الإصرار على قتل لبنان

مدة القراءة 4 د


ليس الانفعال وحده الذي ميّز الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله. هناك ما هو أبعد من الانفعال. هناك تأكيد مباشر فحواه أنّ “حزب الله” يحكم لبنان ويتحدّث باسم لبنان. لم يكن ينقص حسن نصرالله سوى قول “أنا لبنان ولبنان أنا”. هل هذا ما يريده اللبنانيون… أم لم يعد يوجد من يردّ على هذا الكلام الذي يهدّد مستقبل كلّ لبناني، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية؟

لم يكن ينقص سوى هذا التأكيد الذي تضمنّه خطاب حسن نصرالله، وهو تأكيد يفرض السياسات العامة للدولة، للإعلان رسمياً أنّ هناك سلطة اسمها سلطة “حزب الله”

لا يوجد من يردّ على كلام حسن نصرالله لسبب واحد. هذا السبب هو سلاح “حزب الله” الموجّه إلى الصدور العارية للبنانيين. هذا ما ظهر بوضوح في أيّار 2008 لدى حصول غزوة بيروت. من احتلّ بيروت قبل اثني عشر عاماً وسعى في الوقت ذاته إلى ترهيب الدروز في الجبل، لا يحقّ له الكلام عن سلاح من أجل حماية لبنان. هذا السلاح هو من أجل السيطرة على لبنان، ولا شيء آخر غير ذلك. هذا السلاح تسبّب في سقوط ضحايا في بيروت والجبل. هل هناك من يريد أن يتذكّر ذلك؟ 

لم يكن ينقص سوى هذا التأكيد الذي تضمنّه خطاب حسن نصرالله، وهو تأكيد يفرض السياسات العامة للدولة، للإعلان رسمياً أنّ هناك سلطة اسمها سلطة “حزب الله”. تعلو هذه السلطة على أيّ سلطة أخرى. ما لم تستطع إيران قوله عشية بدء الإدارة الأميركية تطبيق “قانون قيصر” في حقّ النظام السوري، قاله حسن نصرالله من بيروت. قال صراحة إنّ لبنان محكوم بسلاح “حزب الله”، أي بالسلاح الإيراني. كان واضحاً كلّ الوضوح. ورد في الخطاب الآتي: “الذي يضعنا بين خيارين، يا منقتلك بالسلاح أو بالجوع، أقول: سيبقى السلاح بين يدينا ونحن سنقتلك، سنقتلك، سنقتلك”.

في النهاية، من هي الجهة التي يريد الأمين العام لـ”حزب الله” قتلها؟

إذا كان يقصد الولايات المتحدة الأميركية، ففي الولايات المتحدة إدارة متوحّشة، منحازة فعلاً إلى إسرائيل، لا يهمّها مصير لبنان وما اذا كان هناك لبنانيون يشعرون بالجوع. هذه الإدارة طوت صفحة لبنان منذ فترة طويلة ولا ترى في لبنان سوى بلد يحكمه “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني عناصره لبنانية. وصفت الإدارة “حزب الله” بأنّه “إرهابي”، وهي تتعاطى معه بهذه الصفة، خصوصاً في ظلّ وجود “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”. من يقول إنّ هذه ليست “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله” عليه أن يأتي بدليل على صدور ردّ فعل من لبنان الرسمي على كلام خطير، إلى أبعد حدود، صدر عن الأمين العام لـ”حزب الله”، هو في الواقع ردّ إيراني على “قانون قيصر”. وقد بدأت تظهر مفاعيل هذا القانون على الفور، بعد صدور لائحة أولى بعقوبات أميركية تطال شخصيات ومؤسسات سورية. قد تلي اللائحة الأولى لوائح أخرى، ربّما تضمنت أسماء لبنانيين…

بعض التواضع أكثر من ضروري هذه الايّام. التواضع أمام الدولار المفقود أوّلاً. التواضع رحمة بلبنان واللبنانيين ثانياً وأخيراً. يعني التواضع ضرورة التفكير أنّ في لبنان فراغاً لا مصلحة لأيّ لبناني في أن يملأه “حزب الله” الذي ذهب يقاتل في سوريا من أجل حماية نظام أقلّوي تعتبره “الجمهورية الإسلامية” في إيران بمثابة تابع لها.

إقرأ أيضاً: توتر “حزب الله”… ابحث عن سوريا

لا يستطيع لبنان الخروج من أزمته، وهي أزمة مصيرية بكلّ معنى الكلمة، عن طريق التهديدات. يستطيع ذلك عن طريق التواضع واعتماد المنطق. المنطق يقول إن ثمّة حاجة إلى التمييز بين لبنان و”حزب لله”. أن يكون “حزب الله” هو لبنان يعني أن الكارثة الأكبر آتية على البلد وعلى أبنائه. كلّ ما عدا ذلك لا قيمة له. لا تستطيع إيران أن تساعد لبنان في شيء باستثناء إغراقه بالسلاح. أمّا الصين، فلديها حسابات خاصة بها، ولا يمكن جرّها إلى الاستثمار في لبنان من دون استقرار فيه ومن دون دولار ثابت. الصين تتعاطى بالدولار ولا تعترف إلّا بالعملات الصعبة… فيما إيران تلهث خلف الدولار، وتلهث خلف صفقة تعقدها مع “الشيطان الأكبر” الأميركي.

مرّة أخرى، بعض التواضع مفيد. الأهمّ من التواضع هو التصالح مع الحقيقة ومع الواقع ومع أن لا مستقبل للبنان في ظلّ “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”. الحكومة يجب أن ترحل والعهد يجب أن يتغيّر…

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…