الحقيقة المرّة: لبنان ليس على طاولة التفاوض

مدة القراءة 7 د


في خضمّ الغموض المتواصل حول مصير الجهود الخارجية للتوصّل إلى اتفاق على انتخاب رئيس للبنان، يحلو لبعض المراقبين أن يتذكّر الرواية الشهيرة لرئيس الحكومة السابق تمّام سلام التي يذكر فيها كيف أدّت اتصالات أميركية إيرانية في عام 2014 إلى تشكيل حكومته بعد 11 شهراً من التعطيل.

تمنّيات بأن تحصل مفاجأة…
يومذاك وفيما كانت كلّ الأبواب موصدة أمام ولادة حكومته، تلقّى سلام اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي باراك أوباما في مطلع شهر شباط من تلك السنة قال له فيه: “ستتشكّل حكومتك قريباً”. فوجئ الرئيس سلام بهذا الخبر. وفعلاً تشكّلت الحكومة بعد بضعة أيام. جرى ذلك نتيجة طلب من وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف تسهيل طهران تأليف الحكومة. ويرجّح البعض أن يكون جرى ذلك على هامش جلسات التفاوض بين أميركا والدول الأوروبية وإيران في الملفّ النووي التي أنتجت اتفاقاً في العام التالي، وعلى فنجان قهوة أثناء استراحة بين جولة تفاوض وأخرى. بصرف النظر عن التكهّنات بحقيقة ما حصلت عليه طهران مقابل هذا “التساهل” في تأليف الحكومة الذي أخّرته شروط الحصص والثلث المعطّل، فإنّ من يتذكّر هذه الرواية يفعل ذلك من باب التمنّي أن يحصل شيء مشابه بالنسبة إلى إحداث اختراق في شأن الرئاسة يُنهي أكثر من عشرة أشهر و20 يوماً من الفراغ المستمرّ.
في مقابل هذه التمنّيات يتشاءم المتابعون للتعقيدات في الإقليم في شأن إحداث أيّ خرق، ويعتقدون أنّ جلّ ما يحصل منذ أشهر سيستمرّ في المرحلة المقبلة، والمهمّ “الشطارة من قبل الفرقاء المحليين في تعبئة الوقت”.

الاتّفاقات الإيرانيّة الأميركيّة ممرّ الاستحقاقات الخارجيّة
كيف يمكن أن يحصل ذلك مرّة ثانية؟ ومن أين سيأتي اتصال هاتفي كاتصال أوباما في وقت تختلف الظروف والتعقيدات التي تلفّ المأزق اللبناني، لا سيما في شأن الرئاسة الأولى؟

يبقى أنّ المؤشّر الحقيقي لترجمة أيّ اتفاقات أميركية إيرانية تنعكس على لبنان، هو مدى التقدّم في ما سمّي تحديد الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل، الذي يستحيل التوصّل إليه من دون تفاهم الدولتين مثلما حصل في شأن ترسيم الحدود البحرية

من الطبيعي أن يعلّق الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عودته إلى بيروت الشهر المقبل على تبلور ظروف تؤدّي إلى إحداث تقدّم وفق حسابات الإفادة من المناخ الإقليمي المحتمل الذي قد يحتضن هذا التقدّم. والحسابات في هذا الصدد تبدأ بترقّب ما سينتج عن اللقاء بين ممثّلي دول الخماسية، السعودية، قطر، مصر، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في نيويورك، سواء كان على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى دبلوماسيين معنيين بالشأن اللبناني، ولا تنتهي بما يمكن أن ينجم من إيجابيات في العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران استناداً إلى تثبيت اتفاق تطوير الهدنة في اليمن بعد زيارة وفد “أنصار الله” للرياض التي تمّت بناء على وساطة عُمانية إثر زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمسقط قبل ثلاثة أيام.
لا تتوقّف الاستحقاقات الخارجية التي يربط اللبنانيون ثمار حركة الموفد الفرنسي المرتقبة بها، وتشمل الاجتماع المنتظر للبابا فرنسيس مع الرئيس إيمانويل ماكرون في مرسيليا استناداً إلى خطة عمل دبلوماسية صامتة يتحرّك وفقاً لها الفاتيكان، عنوانها تسريع إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان. وتشمل أيضاً ترقُّب الأوساط السياسية والإعلامية ما سينجم عن حركة الموفد القطري في بيروت.
تكمن الحقيقة المؤلمة في أنّ تعلُّق اللبنانيين بحبال الهواء هو ما يدفع البعض إلى اللجوء إلى نوستالجيا اتصال أوباما بالرئيس سلام، في وقت لا تشي الوقائع بإمكان حصول “سحر” من هذا القبيل نتيجة التبصير والضرب بالرمل الذي يلجأ إليه بعضهم، سياسيين كانوا أو إعلاميين. لكن خلف التمنّيات تقف قناعة عند حلقة ضيّقة منهم مفادها أنّ من العبث التفتيش عن اختراقات خارج إطار التفاهمات الأميركية الإيرانية، مهما جرى على المسارات الإقليمية الأخرى.

الحوثيّون في الرياض: اتّفاقات تعاكسها أميركا والإمارات؟
لطالما كان التعويل على التقدّم في التفاهمات الإيرانية السعودية أحد العوامل التي يعلّق عليها الوسط السياسي اللبناني أهمية في إحداث اختراق يُخرج الرئاسة في لبنان من عنق زجاجة التعطيل. فهذه التفاهمات هي واحدة من بين انتظارات وعوامل عديدة كثيرة يمكن ترقّب تأثيرها الإيجابي. يذهب بعض الفرقاء، لا سيما مؤيّدو محور الممانعة الذي يرشّح سليمان فرنجية، إلى حدّ توقّع أن تحصل إيران على مكافأة في الرئاسة في لبنان مقابل تسهيلها تطبيع الوضع في اليمن، وهو ما تنفيه في شكل قاطع الدبلوماسية السعودية. هذا وتشير الوقائع إلى أنّ تعقيدات تحيط بهذه التفاهمات:
– سبق أن توصّلت الوساطة العُمانية بين الرياض والحوثيين إلى حلول لقضايا رواتب أجهزة الدولة في مناطق سيطرة “أنصار الله”، وفكّ الحصار عن الموانئ، وتطوير تشغيل مطار صنعاء بالقبول بتسيير رحلات أكثر إلى العديد من البلدان… إلا أنّها حلول مع وقف التنفيذ.

من الطبيعي أن يعلّق الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عودته إلى بيروت الشهر المقبل على تبلور ظروف تؤدّي إلى إحداث تقدّم وفق حسابات الإفادة من المناخ الإقليمي المحتمل الذي قد يحتضن هذا التقدّم

– الاتفاقات بين السعودية وبين الحوثيين وخلفهم إيران والحزب تواجهها عقبة جوهرية هي رفض رموز المجلس الانتقالي في جنوب اليمن الساعي إلى نوع من الاستقلال عن شمال اليمن تكريس تلك الاتفاقات. والمجلس الانتقالي تدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة في شكل واضح، والولايات المتحدة الأميركية ضمناً على الرغم من تأييدها محادثات الرياض. فهي ما زالت تربط معالجة الوضع في اليمن بسائر القضايا الإقليمية من ضمن ملفّ علاقتها مع طهران. فإنجاز الاتفاق في نظر واشنطن ستكسب منه إيران، فيما الميادين الأخرى ما زالت معلّقة.
– في كلّ الأحوال، إذا حصلت حلحلة في اليمن، فإنّ المسار التنفيذي لبنوده يحتاج إلى وقت، وهذا لا يعني أن تشمل الحلول مواقع وميادين أخرى في المنطقة.
– أولوية واشنطن في الظرف الراهن إحداث تقدّم في خطة الرئيس جو بايدن للتطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ودون هذا التقدّم العديد من العقبات، الإسرائيلية من جهة، والشروط السعودية المتعلّقة بحقوق الفلسطينيين في إطار حلّ الدولتين من جهة ثانية.

لبنان ليس على طاولة البحث
الرؤية المتشائمة لمدى الاهتمام بملء الفراغ الرئاسي في لبنان تعود إلى أنّ الذراع الإيرانية في اليمن، وفي سوريا الكثيرة الاضطراب والمتعدّدة المواجهات هذه الأيام، هي الحزب، فإذا كانت الأمور غير قابلة للحلول فيهما، فكيف هي الحال في مركز وجوده في لبنان؟

إقرأ أيضاً: الحوار اللبنانيّ مخرج “هجين” لاتّفاق خارجيّ لم يحصل

يبقى أنّ المؤشّر الحقيقي لترجمة أيّ اتفاقات أميركية إيرانية تنعكس على لبنان، هو مدى التقدّم في ما سمّي تحديد الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل، الذي يستحيل التوصّل إليه من دون تفاهم الدولتين مثلما حصل في شأن ترسيم الحدود البحرية. وهذا أمر لم ينطلق بجدّية بعد، على الرغم من اقتراح الجانب الإسرائيلي في اجتماع اللجنة الثلاثية للجيشين اللبناني والإسرائيلي و”اليونيفيل”، الانسحاب من 9 نقاط (من ضمنها شمال بلدة الغجر) متنازَع عليها من أصل 13 نقطة، مقابل إزالة الخيمة التي أقامها الحزب في مزرعة بسطرة في المنطقة المحتلّة من مزارع شبعا. والموفد الأميركي آموس هوكستين، الذي طلب لبنان وساطته في شأن تسوية الحدود البرّية، ذهب ولم يعُد، لأنّه يعتبر أنّ المفاوضات تحتاج إلى وجود رئيس للجمهورية لاستكمال البحث في النقاط الباقية. فهو يدرك أنّ إنجاز هذا الملفّ يحتاج إلى الكثير من الوقت، وأنّه لم يحِن بعد لأنّ الحزب ليس في مناخ إنهاء الفراغ الرئاسي.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان،…

هل يتذكّر ترامب وعده للّبنانيّين… ويبعد إسرائيل وإيران؟

أيّ دونالد ترامب في البيت الأبيض مجدّداً؟ سيعتمد الكثير على فريق العمل الذي سيشكّله، لكنّ الأكيد أنّ هناك نقطتين، مرتبطة كلّ منهما بالأخرى، لا بدّ…

ترامب رئيساً.. هل ستغيّر الوعود هذا العالم؟

اعتدنا أن نسمع، من جديد، في موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، عن مزاج الولايات المتأرجحة السبع التي تحدّد عادة وحدها من يدخل البيت الأبيض. لكنّنا في…

السّيستاني لإيران: السّلاح بيد الدّولة فقط

لم يخرج الكلام الصادر عن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف عن الإطار المحدّد لمواقفها في ما يتعلّق بالأوضاع الداخلية العراقية والتحدّيات التي يواجهها هذا…