الرئاسة الإيرانية: ترشيح امرأة ينقذ النظام؟

مدة القراءة 8 د


لم تغب معركة الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الثامن عشر من شهر حزيران 2021 عن مشهد الجدل الداخلي، في موازاة الانشغالات المتشعّبة التي تشغل الشارعين السياسي والشعبي في إيران، من الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية، مروراً بتفاقم الأوضاع جراء انفجار تفشي وباء كورونا الذي تجاوز الخطوط الحمراء، وأجبر الحكومة على تجرّع كأس قرار إقفال العاصمة لمدة أسبوع، مع ما لهذه الجائحة من دور في تعقيد الوضع الاقتصادي والمعيشي، وما يسبّبه من تحدّيات أمام إدارة الرئيس حسن روحاني التي تعاني في تسيير الأوضاع الاقتصادية.

إقرأ أيضاً: هكذا ستحدّد الانتخابات الأميركية هويّة الرئيس الإيراني الجديد

وأُضيف إلى ما سبق في البعد الخارجي، الأزمة المستجدّة التي تفجّرت على حدود إيران الشمالية الغربية في منطقة جنوب القوقاز بين جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان. وهذه أجبرت الدبلوماسية الإيرانية، ومعها قيادة النظام، على الذهاب إلى مواقف لا تتسق مع التعامل التاريخي لإيران في أزمة قارب عمرها من العقود الثلاثة. وذلك فضلاً عما يواجهه النظام من تطوّرات إقليمية محيطة به إن كان على ساحة العلاقة مع دول الجوار الخليجي والمستجد الذي برز بعد توقيع اتفاقيات التطبيع بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع اسرائيل. وما يواجهه الدور والوجود الايراني من تحدّيات على الساحة العراقية وحجم التهديدات الأميركية بنقل المواجهة إلى مرحلة متقدّمة بعد وضع مسألة إقفال سفارة الولايات المتحدة في بغداد على طاولة البحث الجدّي والتي تستتبع انسحابات لسفارات غربية أخرى، والتداعيات الخطرة لمثل هذه الخطوة على أساس استمرار الدولة العراقية، وإمكانية أن تتحوّل إلى عبء إضافي يرمى في الحضن الإيراني بعد عدم نجاح كلّ محاولات التسوية بين المتصارعين الإيراني والأميركي للوصول إلى تفاهمات تحافظ على مصالح الطرفين في هذا البلد، وتبعده عن خطر الانفجار الأمني والاقتصادي والمعيشي.

القيادة الإيرانية أمام تحدّي البحث عن مخرج للانتخابات الرئاسية المقبلة يضمن لها عدم وصول أيّ مرشح قد يشكّل مصدر قلق لها إذا ما كان من خارج منظومتها السياسية

في موازاة كلّ هذه الأزمات، تتميّز الانتخابات الرئاسية بأهمية محورية لما لها من تأثير ودور في تحديد المسارات الايرانية في جميع هذه الملفات، ما يجعلها غير محصورة في إطار الصراع الداخلي بين معسكرين، يسعى كلّ منهما للإمساك بمقاليد السلطة التنفيذية، والحفاظ على وجوده داخل دوائر القرار في هرمية النظام بالنسبة للمعسكر الإصلاحي، أو استكمال القبض على كلّ مفاصل المؤسسات الدستورية والتحكّم بكلّ مواقع السلطات الثلاث بالنسبة للمعسكر المحافظ.

المعسكر المحافظ، ومعه النظام والإدارة العميقة، بدأت تنظر بشكل مختلف للانتخابات الرئاسية المقبلة عما كان سائداً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي سمحت لهذا المعسكر بفرض سيطرة كاملة على مقاعد البرلمان، فأنجبت مجلساً من لون واحد يصبّ في إطار الجهود لتضييق مساحة الأصوات المعترضة على السياسات العامة للنظام. وهذه النتيجة لم تكن لتتحقّق لو لم تعمد لجنة دراسة الأهلية في مجلس صيانة الدستور إلى إعمال مقصلة الإقصاء بحق المرشحين المستقلين أو الإصلاحيين والمعتدلين لصالح مرشحي المحافظين بكل أطيافهم، الأمر الذي أنتج مشاركة شعبية لم تتجاوز نسبة 42%، وهي تعتبر الأقل والأدنى في تاريخ الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1979. كما تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات التكميلية التي جرت قبل أسابيع إلى أقل من ذلك بكثير.

