الحوار الوطني وفق “ثلاثية الراعي”… ينتظر “جواباً” شيعياً رسمياً

مدة القراءة 7 د


أكثر فأكثر يبدو لبنان بلداً أسيراً من داخل ومن خارج. من داخل لأنّ الحكومة التي تمثّل “الائتلاف الحاكم” لم تثبت طيلة الفترة الماضية أنّها قادرة على معالجة الأزمة الواقعة أو بالحدّ الأدنى التخفيف من تبعاتها. ومن خارج بفعل تحوّل “بلاد الأرز” ساحة صراع بين قوّة دولية هي الولايات المتحدة الأميركية، وأخرى إقليمية هي إيران.

إقرأ أيضاً: “نداء 5 تموّز”: اندفاعة عربية ودولية إسلامية و”ترقّب” مسيحي

داخلياً ومن الناحية “الإدارية” فقد أجرت الحكومة حتّى الآن 17 جولة تفاوض مع “صندوق النقد الدولي” لم تسفر كلّها عن تقدّم ملموس نحو الاتفاق على “برنامج التعافي”. ثمّ إنّ هذه الحكومة التي يفترض أنّ تكون منسجمة فيما بينها بالنظر إلى تكوّنها من “خط واحد”، نراها تزداد هشاشةً يوماً بعد يوم لكثرة خلافات أعضائها وتناقضاتهم، وإلّا لما لجأ رئيسها إلى عرض مواضيع “عادية” على التصويت كما حصل الثلاثاء الماضي.  

لكنّ التحدّيات الأساسية التي تواجهها الحكومة ليست مالية واقتصادية وحسب، بل سياسية بامتياز لدرجة أنّه ما عاد في الإمكان إنكار أنّ لبنان بات يعيش أزمة وطنية حقيقية نتيجة عدم أهلية وعدم قدرة حكومة “الائتلاف الحاكم” على تأمين شبكة أمان سياسية داخلية في مواجهة ارتدادات العواصف السياسيّة والعسكرية الهوجاء في المنطقة. وكذلك في مواجهة الاستحقاقات الداخلية الداهمة في الآتي من الأيام، خصوصاً في 7 آب المقبل موعد إصدار المحكمة الخاصة بلبنان حكمها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. علماً أنّ هذا الحكم، غير المسبوق لا في لبنان وحسب، وإنمّا في المنطقة بأسرها، لناحية كشف الحقيقة في الجرائم السياسية، سيرتّب تبعات سياسية وأهلية في الداخل اللبناني. وهي تبعات، بغضّ النظر عن حجمها الفوري، ستؤسس لـ “نظام علاقات” مختلف داخل اللعبة السياسيّة، خصوصاً بين الأطراف المعنية مباشرة بالحكم. فهل تساور أحداً شكوك أن الحكومة الحالية عاجزة عن مواكبة استحقاق كهذا؟ 

يبقى أنّ أيّ محاولة لإخراج لبنان من سياسة المحاور كانت وما تزال منوطة إلى حدّ بعيد بإرادة الدولتين المتصارعتين على أرضه، أي إيران وأميركا

ثم في أواخر الشهر عينه يرتقب أن يعقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة تمديد ولاية “اليونيفل”، ستسبقها جلسة حول تنفيذ القرار 1701. وهذا يعني مزيداً من الضغط على الحكومة اللبنانية عشيّة التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، خصوصاً في ظلّ التشدّد الأميركي المستمرّ لتعديل مهامها لـ”معالجة التهديد الذي تشكّله إعادة تسليح حزب الله”، وهو ما يحيل إلى ملفّ مراقبة الحدود اللبنانية – السورية وشمولها بالقرار 1701.

هنا كان لافتاً الثلاثاء بيان مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي قال إنّ “التقارير الدورية لأمين عام الأمم المتحدة حول تنفيذ القرارين 1701 و1559 ترصد مؤشرات عدم تنفيذ تلك القرارات على نحوٍ واسع النطاق من قبل الأطراف المعنية”. والأهم حديثه عن أنّ “الدول الأعضاء (في مجلس الأمن) يبحثون اتخاذ خطوات أخرى لتشجيع الأطراف وإجبارها على إبداء المزيد من الالتزام بتنفيذ تلك القرارات”. وهو ما يعكس توجّهاً دولياً جديداً نحو “اتخاذ تدابير إجبارية” لتنفيذ هذين القرارين. فأين الحكومة من كلّ ذلك؟ وما خطتّها هي للتعامل مع هذه الضغوط؟

