يبدو أنّ الحزب بات مرناً اتجاه الحلول المطروحة على المستوى الدبلوماسي، في حركة الموفدين الدوليين الكثيفة نحو لبنان في الأسابيع الفائتة وتلك المقبلة.
فقد كشفت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” أنّ “كلّ ما يتمّ بحثه حالياً يتمحور حول مرحلة ما بعد غزة . كلّ الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان والمنطقة والآتين لزيارته الأسبوع المقبل عينهم على مرحلة ما بعد غزة وتسوية الأوضاع على الحدود جنوب لبنان، وضمان انسحاب الحزب إلى شمالي الليطاني. ذاك المطلب الذي لم يكن وارداً طرحه وبات متداولاً على مرأى ومسمع الحزب الذي أبدى موقفاً مرناً يستحقّ التوقّف عنده حيال الورقة التي تقدّم بها لبنان أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة وتتحدّث عن صيغة للحلّ وتقترح من جملة ما تقترحه تعزيز الجيش اللبناني لتأمين انتشاره على طول الحدود مع إسرائيل”.
وفي تقدير مصادر أممية أنّ “بوادر المفاوضات الإيرانية مع أميركا ستعود بنتائجها على لبنان، وأولى ثمارها انعكست بالمرونة التي يبديها الحزب حيال تنفيذ القرار 1701 وعدم اعتراضه على ورقة لبنان التي تتحدّث عن التزام بتنفيذ القرار الدولي الذي ينصّ على انتهاء المظاهر المسلّحة وإبعادها إلى ما بعد شمالي الليطاني. وطالما أنّ الورقة حظيت بموافقة الحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب نبيه برّي فذلك يعني أنّ الحزب الذي اطّلع عليها تعاطى معها بمرونة كي لا نقول إنّه وافق عليها”.
كشفت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” أنّ “كلّ ما يتمّ بحثه حالياً يتمحور حول مرحلة ما بعد غزة
المنطقة في مخاض حسب ما تتقاطع معطيات دبلوماسية وسياسية، وإذا كانت التسوية وُضعت على نار التفاهم بشأنها فإنّ نضوجها دونه شروط كثيرة ومعقّدة والبداية من غزة، حيث هناك من يتحدّث عن تفاهم ضمني إيراني أميركي على عدم السماح ببقاء رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، لكن في الوقت ذاته الطرف الإيراني ليس على عجلة من أمره لتقديم تنازلات للرئيس الأميركي جو بايدن ما لم يتأكّد من بقائه للفترة المقبلة. الانتخابات الأميركية هي المفصل الأساسي الذي على أساسه تتقدّم إيران خطوات إلى الأمام أو لا. والأشهر المقبلة هي أشهر انتظار مع محاولات لخفض التوتّر.
يبدأ المسار بتثبيت الاتفاق الأميركي الإيراني في باب المندب، وهناك الأساس بينهما إلى جانب الطرف السعودي، حيث مصالح الدول الثلاث مجتمعة، ويشكّل العراق نقطة التقاطع الثانية حيث يريد السعودي أن تكون له حصّة في التركيبة العراقية لأنّ سُنّة العراق لا يزالون خارج التوازنات الحقيقية.
ما يحصل ليس إلا تمهيداً لن يصل إلى حدّ التسوية قبل أن يتمّ تأكيد من هو سيّد البيت الأبيض للسنوات المقبلة، ولبنان هو الحلقة الأخيرة، فإمّا يتمّ النأي به وإجراء انتخابات رئاسية أو يستمرّ الاستحقاق مجمّداً.
