الدوحة – مسقط: لائحة المطالب الإيرانيّة لوقف الحرب..

مدة القراءة 7 د


من مفارقات هذه الحرب التي قد تطول أنّها استبعدت ما يسمّى بـ”الحرب الخاطفة”، وأسقطت الخوف الإسرائيلي من عدد القتلى بعدما ابتلت إسرائيل بأعدادهم في الساعات الأولى. فالجيش، الذي يخشى الإصابات وطالما تورّع عن القيام بعمليات برّية، وجد نفسه يواجه الموت. وأنهت هذه الحرب الخوف من الأضرار اللاحقة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية بعدما اعتادت المدن والكيبوتزات سماع دويّ الصواريخ وصفّارات الإنذار وأظهرت تماسكها .
في الموازاة، لا تخفى القدرات العسكرية بالعتاد الذي تملكه الدولة العبرية مقابل قدرات الفصائل. بالتالي يُطرح سؤال أساسي عن تحرّك الأساطيل الغربية وأهدافه بعيداً عن دعم عسكري تحتاج إليه إسرائيل في مواجهة “حماس” التي تبيِّن الوقائع حتى كتابة هذه السطور أنّها تُركت لوحدها في مواجهة إسرائيل.
لم يفعل شعار “وحدة الساحات” وتضامنها ووحدة المصير شيئاً، وكأنّه تمّ توريط غزّة لقبض الثمن في مكان آخر.
يتبيّن أنّ تأخير إطلاق العملية البرّية الإسرائيلية على قطاع غزّة مرّة بعد مرّة ليس لحماية المدنيين وإجبارهم على الهجرة فقط، بل يأتي التأجيل بطلب من واشنطن.

الثمن الإيراني لرأس حماس
يحصل تأجيل البدء بالعملية البرّية لأنّ طهران (عبر الدوحة ومسقط) تنقل رسائل إلى واشنطن تتضمّن أثماناً سياسية مقابل منع توسيع الجبهات، والحدّ من اشتراك الحزب في اندلاع الحرب من جنوب لبنان. ومن هذه الرسائل:
– أن تضغط واشنطن على تل أبيب ليأتي الهجوم البرّي محدوداً بالمساحة الجغرافية ولا يتجاوز شريطاً حدودياً محدود العرض.
– منع إسرائيل من إسقاط سلطة “حماس”، بل الإبقاء عليها ولو ضعيفة القدرة والإمكانيات.
– عدم تعريض دمشق ورأس النظام فيها لأذى مدمّر وعدم التوغّل برّاً في الجولان.

تريد طهران، لمنع اشتراك الحزب في الحرب من جنوب لبنان، التعهّد بإجراء مفاوضات مباشرة معها حول الاتفاق النووي، وحول الأرصدة التي ما تزال مجمّدة، وتخفيف العقوبات عنها

– الحدّ من الضربات الجوّية على القوات الإيرانية والحزب ومنظّمات “زينبيون” و”فاطميون” و”حسينيون” في سوريا، لا سيما بعد تعرّض مطارَيْ دمشق وحلب للإغلاق القسري مرّتين في أسبوع واحد.
– تريد طهران، لمنع اشتراك الحزب في الحرب من جنوب لبنان، التعهّد بإجراء مفاوضات مباشرة معها حول الاتفاق النووي، وحول الأرصدة التي ما تزال مجمّدة، وتخفيف العقوبات عنها، والسماح لإيران مجدّداً بتصدير سلع الطاقة والبتروكيميائيات على أنواعها .
– طلبت طهران ضمانة أميركية تتعهّد بوقف إسرائيل لعملياتها في الداخل الإيراني وإيقاف عمليات الاغتيال للعلماء ولمهندسي أنظمة التسلّح والتمنّع عن القيام بعمليات التخريب والسابوتاج للمصانع والمستودعات والمرافئ.
– إعادة بناء سوريا بالدعم الماليّ العربي من دون أن يقدّم النظام تنازلات على المستوى السياسي.
– أن يقبض الحزب الثمن السياسي في لبنان، وأقلّه التسليم له بانتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وضمان مصالح الحزب أمنيّاً وسياسياً ضمن الدولة اللبنانية .

الردّ الأميركيّ على الرسائل الإيرانيّة
تولّت واشنطن ولندن تحريك الأساطيل البحرية والجوّية ووضع قواعدهما في قبرص واليونان وإيطاليا على أهبة الاستعداد. ونشرتا هذه الأساطيل في شرقيّ البحر المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر، وحاولتا إبراز موقف غربي موحّد تعاطفت معه ألمانيا بتحريك بعض الطرّادات فيما امتنعت باريس عن المشاركة المباشرة مكتفية بالتأييد السياسي. ويأتي هذا التجاوب السريع، لا سيما من الإدارة الأميركية، أوّلاً لـ”ردع تدخّل الحزب” الذي تلقّى أكثر من تحذير علني صارم من كلّ من بايدن وبلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، وكلّ ذلك لمنع إيران من توسيع دائرة المعارك وإسقاط شروطها ورسائلها التي تحاول أن تبتزّ بها واشنطن لتحقيق مصالحها وانتزاع أوراق من الغرب عامة، والأميركيين خاصة.

