أشياء كثيرة تغيّرت في مطلع الألفية الجديدة. المدرّب التاريخ لنادي “الأنصار” الكابتن عدنان الشرقي فضّل الاعتزال بعد سنوات طوال من العطاء. وسليم دياب سلّم الراية لابنه كريم، في وقت اعتزل معظم اللاعبين الذي صنعوا الانتصارات الكبيرة، مثل عمر إدلبي، ومحمد الشريف، وعصام قبيسي، وفادي علوش وغيرهم…
ترافق هذا مع استشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005.
حينها استنجد دياب الابن بالإعلامي وضّاح الصادق لإدارة الفريق. لكنّ بداية هذا الثنائي مع الفريق لم تكن إطلاقًاً مثل نهايتها، فبعد لقبين متواليين للدوري في 2005 – 2006 و2006 – 2007، هبط أداء الفريق بشكل مفاجئ مع إطلالة شبح أزمة مالية خانقة أثّرت سلباً على الحضور والنتائج والأداء، فتراكمت الديون وتقلّصت أعداد الجماهير وغاب بريق “الأخضر” بعد 11 لقباً متوالياً للدوري اللبناني قادته إلى موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية.
إقرأ أيضاً: الأنصار (2/3): سليم دياب أخذه إلى السياسة.. وألقاب البطولة
ومع تعمّق الأزمات المالية، لجأ دياب والصادق للاستعانة بعضو اللجنة الإداري للنادي نبيل بدر لإنقاذ الأنصار من ديونه وترميم صفوفه، وإعادته إلى سكة البطولات، فكان القرار بإعلانه رئيساً للنادي تزامناً مع “تمويل” تولّى عبره تنظيم الأمور المالية للفريق.
بدأ بدر حقبة جديدة من عمر الأنصار. فمنذ تسلّمه مهمته في 2013 لم يُخفِ الرجل طموحاته السياسية، علماً أنه بذل جهداً جبّاراً لتمكين الأنصار من الاستقرار بعد سنوات من التخبّط. فسدّد الديون المتراكمة واستقدم نخبة من اللاعبين وعمل على استعادة ثقة الجمهور، بموازاة نشاطاته الخيرية والاجتماعية، التي ساعدته على الترشّح للانتخابات النيابية، لكن على لائحة لا يقودها سعد الحريري، الذي بدوره ابتعد عن دعم الأنصار في ظل أزمته المالية تاركاً العبء الأكبر على بدر.
فشل بدر في الانتخابات، وأرقام لائحته كانت بعيدة جداً عن توقعاته. 854 صوتاً تفضيلياً هو كلّ ما جناه بدر بعد ملايين الدولارات التي صرفها على النادي، معتمداً على أنّ جماهير المدرّجات ستتحوّل إلى أصوات في صناديق الاقتراع.
استشاط بدر غضباً، وفجّر غضبه بجمهور ناديه متهماً إياهم بدعم الحريري على حسابه، معلناً استقالته من رئاسة النادي، ومعتبراً في الوقت عينه أن الجمهور لم يبادله الوفاء.
استقالة بدر لم تكن الأولى ولا الأخيرة، بل إنّها تكرّرت أكثر من مرة على قاعدة “عرف الحبيب مكانه فتدلّلا”، إذ يعلم بدر جيداً أنّه لو ترك مسؤولياته فمن الصعب جداً إيجاد بديل قادر حالياً على تمويل النادي. ويعتبر بعض المتابعين أن تلويح بدر المستمرّ بالاستقالة، هو ورقة ضغط يلعبها مع جمهور ناديه.
مبدأ الـ”هير كات” طال اللاعبين من قبل الهيئة الإدارية، لكن نبيل بدر طلب عدم التخلّي عنهم باستثناء الأجانب
في الواقع، فإن تجربة بدر هي محطّ نقاش، بل هي مسألة جدلية تحمل أكثر من رأي. البعض يرى أنه أمّن الاستقرار المالي الذي كان مفقوداً في السابق، بل وقف صامداً على الرغم من الأزمة العالمية والانهيار الاقتصادي لفرق عريق من أجل تأمين الاستقرار في نادي الأنصار.
والبعض الآخر يرى أنه يعمل على طريقة “وان مان شو” محتكراً القرار في النادي رغم عدم خبرته في الشؤون الفنية فضلاً عن استعجاله في السعي لتحقيق البطولات. وهذا ما تسبّب في ابتعاد الأنصار عن التتويج بلقب الدوري منذ سنوات طويلة. في حين اقترح عليه بعض قدامى النادي تشكيل لجنة فنية تعنى بالشؤون الكروية وتقدّم اقتراحاتها في التعاقد مع اللاعبين ونصح الجهاز الفني وغيرها من الأمور التقنية.
الاستقالة وُضعت مجدداً على الطاولة إذ أعلنها في آذار الماضي بعد صعوبة تسديد مستحقات اللاعبين بفعل الأزمة الاقتصادية التي دفعت النادي أيضاً للاستغناء عن اللاعبين الأجانب. لكن هذه الاستقالة لم تبتّ حتى الآن في اللجنة الإدارية حيث من المنتظر أن يعود بدر مجدّداً إلى مهمّته، علماً أن بعض أفراد الإدارة أبدوا تفهّمهم لقرار بدر متسائلين: “كيف لرجل وحيد أن يقف أمام منعطفين خطيرين كان آخرهما جائحة كورونا التي هزّت منظومات إمبراطوريات كرة القدم العالمية من الفيفا إلى الاتحاد الأوروبي الى الفرق والاتحادات الأوروبية التي تكبّدت خسائر بمليارات الدولارات، وحتى إن القيمة السوقية لنجوم العالم قد انخفضت، علماً أن مبدأ الـ”هير كات” طال اللاعبين من قبل الهيئة الإدارية، لكن نبيل بدر طلب عدم التخلّي عنهم باستثناء الأجانب.
اليوم نادي الأنصار في أصعب أيّامه. تشبه سيرته سيرة المنطقة، الطريق الجديدة، وسيرة المدينة، بيروت. كلّما نهضت، نهض، وكلّما تألّمت، كبا وغفا. هو فريق المدينة وأحوال أهلها، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. واليوم بيروت متعبة، كذلك النادي. مسيرة تعب بدأت منذ غاب رفيق الحريري، وتستمرّ إلى يومنا هذا. “أولاد الحيّ” متعبون، عائدون من “غينيس” إلى “الأرض”، وينتظرون بيروت لتقوم من كبوتها.