السعودية: عندما لا يعود النهوض حُلْماً!

مدة القراءة 6 د


في حديثه إلى “فوكس نيوز” ذكر الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي الجيل السادس في تكنولوجيا العصر والمستقبل وتقنيّاته، وهو الأُفقُ الذي تدخل إليه وفيه المملكة ضمن رؤية 2030. أُفُقٌ كان ينبغي بلوغه منذ عشرين عاماً لو ظلّت وتيرة التقدّم كما كانت عليه أواخر سبعينيات القرن الماضي. إنّما لا ينبغي الندم على ما فات، فنحن أبناء اليوم والغد، وقد كانت الخطوات الأولى صعبة لأنّ العادة لم تجرِ بانتهاج السرعة الفائقة، لكنّ وليَّ العهد يرى بعد خمس سنواتٍ أنّ التقدم على مسار النهوض الكبير يجري بأسرع ممّا كان منتظراً بكثير.

عندما تتوافر العزيمة ويتّضح الأفق ويكون الناس معك وأنت مع الناس لأنّ المشروع الكبير مشروع وطني جامع، فلا يعود شيء صعباً وأنت ترى الحلم يصبح حقيقة. هناك مقياسان لا اختلاف فيهما لِما تحقّق وما يمكن أن يتحقّق:

– الأوّل نصيب ونسبة الإنتاج غير النفطي واطّراد التنامي في الدخل الوطني العامّ.

– والثاني الموقع في اقتصادات الدول العشرين (G20).

خطة النهوض الكبير لا تتطلّب التهيئة والاستعداد بالشروط الهندسية والمادّية والاجتماعية وحسْب، بل وتتطلّب الترتيبات الدولية والأُخرى الإقليمية

والمقياسان تحدّيان كبيران، لكنّ ما أمكن الوصول إليه في خمس سنوات يبعث على الأمل والطموح، بحيث يمكن الحديث قريباً عن رؤية 2040 ومتطلّباتها وتحدّياتها. المملكة عالمٌ ضخمٌ من الإمكانات في طبيعتها المتنوّعة وفي الحاجة إلى التنمية بالأفكار والمشروعات المبدعة.

أهميّة الشريك الأميركي

إنّ خطة النهوض الكبير لا تتطلّب التهيئة والاستعداد بالشروط الهندسية والمادّية والاجتماعية وحسْب، بل وتتطلّب الترتيبات الدولية والأُخرى الإقليمية. ولذلك كان اهتمام وليّ العهد و”فوكس نيوز” منصبّاً بالدرجة الأولى على الحليف أو الشريك الأميركي لثلاث جهات:

– وضع العلاقات السعودية – الأميركية أيّام بايدن والمستقبل.

– مدى استعداد الأميركيين لتلبية متطلّبات المشروع الهائل.

– قضايا ومشكلات العلاقات المتبادلة.

هذا العهد عهدٌ جديدٌ تماماً. صحيح أنّ العلاقات التحالفيّة عمرها ثمانون عاماً، لكنّها اليوم في مرحلةٍ جديدةٍ إن لم نقُل إنّها جديدةٌ تماماً كما سبق. لدينا مطالب أميركا في الطاقة، والواضح أنّ الطرفين يختلفان حولها. ولدينا درجة استعداد الولايات المتحدة للإمداد بالتكنولوجيا المتقدّمة التي تبلغ درجة الشراكة. ولدينا الأصول المادّية للصفقات، والمملكة مستوردٌ رئيسيٌّ للسلاح الأميركي وللتكنولوجيا الأميركية. ولدينا أخيراً مقاييس أميركا في التحالف الأمنيّ والاستراتيجي والنظرة إلى العلاقة مع الصين ومع روسيا الاتحادية.

رهان المملكة في زمن نهوض السيادة على استقلالية القرار وتقدير المصالح. وهي تفهم مقاييس “أوبك +” باعتبارها ضرورةً للتوازن والاستقرار في السوق. والتكنولوجيا مشتراة بالأسعار الملائمة، وكذلك السلاح. والسعوديون يتحدّثون إلى الأميركيين على الدوام، لكنّهم يتحدّثون أيضاً إلى الصينيين والروس.

انتهى زمان التبعية والصمت على الانتكاسات والابتزازات، وليس من الضروري أن تكون لغة المصالح مُضرّةً بالولايات المتحدة. بل المقصود أن يستفيد الجميع، وأن لا يشعر أيّ طرفٍ أنّ مصالحه جرى تجاهُلُها

نهاية زمن التبعية

لقد انتهى زمان التبعية والصمت على الانتكاسات والابتزازات، وليس من الضروري أن تكون لغة المصالح مُضرّةً بالولايات المتحدة. بل المقصود أن يستفيد الجميع، وأن لا يشعر أيّ طرفٍ أنّ مصالحه جرى تجاهُلُها.

لقد صوّتت السعودية في الجمعية العامّة للأُمم المتحدة ضدّ الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنّها تبذل كلَّ جهدٍ ممكنٍ لوقف الحرب وإحلال السلام مهما كلّف الأمر. لذلك يتحدّث مسؤولو المملكة إلى الأوكرانيين والروس، وعقدوا مؤتمر جدّة لحلّ النزاع، وسيظلّون سائرين على الوتيرة نفسها، بانتهاز الفرصة للاندفاع كلّما عرضت بارقةُ أملٍ في إمكانيات التفاوض.

ينبغي ألا ينزعج الأميركيون بسبب العلاقات الجيّدة مع روسيا، والعلاقات الوثيقة مع الصين. يبقى التبادل التجاري والثقافي والحضاري أساساً في علاقات السلم والتعاون، وهذا هو الموقف بشأن خطّة “الحزام والطريق”، وبشأن الاتفاق على “ممرّ الهند” الذي يربطها بالشرق الأوسط وبأوروبا.

ما عاد من الممكن تجاهُلُ العرب ولا المملكة. والصين هي التي عرضت التوسّط في الاتفاق مع إيران، واستجابت المملكة ورحّبت، ويعتقد وليّ العهد أنّ الإيرانيين جادّون في إنفاذ الاتفاق. ومن حيث المبدأ ينبغي أن لا يطمح أحدٌ إلى امتلاك السلاح النووي لأنّه لا يستطيع استخدامه، لكنّه إن استخدمه فسيصبح عدوّاً لكلّ العالم، لأنّ العالم لا يتحمّل هيروشيما ثانية تكلّف مئة ألف قتيل. ومع ذلك فإنّ إيران إن امتلكت السلاح النووي فإنّ السعودية ستسعى إلى امتلاكه حتماً. في النزاعات خسارةٌ لكلّ أحد، والخصومة مع إيران منذ عام 1979، فلماذا لا يكون هناك سلام يخدم الجميع؟

السلام على سكّة النهوض الكبير

السعودية ماضيةٌ إلى نهوضٍ كبيرٍ، ولذلك من مصلحتها أن يكون هناك سلامٌ في محيطها. وهو الأمر الذي تسعى إليه في اليمن وفي السودان وفي سائر ديار العرب. وفي هذا الملفّ تجذب السعوديّةُ الولاياتِ المتحدة إلى المشاركة فيه. وإذا كانت الولايات المتحدة مهتمّةً بالسلام بين المملكة وإسرائيل، فينبغي أن يستفيد من ذلك الفلسطينيون بالعودة إلى حلّ الدولتين. عدّة دولٍ عربيّةٍ عقدت سلاماً مع إسرائيل، لكنّه لم يصبح شاملاً لأنّ الفلسطينيين لم يستفيدوا منه.

إقرأ أيضاً: رجلٌ من كوكبٍ آخر…

عندما يتحدّث وليّ العهد السعودي، يحفل كلامه بالإحصاءات والمقارنات. وعندما يتحدّث يشرق الأفق بالأضواء الساطعة التي تصبح شبكةً متكاملةً يُفضي كلّ سلكٍ فيها إلى أسلاكٍ أُخرى مبهرة ببيانها وبالجدوى العقلانية التي تشيع في كلِّ معالمها. التاريخ يصبح استمراراً، والعيد الوطني يصبح عرساً للنجاح والإنجاز، والمملكة تصبح مجالاً عالميّاً للتقدّم الذي لا تنتهي محطّاته ووشائع السعادة والإسعاد فيه.

المملكة في هذا العهد ورؤيته ومشروعاته ضرورةٌ للشعب السعودي وللعرب وللعالم. نقاط الوعد في العالم ما عادت كثيرة، لكنْ كأنّما تظهر السعودية لتجدِّد الوعد للبشرية بظهور إنجازاتها في أصقاع الأرض. قوّتها قوّة سلام الإنسان وأمله. هي النموذج الذي يستحقّ التطلّع والاقتداء. كأنّما تتجمّع في هذه اللحظة السعودية كلّ آمال العرب لقرنٍ وأكثر. فليكن النجاح الباهر حليف هذه النخبة من الشبّان الذين يقودهم شابٌّ تجتمع في عزيمته وحلمه آمالٌ عراضٌ بتغيير عالم اليوم والغد باتجاه الأفضل لحياة الإنسان ورفاهه في أرض الحرمين الطيّبة وفي جوارها القريب والبعيد.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…