رسائل واشنطن لإردوغان وبوتين
الموقف الأميركي السياسي والعسكري الحازم، إلى جانب ما يهدف إليه من خفض سقف الطلبات الإيرانية وتقليلها إلى حدّ التفاوض على تبادل الأسرى (بين إسرائيل و”حماس”) الذي سيتمّ عاجلاً أم آجلاً إن لم تقوَ العملية البرّية على الإفراج عمّن بقي منهم، هذا الموقف المشار إليه يهدف أيضاً إلى الضغط بطريقة غير مباشرة على تطلّعات الرئيس التركي إردوغان الراغب بأن يلعب في شرقي المتوسط دوراً محورياً مشابهاً للدور الإيراني يمتدّ من ليبيا مروراً بقبرص واليونان وصولاً إلى شمالي سوريا والعراق، بعدما دغدغ انتصار أذربيجان في منطقة ناغورني كاراباخ مشاريعه وأجّجها.
أشار الموقف الأميركي أيضاً إلى روسيا من خلال التأكيد أنّ نفوذ موسكو في سوريا وبقاء الأسد معرّضان للخطر. تسعى واشنطن إلى إبراز عجز موسكو عن تحريك قاعدتها الجوّية في حميميم وقاعدتها البحرية في طرطوس للدفاع عن الجولان وعن دمشق ذاتها، لا سيما أنّ روسيا لا ترغب بالتورّط في جبهة ثانية من جرّاء ما تعانيه في حربها على أوكرانيا، وتعتبر أنّ أوروبا وأميركا والغرب يعملون بشكل موحّد للتخفيف عن أوكرانيا من خلال زجّ الجيش الروسي في حرب إضافية.

لم يفعل شعار “وحدة الساحات” وتضامنها ووحدة المصير شيئاً، وكأنّه تمّ توريط غزّة لقبض الثمن في مكان آخر

نهاية “حماس” أم إضعافها مجدّداً؟
إنّ مآسي الشعب الفلسطيني والمجازر البربرية الإسرائيلية المرتكبة بحقّه، ومحاولات تل أبيب لتهجير سكّان القطاع قسراً نحو مصر أو حصرهم في جنوبه، تُظهر مدى تورّط التنظيمات المؤتمرة بأمر الحرس الثوري لخدمة الأجندات الإيرانية على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني.
لم يعد باستطاعة إيران بعد عملية “طوفان الأقصى” المطالبة بالحفاظ على سلطة “حماس” في القطاع. ولم يعد بإمكان الحكومات الإسرائيلية الحفاظ على سلطة “حماس” في القطاع واللعب على التناقضات بين سلطة غزّة وسلطة رام الله لإبقائهما “ضعيفتين” وفرض السيطرة على السلطتين معاً. ستضطرّ إسرائيل إلى العودة إلى التفاوض مع السلطة في الضفة بعدما اعتبرت لسنوات طويلة “غياب المفاوض الفلسطيني وضعفه” نقطة أساسية للتنصّل من الالتزامات السابقة. ثبت لتل أبيب أنّ سياسة الانفتاح على “حماس” وتقويتها أدّت إلى تقوية النفوذ الإيراني في القطاع وإلى تداعيات عملية “طوفان الأقصى”.

أين لبنان ممّا يحصل في غزّة؟
في ضوء المفاوضات الخلفية الجارية، سيبقى لبنان في حالة ترقّب، وسيعاني من بعض العمليات العسكرية المحدودة في الجنوب وسقوط ضحايا من الإعلاميين والمدنيين الأبرياء، وسيتحمّل هجرة أبناء الجنوب إلى ملاذات آمنة، لا سيما أنّ آثار حرب تموز 2006 ما تزال ماثلة أمام الجنوبيين. كلّ ذلك بانتظار نتائج المفاوضات بين واشنطن وطهران وما سترسو عليه. سيستمرّ الحزب في حالة استنفار وترقّب بانتظار اتجاهات البوصلة الإيرانية ومصالحها.

إقرأ أيضاً: المستحيلان: التعامل مع حماس.. أو القضاء عليها..

حرب غزّة: صراع وميزان قوى
من خلال اللوحة الكبيرة للشرق الأوسط، تسعى طهران إلى تجويف اتفاق بكين ومنع الممرّ الهندي – العربي – الأوروبي وتقويض الممرّ الصيني “الحزام والطريق”، ودرء أيّ مشروع أميركي يكرّس الانفتاح العربي – الإسرائيلي المضرّ بمصالح طهران. يتراءى أنّ الصراع ليس فقط لحماية إسرائيل ووجودها بمنع تعدّد الجبهات، بل إنّ التحرّك الأميركي والغربي هو للحفاظ على ميزان القوى بين الغرب عامة من جهة، وتحالف روسيا والصين مع إيران من جهة أخرى. فميزان القوى هذا قد أخلّت به استراتيجية باراك أوباما، ويحاول الرئيس بايدن تصحيح ما وافق عليه سابقاً حين كان نائباً للرئيس ودافع عنه .

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…