المنطقة كلها مرتبطة بغزّة
الجميع يترقّب نجاح مفاوضات التوصّل إلى هدنة في غزة للشروع بعدها في بحث آفاق المرحلة المقبلة في المنطقة. لم يعد موضوع غزة منفصلاً. حلّه يعني وقف جبهة الجنوب اللبناني، أو دخولها في هدنة، وإعادة فتح المجال البحريّ في باب الأحمر أمام سفن الشحن الغربية المتوجّهة إلى إسرائيل. صار أمن المنطقة كلّها مرتبطاً بمصير غزة. من وجهة نظر محور المقاومة فإنّ “ما خلصت إليه أحداث الجبهة في غزة حتى الآن سوف يضع أميركا أمام إعادة نظر استراتيجية في حساباتها للمنطقة كلّها”.
ما يحصل ليس إلا تمهيداً لن يصل إلى حدّ التسوية قبل أن يتمّ تأكيد من هو سيّد البيت الأبيض للسنوات المقبلة، ولبنان هو الحلقة الأخيرة، فإمّا يتمّ النأي به وإجراء انتخابات رئاسية أو يستمرّ الاستحقاق مجمّداً
الردّ الأميركي لم يلغِ حوار الطرفين المشترك في عُمان، كما لم يلغِ الوساطات القائمة من أجل إنهاء الحرب في غزة وعلى الحدود اللبنانية. وسيكون الأسبوع المقبل حافلاً بالمساعي، حيث سيصل إلى إسرائيل وزيرا خارجية أميركا وفرنسا والموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين. وإذا كان الموفد الفرنسي سيشمل بزيارته لبنان فإنّ وصول هوكستين ليس مؤكّداً ويتوقّف على نتائج زيارته لإسرائيل وفقاً لما تؤكّده مصادر مقرّبة من الموفد الأميركي لـ”أساس”.
في حسابات محور المقاومة، وفي ضوء نتائج الميدان في غزة، لا يُستبعد أن ترسم أميركا معادلات جديدة لها علاقة بالتعاطي بواقعية مع إيران كقوة إقليمية ودولية لها امتداداتها في أكثر من منطقة. الأمر الإضافي هذا يأتي على خلفية تطوّرات دولية كبرى.
محور مؤازرة غزّة.. ومكاسبه الاستراتيجية
الحديث عن محور مقاومة مؤازر لغزّة لم يعد فرضيّات وكلاماً عابراً أو شعاراتٍ وحسب، وما كان نظرياً صار أمراً واقعاً من البحر الأحمر إلى غزة. أسطول المساعدات الذي حضر لإنقاذ الجيش الإسرائيلي لم يغيّر بعد أربعة أشهر حقيقة أنّ إسرائيل سقطت في غزة. وتؤكّد مصادر مطّلعة على سير المفاوضات أنّ “الكلّ يتعاطى مع حماس والفصائل الفلسطينية على أنّها منتصرة، وهو ما يعني أنّ إمكانيات حماس صنعت انتصاراً على إسرائيل”.
تمضي المصادر مؤكّدة أنّ “أميركا لا تريد خوض حرب ضدّ الحزب لعلمها أنّ أيّ محاولة ستفتح مواجهة واسعة في المنطقة هي بغنى عنها، خاصة أنّ هناك حرباً في أوكرانيا، وهو ما جعلها تقف على المفترق أمام الدبّ الروسي والتنين الصيني، وهما القوّتان الكبريان اللتان تتمنّيان اندلاع حرب تغرقها، ولذا ستذهب أميركا حكماً إلى تسوية، وهي التي تبقي أبوابها مواربة أمام أيّ مفاوضات مع إيران في عُمان.
إقرأ أيضاً: لبنان: “فيفتي – فيفتي” بين الحرب والسلام..
تؤكّد مصادر دبلوماسية أنّ هذه المفاوضات تدور حول كلّ ملفّات المنطقة وصولاً إلى سوريا. وتعتبر أنّ أيّ تسوية لم تعد مرتبطة بالحزب وحماس، بل بكلّ ما يستوجب تسوية بشأنه في سياق تسوية شاملة متكاملة. وتتابع المصادر الدبلوماسية قولها إنّها مرحلة انتظار يحاول خلالها كلّ طرف تحسين شروطه بالتصعيد.