على طريقة كليشيه “الصليب والهلال” الذي أفنت أجيالٌ سنينها وهي تسكب دموعها كلّما رأت مشهد “الشيخ والخوري”، انهمرت مساء الخميس دموع فيسبوكية، طاهرة، وجليلة، من ناشطين تأثّروا وهم يرون “علّوشي” وهو ينضمّ إلى المحتجين على جسر “الرينغ” مساء الخميس. وسرعان ما ارتفع أدرينالين “الثورة” في عروق المتعاطفين معها، وهم يظنّون أنّ تحالف شتم السيدة عائشة أصيب بزلزال مفاجىء على فالق الوعي الثوري، وقرّر الانضمام إلى الثورة، تاركاً وراءه الثنائي الشيعي، وممتنعاً عن الاستماع إلى “الحاج” وهو يركض وراءهم ويناديهم ويتوسّلهم أن يعودوا إلى الخندق الغميق وألا يتركوا “المقاومة” وحيدةً بلا مناصرين.
إقرأ أيضاً: رسالة حزب الله “الحربية”: لا أحد “على السمع”..
هكذا ظنّ كثيرون، ليل الخميس، أنّ “علّوشي” تمرّد على “الحاج” وقرّر أن يصير من “ثوّار الرينغ”، بعدما كانت “شغلته وعملته” أن يغير عليهم ويضربهم ويسخر منهم ويشتمهم ويشتم مقدّساتهم.
لكن مهلاً. قليلاً من الذاكرة لمن ذاكرتهم ثقيلة.
هؤلاء الشبّان ليسوا فقط من داوموا على الإغارة على ثوّار وسط بيروت، وضربهم، وشتمهم، منذ 17 تشرين الأوّل 2019. هؤلاء هم أنفسهم من يأتمرون من “سرايا” حزب الله، التي تضمّ بعض السنّة، وبعض الشيعة الذين يستحي الحزب من إدخالهم إلى جسم حزبه، بسبب سيَرهم الحافلة بالتوقيفات والمخالفات والجرائم، من مخدّرات وسرقة وما شابه.
سيخرج من يقول إنّ “المجد للمخرّبين”. وسيحاجج البعض: “كيف تستقبل الثورة شباب القوات وترفض شباب حزب الله وحركة أمل؟”. وسيقول البعض: “هؤلاء جائعون مثلنا وهذه طريقتهم”.
لا يا حبيبي.
المخرّبون “على راسي”. هؤلاء ليسوا مخرّبين. هؤلاء يعملون لدى “الحاج”. يشتمون متى طلب، ويهتفون ضدّ الطائفية متى أراد. ويعودون إلى المنزل متى أمر.
هؤلاء لا يشبهون مشاغبي “الثورة” الذين حاولوا إشعالها ذات تشرين بالاشتباك مع قوى الأمن. لأنّهم فرقة مدرّبة، كما هو واضح. فريق منهم “يؤمن التغطية” من جسر الرينغ، كي تتراجع القوات تحت الجسر إلى زواريب “الخندق”. الثوّار الحقيقيون كانوا يهربون باتجاه “التباريز” والأشرفية، لأنّهم كانوا يخافون من “الخندق” وشبّانه. ظهرهم ليس لـ”الخندق”، لأنّ الطعنات كلّها من هناك.
ما علينا.
أما عن شباب القوات، فيا عزيزي القارىء، شباب القوات لم يغيروا يوماً على ثوّار جل الديب، ولا شتموا مقدّسات السنّة والدروز والشيعة، ولا أحرقوا خيم المتظاهرين في صور والنبطية وكفررمان ورياض الصلح وبعلبك، ولا لاحقوا الناشطين في مرجعيون وبنت جبيل.
والأهمّ يا عزيزي: شباب القوات ليسوا في السلطة اليوم، وحسّان دياب لا يعمل لديهم، ولا يريدون شيئاً من رياض سلامة ودولارات مصرف لبنان.
ليس “المجد للمخرّبين”، ولا “المجد للشتّامين”. المجد للثوّار، وهم في بيوتهم، يشاهدون علّوشي يحاول السطو على الثورة
نعم، هؤلاء جائعون مثلنا. لكنّهم يستمدّون قوت يومهم من “الحاج”. “الحاج” نفسه الذي بعثهم ليلقوا السلام على شباب “الرينغ” وأكملوا إلى الحمرا حيث أرادهم الحاج أن يهاجموا ويشتموا رياض سلامة. هم في الأساس فرقة من الشتّامين، وكانت مهمّتهم تلك الليلة، ليلة الخميس، أن يشتموا سلامة، بعد السيّدة عائشة.
بالطبع سوليدير ليست مقدّسة. وتخريبها ما عاد “يفرق” لأنّها ماتت وشبعت موتاً، هي ومقاهيها ومطاعمها و”نموذجها” كلّه. وكذلك المخرّبون، ليسوا مقدّسين. كانت مهمّتهم، الخميس والجمعة، والسبت والأحد، تحوير النقاش الذي بدأ يكبر بين الناس، حول سلاح حزب الله.
بدأ اللبنانيون يتأكّدون أنّهم يجوعون بسبب هذا السلاح الذي لم يترك للبنان صاحباً، لا في دنيا العرب، ولا في الكوكب كلّه. وبات اللبنانيون على يقين أن لا دولارات إلا بأن يتواضع هذا السلاح، ويتواضع معه تحالف شتم السيدة عائشة و”الحاج” وعلّوشي أيضاً، وأن يحلّوا عن “الرينغ” وعن الشام وعن صنعاء وبغداد والكويت ومكّة المكرّمة والقاهرة وأوروبا وأميركا اللاتينية وغيرها وغيرها…
مهمّة “الحاج” كانت أن يرسل “فرقة الشتّامين”، ليضغط على رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، كي يضخّ الدولارات في السوق. فقبل انتصاف ليل الخميس تمّ تسريب خبر الاتجاه إلى إقالة سلامة في جلسة الحكومة الجمعة. والجمعة بدأ “ضخّ الدولارات” في السوق، بحسب الأخبار. تلك الدولارات التي “سيشفطها” صديقنا “الحاج” ويرسلها إلى سوريا، نصرةً لنظام بشّار الأسد.
لا، ليس “المجد للمخرّبين”، ولا “المجد للشتّامين”. المجد للثوّار، وهم في بيوتهم، يشاهدون علّوشي يحاول السطو على الثورة، و”الحاج” في الخلفية، يضحك، وهو ينظر إلى وسط بيروت، فيرى ألعوبته في السراي الكبير، رئيساً، وألاعيبه أمام السراي، “يضحكون” على اللبنانيين بانتحال صفة “المعارضة” و”الثوّار”.
إضحك يا حاج، فأنتَ السلطة، والمعارضة أنتَ، وأنتَ السراي، والشارعُ أنتَ، وأنتَ الإفلاسُ والحلُّ أنتَ…