هذه النتائج، وإن شكّلت حالة من الرضى لدى المعسكر المحافظ، من ناحية قدرته على فرض سيطرته على البرلمان، إلا أنها وضعته ومعه النظام أمام سؤال جوهري ووجودي يطال أساس النظام وشرعيته. وهو سؤال حول قدرة النظام والآليات المتبعة في تركيب وهندسة العملية الانتخابية لصالح طرف على حساب أطراف أخرى، وفي تأمين استمرارية التأييد الشعبي له، ما يضع القيادة الإيرانية أمام تحدّي البحث عن مخرج للانتخابات الرئاسية المقبلة يضمن لها عدم وصول أيّ مرشح قد يشكّل مصدر قلق لها إذا ما كان من خارج منظومتها السياسية. في مقابل آلية توفّر أكبر مشاركة شعبية في العملية الانتخابية التي تعتبر أساس النظام في تأكيد شرعيته الشعبية، وتمثيله لإدارة الأمة الإيرانية بمختلف أطيافها ومكوّناتها السياسية والاجتماعية والثقافية والإثنية والمذهبية والدينية والعرقية والقومية.

لعلّ السيناريو الأكثر دقّة والأخطر، فهو الذي يدور حول إمكانية أن يكون المرشح من المؤسسة العسكرية، وهنا يعني من مؤسسة حرس الثورة التي تعتبر الشريك الأساس في الدولة العميقة

سيناريوهات متعدّدة بدأ يدور الحديث عنها في المحافل السياسية الإيرانية، خاصة داخل معسكر النظام والمحافظين، وجميعها تدور حول هدف رئيس، وهو كيفية استعادة المبادرة الشعبية، وتقديم أطروحة تعيد الحيوية للعملية الانتخابية، وترفع نسبة المشاركة، وتعيد تالياً تشريع حيثية النظام التمثيلية عبر العملية الديمقراطية الانتخابية.

ومن بين ما هو مطروح داخل المعسكرين المحافظ والإصلاحي، هو التوافق على شخصية وسطية قادرة على توظيف القاعدة الشعبية الثابتة للمعسكر المحافظ أمام صناديق الاقتراع، وتحفّز القاعدة الشعبية والمتذبذبة المؤيدة والقريبة من المعسكر الإصلاحي على العودة إلى تفعيل مشاركتها، ما يؤدّي بالنتيجة النهائية والمطلوبة إلى رفع نسبة المشاركة، فالنسبة التمثيلية للنظام، من بوابة العملية الديمقراطية.

وهنا يبدو أنّ المعسكر الإصلاحي بكلّ أطيافه يواجه مأزقاً حقيقياً، نتيجة عدم قدرته على ترشيح شخصية إصلاحية وازنة وقادرة على أن تشكّل نقلة نوعية تسمح بإعادة فرض نفسه على خارطة القرار السياسي الداخلي والخارجي ضمن آليات النظام، وذلك نتيجة الخوف من مقصلة الإقصاء التي يستخدمها مجلس صيانة الدستور، فضلاً عن عدم وجود رؤية موحّدة داخل أطياف هذا المعسكر حول جدوى المشاركة في غياب رؤية واضحة حول طبيعة العملية السياسية ومساحات الاختلاف بينهم وبين المحافظين والدولة العميقة على مختلف المستويات والصعد. ما يجعل إمكانية البحث عن رؤية وسطية بينهم وبين المحافظين حول شخصية محافظة قادرة على تحقيق الحدّ الأدنى من رضا الأطياف الإصلاحية، مسألة مطروحة.

أما السيناريو الآخر، الذي قد يكون مخرجاً تلجأ إليه قيادة النظام، فهو التخلي عن كل الأسماء المطروحة للسباق الرئاسي من المعسكر المحافظ، والبحث عن بديل جديد من الجيل الثاني أو الثالث للجمهورية. وهو مرشح شاب قادر على أن يكون حلقة وصل بين الجيل المؤسس وبين الأجيال الجديدة، ويستطيع المساعدة في إعادة إنتاج شعبية السلطة من دون التخلي عن المسلمات والاستراتيجيات الاساسية التي يقوم عليها النظام.