أمّا لناحية “الأسر الخارجي” فقد بات من الصعب جدّا تحييد لبنان عن الصراع الكبير في المنطقة، أوّلاً لأنّ “حزب الله” هو أحد أركان السياسات العسكرية والأمنية الإيرانية في المنطقة، وثانياً لأنّ الانقسام اللبناني “المتناسل” منذ العام 2005 يتمحور حول هذا الصراع. وإن كان هذا الانقسام شهد تحوّلات كبيرة بعد تمكّن “حزب الله” من فرض قواعده على اللعبة السياسية بحيث استطاع منذ العام 2006 تحييد موضوع سلاحه إلى حدّ بعيد عن النقاش السياسي بخلاف ما كانت عليه الحال منذ العام 2005. لكنّ الأهمّ يبقى أنّ أيّ محاولة لإخراج لبنان من سياسة المحاور كانت وما تزال منوطة إلى حدّ بعيد بإرادة الدولتين المتصارعتين على أرضه، أي إيران وأميركا، بتحييده عن مواجهتهما المباشرة وغير المباشرة، أو باعتباره بالحدّ الأدنى منطقة “ربط نزاع” بينهما. وهو ما لا يبدو أنّه مرجّح الحدوث راهناً، خصوصاً قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل. بل على العكس، فالتطورّات السياسية والعسكرية في المنطقة تؤشر إلى مزيد من التصعيد في المواجهة بين الجانبين، خصوصاً في ظلّ الترقّب “الإقليمي” إثر تفجير طال منشأة نووية إيرانية في منطقة “نطنز”، وتلويح إيران بردّ “حاسم ومهم” في حال ثبت ضلوع “كيان أو دولة في الحادث”. وهو ما يعيد الأنظار مجدداً إلى الجنوب اللبناني كمنطلق لردّ محتمل على الهجوم الإسرائيلي “المشتبه” في “نطنز”.

وسط هذا المشهد الإقليمي المحتقن إلى أبعد حدود برز في لبنان أخيراً موقف البطريرك بشارة الراعي الداعي إلى تحرير الشرعية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية

الحوثيون أيضاً عاودوا استهداف المملكة العربية السعودية بصواريخ باليستية، في مؤشّر تصعيدي آخر على تصاعد المواجهة في المنطقة. وكلّ ذلك في ظلّ تشدّد أميركي متواصل إزاء إيران وحلفائها عبر عقوبات قاسية مفروضة عليهم، وكباش حول تمديد حظر الأسلحة على إيران في مجلس الأمن والتهديد بانتقال ملف النووي الإيراني مجدداً إلى المجلس عينه.

وسط هذا المشهد الإقليمي المحتقن إلى أبعد حدود برز في لبنان أخيراً موقف البطريرك بشارة الراعي الداعي إلى تحرير الشرعية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية والالتحاق بالإجماع العربي وإعلان حياد لبنان. وقد أوجد هذا الموقف توازناً داخلياً سياسياً ووطنياً كان مفقوداً طيلة الفترة الماضية. ولعلّ هذا التوازن هو المدخل الحقيقي والوحيد لإطلاق مسار سياسي يسمح باستعادة المباردة الوطنية للعمل على تحييد لبنان من داخل في ظلّ استعصاء تحييده من خارج. وحتّى لو حدثت توافقات إقليمية – دولية معينة حول لبنان فهي ستترجم في ظلّ المشهد السياسي الحالي على قاعدة “غالب ومغلوب”، الأمر الذي سيعيدنا إلى أزمة وطنية من نوع آخر شبيهة بتلك التي خلّفها التوافق الأميركي – السوري بعد حرب الخليج الأولى والتي رتّبت اختلالات سياسية واقتصادية واجتماعية في لبنان ما زلنا ندفع أثمانها حتّى اليوم.

لذلك، فإنّ مواقف بكركي الداعية عملياً إلى فكّ أسر لبنان داخلياً وخارجياً تشكّل الأساس الصالح والوحيد لإقامة “حوار وطني جامع” حول النقاط الثلاث التي أعلنها البطريرك الراعي، على حدّ تعبير الوزير السابق نهاد المشنوق. خصوصاً أنّ أصوات إسلامية عديدة لاقت “نداء 5 تموز”، سواء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى أو المجلس المذهبي الدرزي، وكذلك الرئيس فؤاد السنيورة والمشنوق والمفكّر الإسلامي رضوان السيّد، الذين دعوا إلى إجراء مثل هذا الحوار وبشروط “ثلاثية بكركي”. هذا فضلاً عن تلقّف “تيار المستقبل” ورئيس “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط موقف الراعي. مع الإشارة إلى أنّ عظة الراعي الأحد الماضي لم تغفل “القضية الفلسطينية المحقّة”. وهو ما يزيد من فرص تشكيل طرحه أرضية صالحة للحوار الوطني المنشود. خصوصاً أنّ لبنان يبدو في ظلّ حكومة “الائتلاف الحاكم” مكشوفاً سياسياً وأمنياً عشية الاستحقاقات الداهمة التي تنتظره في القريب من الأيام. ولاسيّما بعد فشل “اللقاء الوطني” في بعبدا، ما عكس بوضوح حجم الانقسام الداخلي وعدم قدرة العهد وحكومته على تأمين “مظلة حماية داخلية” لمواكبة التحديّات الحاضرة والمنتظرة.

في 24 تشرين الثاني من العام 2000، أي بعد نحو شهرين على نداء المطارنة الموارنة في 20 أيلول العام 2000، زار الرئيس نبيه برّي بكركي حيث صرّح بعدما التقى البطريرك نصرالله صفير وتناول طعام الغداء على مائدته أنّ “بكركي هي أحد الحراس الكبار للوحدة الوطنية الداخلية قبل الطائف، وفي أثنائه، وبعده”.

فهل يزور برّي بكركي بعد “نداء 5 تموز”، مع العلم أنّ الأمور لا تحتمل الانتظار شهرين آخرين؟!

 

مواضيع ذات صلة

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…

من يُنسّق مع باسيل بعد وفيق صفا؟

بات من السهولة رصد تراكم نقاط التباعد والفرقة بين التيّار الوطني الحرّ والحزب. حتّى محطة otv المحسوبة على التيّار أصبحت منصّة مفتوحة لأكثر خصوم الحزب شراسة الذين…