قد تبدو الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة، حرباً بين محورين:
– الأوّل غربي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ورأس حربته في المنطقة إسرائيل.
– أمّا الثاني فهو “شرقيّ” أو “ممانع” تقوده إيران ورأس الحربة فيه حركة حماس.
طبعاً يذهب كثر إلى أنّ المحور الثاني تقوده روسيا، ومنهم من يرى أنّ الصين هي من تدير الدفّة، وإن من وراء حُجُب.
لا تتحرّك إسرائيل إلا وفق أجندتها الخاصة، وأهدافها التي لم تعد خافيةً على أحد. يهودية الدولة مخطّط أُقرّ على مرأى ومسمع العالم أجمع. هو ليس مخطّطاً أميركيّاً كما ليس مخطّطاً أوروبيّاً
حرب بجبهات كثيرة
لكنّ مجريات الأمور تشير إلى حرب أخرى ليست حرب غزة إلا جبهةً من جبهاتها الكثيرة.
ـ حركة حماس، وإن كانت تربطها علاقات وطيدة بالجمهورية الإسلامية في إيران، إلا أنّها ليست رأس الحربة في مشروعها في المنطقة، لأسباب دينية وعقائدية لا تخفى على جاهل، ولارتباطات سياسية لحماس بعمقها العربي، وربّما خير دليل على هذا وجود قادتها السياسيين في قطر.
ـ حركة الجهاد الإسلامي، فلسطينياً، هي التي تعوّل عليها إيران، والأَوْلى أن تكون ذراعها الضاربة. والأمر لا يحتاج إلى براهين. منذ زمن بعيد، بل منذ تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، وعلاقتها العضوية بإيران لا تخفى على أحد.
بين الاثنين كان واضحاً قول أحد قادة الحرس الثوري إنّ “الحزب هو إيران”.
حضور روسيا والصين في المحور العريض واضح عالمياً. لكنّه في الصراع القائم في الشرق الأوسط خجول. روسيا والصين شبه غائبتين عن الميدان الذي يبدأ في إيران وينتهي عند مضيق باب المندب. وعليه، الحرب الحقيقية هي بين أميركا وإيران. بين هذين المتحاربين تسرح إسرائيل، فتبيد الآلاف من الفلسطينيين في حرب إبادة قلّما شهد التاريخ مثيلاً لها، ونادراً ما وثّقت الكاميرات والعدسات حرباً مثلها.
لا تتحرّك إسرائيل هنا إلا وفق أجندتها الخاصة، وأهدافها التي لم تعد خافيةً على أحد. يهودية الدولة مخطّط أُقرّ على مرأى ومسمع العالم أجمع. هو ليس مخطّطاً أميركيّاً كما ليس مخطّطاً أوروبيّاً.
الدول الأوروبية وأميركا تردّدان ليلاً ونهاراً .أحاديث حول حلّ الدولتين. ما تقوله هذه ليس كلاماً للإعلام أو للاستهلاك. الخلاف أو التباين الأميركي الإسرائيلي علنيّ. الدعم الغربي واصطفاف الدول الأوروبية وأميركا في صفّ إسرائيل ليسا سوى خضوع للّوبيات اليهودية التي تبدو تلك الدول غير قادرة على الفكاك من براثنها. دون ذلك رؤساء دول وحكومات ووزراء ونواب وحتى موظّفون من شتّى الفئات والدرجات. دونه أيضاً شركات ومؤسّسات إعلامية ووسائل ضغط سياسية ومالية، ما خفي منها أكبر ممّا ظهر.
تحارب إيران عند باب المندب على البحر الأحمر، وتفاوض عند مضيق هرمز في الخليج “الفارسي”، إذ غالباً ما يُعلن بعد كلّ جولة تفاوضية بين إيران وأميركا أنّها كانت بوساطة من سلطنة عمان أو على أراضيها
حرب أميركا وإيران
إذاً أميركا من جهة وخلفها وأمامها وبين ظهرانيها في المنطقة دول وحكومات وتنظيمات وقواعد عسكرية واتفاقيات دفاع مشتركة وأساطيل تمخر عباب البحار من دون أن يقرّ لها قرار، ومن دون أن يكون لها مستقرّ.
