البعد الدينيّ لحرب رمضان: من حزيران 67 إلى تشرين 73

مدة القراءة 4 د


لا يمكن إدراك حرب تشرين (أكتوبر) 1973 إلا في ضوء حرب حزيران 1967. في تلك الحرب دمّرت إسرائيل في اليوم الأوّل، وكان يوم إثنين، الطائرات المصرية والأردنية، وكذلك الطائرات السورية والعراقية. وفي اليوم الثاني، الثلاثاء، اخترقت القوات الإسرائيلية خطوط الدفاع المصرية في سيناء. ويوم الأربعاء احتلّ الإسرائيليون مدينة القدس وأدّوا صلاتهم في حرمها. ويوم الخميس واصلوا زحفهم نحو قناة السويس. واحتلّوا يوم الجمعة مرتفعات الجولان السورية المشرفة على دمشق. ويوم السبت تدخّل العالم بإعلان وقف النار.

هكذا خلال ستّة أيام قال الإسرائيليون: “حدث ما هو فوق قدرة البشر. ولولا التدخّل الإلهي لما كان بالإمكان تحقيق كلّ هذه الانتصارات.. إنّها ترجمة عمليّة للإرادة الإلهية”.

إذا كانت الصهيونية المسيحية تنتظر العودة فإنّ الصهيونية اليهودية تنتظر المجيء. ولذلك يقول بن غوريون أوّل رئيس إسرائيلي: لا إسرائيل من دون القدس. ولا قدس من دون الهيكل

في تشرين الأول (أكتوبر) 1973 حدث العكس تماماً. اجتازت القوات المصرية قناة السويس وحطّمت خطّ بارليف الذي كان يُعتقد أنّه حصن عسكري يستعصي على الاختراق. وتقدّمت القوات السورية في الجولان واسترجعت معظمه. شعرت إسرائيل للمرّة الأولى منذ قيامها في عام 1948 أنّها في خطر وجودي. لذلك قرّرت رئيسة وزرائها غولدا مائير اللجوء إلى السلاح النووي باعتبار أنّه الملاذ الأخير لوقف التقدّم العسكري المصري والسوري في جبهتَي سيناء والجولان. لم يتدخّل الله هذه المرّة. فدخلت الولايات المتحدة. أصيب الإسرائيليون بخيبة أمل جرّاء الشعور بأنّ الله الذي وقف معهم في عام 1967 تخلّى عنهم في عام 1973. ومنذ ذلك الوقت بدأت ترتسم علامات استفهام عن علاقة إسرائيل بالله، وبالتالي عن هويّتها التي تُعتبر إسرائيل وفقاً لها “الأرض المقدّسة لاستقبال المسيح المنقذ”. في الإيمان اليهودي أنّ المسيح لم يأتِ بعد، وأنّ الذي جاء وأعلن نفسه المسيح هو مدّعٍ، وأنّ المسيح الحقيقي ينتظر اكتمال شروط الظهور حتى يأتي ويقود بني إسرائيل إلى السيادة على العالم لمدّة ألف سنة (يسمّونها الألفية)، ثمّ يطوي الله صفحة الكون كطيّ السجلّ للكتب!!

تلتقي هذه النظرية الدينية مع النظرية التي تؤمن بها الحركة الصهيونية المسيحانية في الولايات المتحدة (وكان من أركانها البارزين رونالد ريغان). فخلافاً لما يقول به اليهود عن المسيح، تؤمن هذه الحركة بأنّ المسيح قد جاء فعلاً، لكنّه سيعود ثانية، وأنّ عودته مشروطة بقيام إسرائيل وبناء الهيكل لأنّه لن يعود إلا إلى مجتمع يهودي، كما حدث في المرّة الأولى، ولن يعلن عودته إلا في الهيكل اليهودي، كما حدث في المرة الأولى أيضاً.

من هنا اللقاء بين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية، وهو لقاء تعتبره الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية ومعظم الكنائس الإنجيلية أيضاً، هرطقة وسوء تأويل للنصوص الدينية.

في ضوء نتائج حرب حزيران 1967، انتعشت أدبيّات الحركة الصهيونية ببعدَيْها اليهودي والمسيحي. ثمّ جاءت نتائج حرب 1973 لتوجّه إلى الحركتين ضربة شديدة. وكادت هذه الضربة تطيح بكلّ أدبيّات الحركتين لولا الجسر الجوّي العسكري الذي أقامته الولايات المتحدة لإنقاذ إسرائيل ولقلب نتائج الحرب رأساً على عقب.

إقرأ أيضاً: “أساس” تواكب فرحة الفلسطينيّين في غزّة ورام الله

في حزيران 1967 قام موشي دايان وزير الدفاع بجولة في دبّابة ميركافا في شوارع القدس المحتلّة. كان يرافقه في تلك الجولة جيري فولويل، وهو مبشّر لاهوتي أميركي من أقطاب الحركة الصهيونية المسيحانية. يومها ردّد دايان عبارته الشهيرة: “إنّ معجزات الله تتوالى. لقد تحقّقت المعجزة الأولى بقيام إسرائيل. وتحقّقت المعجزة الثانية باسترجاع القدس. يبقى أن تحدث المعجزة الثالثة ببناء الهيكل اليهودي حتى تكتمل شروط عودة المسيح”.

إذا كانت الصهيونية المسيحية تنتظر العودة فإنّ الصهيونية اليهودية تنتظر المجيء. ولذلك يقول بن غوريون أوّل رئيس إسرائيلي: لا إسرائيل من دون القدس. ولا قدس من دون الهيكل.

أعطى الانتصار العسكري الإسرائيلي في حزيران من عام 1967 الشعور بأنّ النبوءات التوراتية بدأت تتحقّق بالقوّة العسكرية. ولكن عندما كادت حرب رمضان 1973 تطيح بإسرائيل، اهتزّت هذه المشاعر وكادت تختنق لو لم تسارع الولايات المتحدة إلى بناء “جسر الإنقاذ العسكري”، وهو جسر حاشى للمسيح عليه السلام أن يمرّ عليه.

مواضيع ذات صلة

إلى الدّكتور طارق متري: حول الحرب والمصالحة والمستقبل

معالي الدكتور طارق متري المحترم، قرأت مقالك الأخير، بعنوان: “ليست الحرب على لبنان خسارة لفريق وربحاً لآخر”، في موقع “المدن”، بإعجاب تجاه دعوتك للوحدة والمصالحة…

“حزب الله الجديد” بلا عسكر. بلا مقاومة!

أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى…

هل تنأى أوروبا بنفسها عن عقدة محرقة غزّة؟

بعد 412 يوماً من الإمعان في إشعال المحرقة في فلسطين ولبنان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المخلوع…

لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة…