل عليها في كلّ دورة انتخابية.
بعد خروجه من التسوية، عاد الحريري إلى رؤساء الحكومات الذين امتنع لأشهر طويلة عن إعطائهم موعداً، بسبب مواقفهم واعتراضاتهم على أدائه
القانون الانتخابي نحر التمثيل السياسي للطائفة السنية برمّتها. تمكّن “قابيل وهابيل” من القضاء على الدور السياسي الذي هو حق للطائفة السنية أن تلعبه. عندها أراد الحريري اختزال كلّ السنّة ونوابهم بشخصه، فانحدر مستوى التمثيل ليكون الرجل سيد كتلته ولا يواجهه أو يناقشه أحد في اجتماعاتها، أو يعترض على توجّهاته وتنازلاته أحد. غلبت الشخصانية على الغاية السياسية. وبعد إقصاء المشنوق بمحاولة إسقاطه خلال الانتخابات النيابية في بيروت، ونجاته من محاولة الاغتيال النيابية، عمّت الفرحة في بيت الوسط بخروج السنيورة من الملعب السياسي النيابي، ثم أبعدت بهية النائب سمير الجسر عن رئاسة الكتلة، التي كان من المنطقي أن تؤول إليه.
فُتِحَ الصراع على النفوذ، ولم يعد رئيس تيار المستقبل يتحمّل أحداً غيره من السنّة، ولم يسمع لأيّ نصيحة أو انتقاد، ومن توجّه إليه بالنصح كان مصيره البغض والاتهام. عانى رؤساء الحكومات السابقون من هذه النزعة، إلى أن وصل نواب السنّة ورئاسة الحكومة إلى مرحلة ليس فيها الحدّ القليل من التأثير أو التغيير. خرج الحريري من التسوية، وخرج السنّة من المعادلة الوطنية حتّى: إشعار آخر.
بعد خروجه من التسوية، عاد الحريري إلى رؤساء الحكومات الذين امتنع لأشهر طويلة عن إعطائهم موعداً، بسبب مواقفهم واعتراضاتهم على أدائه. وقّع معهم على بيانهم التحذيري دفاعاً عن موظف في المصرف المركزي، ويحاول مجدّداً تكرار تجربة العام 2009، في الانتخابات النيابية المقبلة. فيجري اتصالات ببعض الشخصيات السنية في محاولة منه لإعادة خلق اصطفاف سنّي خلفه لخوض الانتخابات، وقد بحث في الأمر مع الرئيس نجيب ميقاتي للوصول إلى تفاهم حول تحالف انتخابي في مدينة طرابلس، خلال اتصال هاتفي قبل أيام قليلة. الاتصال شهد تنسيقاً حول اجتماع فعاليات طرابلس أمس الأوّل.
إنّها سياسة “قابيل وهابيل”. وصيدا ستدفع ثمناً إضافياً، ولن يكون آخر الأيام الصعبة في ديار أهل السنّة.