أما السيناريو الأكثر تطوّراً، فيقوم على فتح المجال أمام المشاركة النسائية في الانتخابات الرئاسية، أي كسر “تابو” حصرية الرجل في الترشح، من دون الالتزام بإمكانية ضمان فوز أيّ سيدة مرشحة، الأمر الذي قد يشكّل محفّزاً أساسياً لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية ورفع نسبة الاقتراع، خصوصاً وأنّ التجارب الإصلاحية تكشف عن حجم الدور الذي لعبه الصوت النسائي في انتخاب الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني. وقد تحوّل الحديث عن إمكانية دخول المرأة السباق الرئاسي إلى الموضوعة الأكثر بحثاً وتداولاً في المحافل الإيرانية، خصوصاً بعد إشارات إيجابية صدرت عن المتحدّث باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي حول إمكانية حصول تغيير في موقف المجلس من ترشّح النساء لهذه الانتخابات، وتعديل في موضوع النظرة إلى النصّ الدستوري الذي يقول إنّ الرئيس يجب أن يكون “رجل سياسة”. إلا أنّ الأمور في هذا الإطار مرهونة بخواتيمها، بحسب أكثر الأوساط الإصلاحية، التي تعتقد أنّ هذا الموقف قد يتغيّر بناء لضرورات النظام وغلبة النظرة التقليدية للفقيه لدى الجهات المقرّرة في هذا الموضوع.

ولعلّ السيناريو الأكثر دقّة والأخطر، فهو الذي يدور حول إمكانية أن يكون المرشح من المؤسسة العسكرية، وهنا يعني من مؤسسة حرس الثورة التي تعتبر الشريك الأساس في الدولة العميقة. والحرس يقف إلى جانب المرشد، ويعتبر الذراع التي يستند عليها النظام في استمراريته. وهذا السيناريو غير مستبعد داخل المعسكر المحافظ، خصوصاً أنّ المسار الذي سلكته الأحداث في الداخل والمحيط الإيراني تشير إلى وجود مثل هذه النية لدى النظام، من خلال التركيز على دور مؤسسة الحرس في معالجة الكثير من الأزمات التي تعرّضت لها إيران، إن كان في مواجهة نتائج البلاءات الطبيعية من سيول وزلازل وحرائق وأخيراً جائحة كورونا، مروراً بالدور الذي تقوم به في رفع قدرة إيران العسكرية في مواجهة التهديدات الخارجية، وصولاً إلى ما مثّله الجنرال قاسم سليماني من رمزية لنفوذ النظام في منطقة غرب آسيا وقدرته على إدارة الملفات المعقّدة في مواجهة خصوم إيران وأعداء دورها الإقليمي والدولي، وهو الذي كان يشكّل قبل اغتياله الشخصية الأمثل والأبرز لدى النظام ليكون في موقع الرئيس المقبل عام 2021.

مواضيع ذات صلة

هوكستين يجهّز مكونات الرئاسة… وباريس تُنضجها

اذا نجح اتّفاق وقف إطلاق النار في الصمود بوجه الخروقات اليومية، ليجتاز معمودية الستّين يوماً المحدّدة للهدنة، يمكن القول إنّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني القابع منذ…

إيران أمام خيارين: التّخلّي عن أذرعها… أو الحرب

استدرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوى إقليمية ودولية إلى ملعبه “الأحبّ”، وهو مواجهة إيران، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. منذ سنوات طويلة يطرح نتنياهو شعار…

هل تلجم “لجنة المراقبة” إسرائيل؟

يفترض أن يصل اليوم إلى بيروت الجنرال الفرنسي غيوم بونشان الذي سيشارك في عضوية اللجنة التقنيّة العسكرية  المكلّفة مراقبة تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار إلى…

الشّيعة وقّعوا الاتّفاق… والرّئيس المسيحيّ سينفّذه

تاريخ لبنان الحديث حافل بالاتّفاقات والانقلابات عليها، لا سيما تلك التي أبرمت في زمن الانقسام الكبير الذي انفجر في السبعينيات، واستمرّ حتى التسعينات، حين استقرّ…