سريعاً عاد النقاش السياسي اللبناني إلى ما كان سائدًا قبل تفجير الرابع من آب. كلّ النقاش في الحكومة وتشكيلها، بعد سقوط حكومة حسان دياب، لا يمت إلى عالم ما بعد “زلزال المرفأ”، الناجم في الحدّ الأدنى عن إهمال مريع، وفي الحدّ الأقصى عن تعريض إجرامي للبنان واللبنانيين لتبعات الانتشار المرعب لسلاح حزب الله، على ما تنبئنا به تسريبات المخابرات الإسرائيلية بين الحين والآخر!
إقرأ أيضاً: لا تنقذوا حزب الله من ورطة الحكم
بلا خجل، أعيد إحياء المتاريس السياسية بين قوى “نظام حزب الله” المكوّن من حلفاء الحزب وخصومه. أعادت هذه القوى انتشارها على رقعة التشكيل الحكومي، والمحاصصة، ولعبة توازنات مجلس الوزراء، حقائب وأعداداً وحتّى جدول أعمال. الرئيس عون يلعب لعبته المفضّلة: بهدلة رئاسة الحكومة بكلّ ما أوتي من أحقاد على اتفاق الطائف. جبران باسيل يبالغ، على عادته، في استثمار قوّة نَسَبِهِ وقوّة حزب الله مستمرّاً في حفر وتعبيد طريقه نحو رئاسة الجمهورية، أو هكذا يظنّ! الرئيس سعد الحريري اختار العزوف المتأخر، بعد لعبة استدراج عروض تحت مسمّى الشروط، لا يبدو أنّها لاقت جمهوراً يتلقّفها! والثنائي الشيعي ماضٍ في إدارة “نظام حزب الله” الذي تتقلّص فيه حصّة الرئيس نبيه بري يومياً..
لا تأتي هذه الوقاحة من فراغ. فقوى “نظام حزب الله”، وفي ذروة فشلها الإداري وتطاحنها السياسي، واستشراء فسادها، لا تزال صاحبة صفات تمثيلية جدّية.
مشكلة لبنان تكمن في هذه المنطقة بالضبط. منطقة تلاقي الصفة التمثيلية مع الفشل المريع لصاحب الصفة.
ما يفعله حزب الله وهو يدير قوى “نظام حزب الله” وتوازناتها، واختلال توازناتها، أنّه يعطّل الولادة الطبيعية للسلطات السياسية
كان يمكن تحميل اللبنانيين، كناخبين، مسؤولية هذا الواقع، لولا أنّ الديموقراطية اللبنانية منقوصة ومشوّهة، إلى الحدّ الذي يمكن معه التشكيك في شرعية الصفات التمثيلية للقوى السياسية، بصرف النظر عن فوزها أو خسارتها للانتخابات. أما المسبب الرئيس لهذا التشوّه فهو احتلال حزب الله السياسي للحياة السياسية والوطنية اللبنانية.
المفتاح الأوّل للشرعية التمثيلية لأيّ سلطة سياسية، وبالتالي للقبول الشعبي بقراراتها السياسية والإدارية، ينبع من كيفية تكوين السلطات السياسية، ووفق أيّ قوانين انتخابية ووفق أيّ آلية اختيار!
ما يفعله حزب الله وهو يدير قوى “نظام حزب الله” وتوازناتها، واختلال توازناتها، أنّه يعطّل الولادة الطبيعية للسلطات السياسية. فلا هو يقبل بالحكم منفرداً ولا يتيح للآخر أن يتعرّض لامتحان الحكم وفق النتائج التي تفرزها الانتخابات.. لا نعرف على وجه التحديد قدرته وقدرة حلفائه على الوفاء بشعاراته، ولا تُمتحن المدارس الأخرى لمعرفة حقيقة كفاءتها وصواب رؤيتها.
يغطّي الحزب، وتتواطأ معه باقي قوى النظام، كلّ هذه الإشكاليات بعبارة ارتجالية اسمها الديموقراطية التوافقية، ودائماً بتهديد تعطيل النظام أو الضغط عليه بوهج السلاح أو بالسلاح نفسه حين تدعو الحاجة. وما قتل رفيق الحريري وإدانة مسؤول أمني كبير في حزب الله بالمسؤولية عن هذه الجريمة إلا مؤشّرّ واضح على قدرة هذا السلاح على إحداث التغيير السياسي الذي يبتغيه بكلّ الوسائل المتاحة له!
بهدا المعنى، يمكن اعتبار أنّ رئاسة الرئيس عون قانونية لكنها غير شرعية، بكلّ ما ينتج عنها من نتائج وقرارات وسياسات.. فهي ليست حاصل الإرادة الحرّة لمن انتخبه، بل تأقلم اضطراري أقدم عليه من أقدم عليه، مدفوعاً بالإدراك الحاسم أنّ البديل عن انتخاب عون هو الفراغ إلى ماشاء الله، وتحت تهديد البلطجة السياسية التي مارسها حزب الله منتحلاً صفة الحقّ الديموقراطي بتعطيل النصاب!! وما يفقد هذه الخطوة مصداقيتها ويدرجها في خانة البلطجة السياسية أنّ الحزب، وعندما لم تُتَح له القدرة على التعطيل النصابي، عمد عبر حليفه في الثنائي الشيعي إلى إقفال مجلس النواب تماماً!!!
تشكيل أيّ حكومة بالاستناد إلى آليات ما قبل الرابع من آب، كأنّ شيئًا لم يكن، هو قرار له فضيلة واحدة، وهي إلباس الحرب الأهلية الكامنة لبوس التسوية والعقلانية والحكمة والتوافق، وغيرها من المفردات النبيلة التي تحترف قوى “نظام حزب الله” تعهيرها
بإزاء هذا الاستعصاء، تتحوّل المسألة في العمق إلى أزمة نظام، إذا ما افترضنا أنّ الخيار الشيعي النهائي هو خيار الاحتفاظ بالسلاح. وعليه يصير من حقّ اللبنانيين الرافضين للسلاح البحث عن حلول عملية خارج أوهام الوحدة الوطنية وأناشيدها البالية، أو الرهان على تنازل اضطراري للشيعة عن السلاح بالاستناد إلى معدّلات وتطوّرات إقليمية ودولية.
في الغضون، تصير أزمات الحكم هي البديل السلمي الوحيد عن الحرب الأهلية الساخنة التي بالمناسبة ردّدها زعيم ميليشيا حزب الله مراراً في خطابه الأخير!
والحال، إذا ما كانت الصفات التمثيلية لقوى النظام، أيّ نظام، هي المحدّد الرئيسي لشرعية السلطة السياسية وقراراتها، فإنّها في لبنان مجرد ذريعة لاستيلاد شرعيات منحرفة، وتأسيس آليات سياسية للهيمنة والاستتباع خارج أيّ قيد دستوري أو قانوني.
من هنا، فإنّ تشكيل أيّ حكومة بالاستناد إلى آليات ما قبل الرابع من آب، كأنّ شيئًا لم يكن، هو قرار له فضيلة واحدة، وهي إلباس الحرب الأهلية الكامنة لبوس التسوية والعقلانية والحكمة والتوافق، وغيرها من المفردات النبيلة التي تحترف قوى “نظام حزب الله” تعهيرها..
لبنان دولة محتلّة سياسياً وأمنياً وعسكرياً من ميليشا حزب الله، وكلّ ما ينتج عن التعامل مع الاحتلال هو حكومات “فيشي” جربها العالم ويعرف مآلاتها: .. Google It وإذا كنتم على عجلة افتحوا صفحة حسان دياب…