إيران على الجهة المقابلة، وأمامها وتحت إمرتها دويلات داخل دول المنطقة وأنظمة وأذرع عسكرية وشبه جيوش، من الحشد الشعبي في العراق إلى الحزب في لبنان مروراً بميليشيات الرئيس بشار الأسد وميليشيات إيران في سوريا، وصولاً إلى الحوثيين في اليمن.
هذان المتحاربان لا يقاتلان باللحم الحيّ. وإن فعلا فقتالهما شكليّ لا لون له ولا طعم، وطبعاً يكون غالباً بلا نتائج. نتيجته الوحيدة دائماً هي طاولة ضيّقة يجلسان إليها أيضاً برأسين بالنيابة، أو برأسين مستعارين. لا في الحرب ينزل حديدان إلى الميدان، ولا في المفاوضات والسلم.
خير دليل على ما سبق، استهداف الأذرع العسكرية لإيران في سوريا والعراق للقواعد العسكرية الأميركية بالصواريخ والمسيّرات الإيرانية على أكثر التقديرات والترجيحات والتسريبات، طبعاً بعد دفع ثمنها.
كذلك التحالف الدولي الشكليّ الذي رفضت غالبيّة الدول، عالمياً وإقليمياً وعربياً، المشاركة فيه، فنفّذت أميركا وبريطانيا 73 غارةً على ما سمّتاه معاقل وأهدافاً للحوثيين في اليمن، ثمّ ألحقتاها بثماني غارات بعد حين. لكنّ حصيلتها لم تتجاوز أحد عشر قتيلاً وجريحاً حوثياً. عملياً هي بلا نتائج فعليّة على الرغم من عددها الكبير.
الجديد أنّ إيران وسّعت نطاق ضرباتها، ونقلتها من التهويل وضرب القواعد دون إيقاع إصابات، إلى قتل 3 جنود أميركيين وجرح 34 آخرين، في قاعدة على الحدود بين سوريا والأردن والعراق.
الجبهة الرئيسة
وحدها هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أتت بنتائج عمليّة للإيرانيين، أبرزها تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتالياً عسكرته بعدما كان بحراً تجاريّاً لعقود بل قرون خلت. وإن كان الحوثيون يقولون إنّ ما يقومون به ليس سوى دعم للغزّيّين حتى إيقاف الحرب الوحشية التي تشنّها إسرائيل عليهم.
عليه، فإنّه بات واضحاً أنّ رأس الحربة في الحرب الأميركية الإيرانية هم الحوثيون، ومسرحها الحقيقي باب المندب، وما يجري من غزة إلى كرمان في إيران مروراً بلبنان وسوريا، إنّما يجري في الساحات الخلفيّة والميادين الفرعية للمعركة الأساس.
إقرأ أيضاً: العالم يغرق في باب المندب
أمّا وقودها فما تقدّمه إيران للنار، “المقدّسة” ربّما، منذ قيام نظامها الإسلامي فيها: أي سيادة الدول التي تعبث بها ميليشياتها، وتعبث باستقرارها، ومواطنيها، واقتصاداتها وثرواتها الطبيعية وفسيفساؤها الاجتماعية وتنوّعها العرقي والديني والثقافي. وهو نفسه ما تقدّمه أميركا أيضاً في سبيل مصالحها وسيطرتها وتزعّمها العالم.
تحارب إيران عند باب المندب على البحر الأحمر، وتفاوض عند مضيق هرمز في الخليج “الفارسي”، إذ غالباً ما يُعلن بعد كلّ جولة تفاوضية بين إيران وأميركا أنّها كانت بوساطة من سلطنة عمان أو على أراضيها.
عليه تقاتل إيران بدم عربيّ، وفي بحر عربي، وعلى أراضٍ عربية، وكذلك تفاوض. تفعل كما لطالما فعلت أميركا منذ خروجها إبّان الحرب العالمية الثانية وإنزالها الشهير في صقلية في إيطاليا، عام 1943، بتدبير من المافيا الإيطالية وبمساعدتها.
لمتابعة الكاتب على تويتر: jezzini_ayman@