لا تشبه نشأه نادي الأنصار انطلاقة أيّ ناد آخر… إنّها قصّة “أولاد الحيّ” الذين ترعرعوا في أزقة وجنبات الطريق الجديدة، تلك المنطقة الشعبية التي تعجّ بالصخب والحياة، ويصفها البعض بأنّها “قلب بيروت النابض”. وهي كانت حينذاك المهد الأساسي للعبة كرة القدم في بيروت بفضل ما كانت تضمّه من ساحات وحَوارٍ أغنت الكرة اللبنانية فيما بعد بخامات نادرة ثم ملأت سماء الكرة نجوماً شعّت وتألّقت حتى طبّقت شهرتها الآفاق، وصار يُشار إليها بالبنان.
عاملان لعبا دوراً محورياً في دفع أبناء هذه المنطقة نحو اقتحام ميدان كرة القدم في الأربعينات إلى أن أصبح الأنصار أحد أكبر الأندية البيروتية واللبنانية في التسعينات من القرن الماضي.
العامل الأول عائلي ويتجلّى في وجود أشقّاء من أسر بيروتية عريقة ساهموا بفاعلية في تأسيس النادي، من بينهم سعد الدين ومحي الدين خالد وزهير ودرويش وخالد بعيون وعمر ومنير مكداش ومحمد الجندي والمسؤول الإداري ابو حبيب الكعكي وغيرهم من عائلات المنطقة.
أما العامل الثاني، فكان انتماء معظم هؤلاء الشباب إلى المنظمة الكشفية. وقد أثرت الحياة الكشفية في ترسيخ النظام والانضباط داخل النادي. إذ تأثرت المجموعة بشكل وثيق بالأنظمة الكشفية. ويُحكى أنّ كلّ من كان يتكلّم بدون إذن خلال اجتماعات الفريق كان يدفع غرامة “ربع ليرة”!
بسرعة قياسية شقّ الأنصار دربه نحو التألّق، مكافحاً في الوقت عينه لتجنّب ضربات الاتحاد التي كانت تحاول عرقلة مسيرته، وأولها كان رفض منحه ترخيصاً في بيروت، بل إنّ القيّمين على اللعبة حينذاك منحوه ترخيصاً في محلة الغبيري في ضاحية العاصمة!
وعلى خلاف مسيرات أندية بيروتية أخرى، مثل “الجزيرة” و”النجمة” و”الرياضي”، الذين حظيوا بغطاء ودعم سياسيين، وخصوصاً الأخير الذي رعاه الرئيس الراحل صائب سلام منذ بداياته، شقّ فريق الطريق الجديدة دربه الصعب يتيماً ومحروماً، حتّى من الدخول إلى ملعب بيروت البلدي، أحد أبرز معالم الطريق الجديدة. فقد كان ممنوعاً عليه، ما اضطر لاعبي الفريق إلى التنقّل بين ملعب وآخر لإقامة التدريبات، ومعظمها كان موزّعاً بين ملعب نادي الصفاء في وطى المصيطبة وبين منطقة ثكنات الجيش الفرنسي حيث شارع حمد اليوم. وانتقل بعد ذلك إلى أرض مجاورة ملك آل مجدلاني وحوري (أرض الشهداء حالياً). أما مقرّ النادي، فكان عبارة عن دكّان في شارع الرواس داخل بناية القاطرجي حيث كانت تقام اجتماعات الفريق. وكان المقرّ في الوقت عينه نادياً للعبة “البينغ بونغ” ودكّاناً يبيع الكازوز، أو ما كان يعرف بـ”جلول”.
بسرعة قياسية شقّ الأنصار دربه نحو التألّق، مكافحاً في الوقت عينه لتجنّب ضربات الاتحاد التي كانت تحاول عرقلة مسيرته، وأولها كان رفض منحه ترخيصاً في بيروت، بل إنّ القيّمين على اللعبة حينذاك منحوه ترخيصاً في محلة الغبيري في ضاحية العاصمة!
وبالصبر والجهد والمثابرة واصل الفريق مسيرته نحو بلوغه هدفه المنشود المتمثّل بدخول جنة “الدرجة الأولى”، معوّلاً على نخبة من شباب بيروت، برز منهمأندية بيروتية أخرىأ الوزير السابق خالد قباني الذي لعب في الفريق وترأس النادي في إحدى المراحل، والصحافي عدنان الحاج، والخبير المالي وليد ناصر، والخطاط الشهير خالد بعيون ووليد هنداوي وغيرهم..
بين عامي 1954 و1967 عانى الأنصار الأمرّين من جور القائمين على مقدّرات اللعبة، فكم دُعي إلى خوض غمار دورات التصنيف للصعود إلى مصاف أندية الدرجة الأولى، وفي كلّ مرة كان يصبح قاب قوسين من عتبة الدوري الممتاز، ثم تضيع جهود أبنائه سدى.
ظلّت معاناة الأنصاريين مستمرة حتى عام 1967. ففي تشرين الثاني من ذلك العام دُعي النادي إلى خوض دورة تصنيف ثلاثية. وبفضل إصرار الأنصاريين وعزمهم على الصعود إلى دوري الأضواء، فازوا على فريق الأنترانيك 3 – 1، ثم في المباراة الثانية والحاسمة فازوا على فريق الهومنتمن برج حمود 1 – 0 على ملعب الصفاء في 10 كانون الأول 1967. وصودف أنّ صاحب إصابة الفوز التاريخية هو الوزير السابق خالد قباني. وصعدوا إلى الدرجة الأولى في ذلك العام.
من أبرز لاعبي الفريق آنذاك الحارس محمد وفا عرقجي، والحارس نور الحاج، واللاعبون: خالد قباني، ويوسف السوداني، ورياض صبرا، وعدنان الرواس، وعمر كجك، ومشهور حمود، ووليد ناصر، ووليد هنداوي.
كانت تلك المجموعة تحت إشراف المدرّب التاريخي الذي ارتبط اسمع بفريق “الأنصار”، عدنان الشرقي. كان حينها لاعباً مرموقاً، لكنّ اتحاد اللعبة منعه من الدفاع عن ألوان فريقه لأسباب غير واضحة، فسّرها الفريق آنذاك بأنّها “مذهبية”.
في 1967 دخل نادي الأنصار إلى الدرجة الأولى، وكان عليهم أن ينتظروا بداية الحرب ونهايتها، قبل أن يحملوا الكأس للمرّة الأولى على مشارف نهاية الحروب الأهلية، في العام 1989. وكانت تلك بداية الرحلة من الطريق الجديدة إلى كتاب غينيس.